قارئ المقال
|
خاص : د / محمد الشميري /
“اللي يشوف مصيبة غيره تهون عليه مصيبته”
لم أحب هذه المقولة منذ سمعتها لأول مرة، كنت_ ومازلت _ أبتعد عن المقارنة في أمور كثيرة متعلقة بالصحة والرزق والوضع الوظيفي وغيرها، حتى المنافسة، لا أحبها بالطريقة التي كرسها المجتمع في لا وعينا حتى أصبحت مثل دستور يمارس سلطة تسلب حقنا في الحياة بما يلائم خصوصياتنا الجسدية والتعليمية وقدراتنا المختلفة وتحولنا إلى نسخ مشوهة، لا ترى نفسها إلا بعيون الغير…!
ذات حديث مع صديقة كفيفة سألتها : برأيك، أي الإعاقات أشد صعوبة هل إعاقتي الحركية أم إعاقتك البصرية؟!
أعجبتني سرعة بديهتها في الرد وهي تؤكد أن لكل إعاقة صعوبتها، خصوصا إذا تضاعفت تلك الصعوبة مع الخذلان الذي قد يحيط بالمعاق ويحبطه.
تابعت نهاية الشهر الماضي خبرا عن تخرج أربع عشرة طالبة من الكفيفات في محافظة إب، جميعهن حصلن على الرخصة الدولية في قيادة الحاسوب، وأخريات متخرجات من الجامعة بتخصصات متنوعة، كذلك احتفلت صنعاء بتخرج ثلاثة وثلاثين كفيفة، بتخصصات مهمة سترفد سوق العمل وتجدد فيه الحياة، إن توفقن في الحصول على وظائف.
كعادتي، أعيش الفرح بكل تفاصيله حين أسمع مثل هذه الأخبار المهمة والملهمة، لكن سرعان ما قفز سؤال قديم جديد :
لماذا يحرم معظم المكفوفين من التعليم، ومن يجد منهم فرصة خصوصا الذكور فعلى أحسن حال يذهبون بهم لحلقات تحفيظ القرآن الكريم، ترافقهم عبارات مستهلكة مثل “هؤلاء بركاتنا وأنوار بصائرنا”، وهنا لابد من التوضيح، أنني لست معارضا لحفظ القرآن الكريم، لكني أرفض وبشدة حرمانهم من حقهم في التعليم العام ومواصلة دراستهم والوصول إلى حقهم في الوظيفة سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، بعيدا عن الوصاية التي قد تظهر على شكل محبة قاتلة مع سبق الإصرار والترصد!
في أثناء كتابتي لهذا المقال، حاولت العثور على إحصائية عن عدد المكفوفين في اليمن، لكن البصر انقلب خائبا وهو حسير، إذ لا توجد إحصائيات عن المعاقين بشكل عام فضلا عن ذوي الإعاقة البصرية الذين ربما تجاوز عددهم عشرات الآلاف، خصوصا إذا ما علمنا أن هناك قرى بأكملها كفيفة….!
لن أسترسل في الحديث عن ثقافة الوصاية التي نقع جميعا تحت سطوتها دون وعي، ويكون المعاقون ضحاياها الأكثر تضررا، لكني سآخذكم معي إلى الجدار الأزرق، أقصد الفيسبوك وإلى غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، لأحدثكم عن دهشة صعقتني حين قال لي أحد المكفوفين: كنت أشاهد فيلما…!
نعم قال أشاهد، ولم أعد إليه إلا بعد أيام ، تحررت فيها من سحر بيانه وكهرباء جهلي، بعثت له استفسارا قرأته كثيرا في تعليقات على منشورات أصدقاء مكفوفين : كيف بهذه السرعة تتصفحون وتكتبون وتشاركون؟!
ضحك صديقي وقال : يبدو أنكم لا ترون هذا التطور الهائل في التقنيات وتكنولوجيا المعلومات، ثم شرح لي عن التطبيقات الناطقة التي تقرأ لهم حتى شكل الايموجيهات بمختلف مشاعرها، ثم عقب : هناك مهندسون حول العالم مكفوفون ويديرون مشاريع عملاقة، ونحن لم يصدق أصحابنا أننا معهم في هذا الفضاء، وكأن الجن يسترقون لنا كل ما يدور حولنا….!
تذكرت لحظتها عبارة قالها صديقي الكفيف حين كان يدير ندوة عبر تطبيق الزوووم، وسألت إحدى المشاركات عن شريحة عرضتها، فقال لها : نعم ظهرت لكني لا أراها…!
أختم حديثي هذا بأمرين، إن المجتمع الذي يتكون بالضرورة من شرائح مختلفة ومتنوعة لن ينهض إلا بمشاركة كل هذه الشرائح،أو سيظل مجتمعا كسيحا في عالم يتغير كل ثانية.
الأمر الآخر، إن كنت ترى إعاقتك مصيبة، فلا تنظر مصيبة غيرك ولا تنتظرها لتباشر بالمقارنة وتنعم بالراحة.