المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

أمل .. من عدم المساواة والإقصاء
إلى الآفق الواسع من الطموح والنجاح.

أمل حسن الغويدي
قارئ المقال

قادرة بعزيمة لا تلين وإرادة صلبة ، تكاد تقهر الجبال , كسرت حواجز اليأس التي تقف أمام طموحها وعزيمتها النابع من إيمان قوي بما لديها من مواهب وإمكانيات رغم الإعاقة الحركية التي شخصت على أن إعاقتها شلل دماغي ولين في العظام , برغم كل الظروف التي واجهتها وخاصة ما فرضتة العادات والتقاليد المجتمعية ونظراتهم القاصرة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة ناهيكم أنها ايضا فتاة من ذوات الإعاقة . لكنها رسمت بريق أمل يضيئ لها طريق حياتها .

نستضيف اليوم وبكل فخر واعتزاز عبر صفحة المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة إحدى المثابرات من ذوات الفكر الطموح والعزيمة التي لا تلين ،

أنها أمل حسن الغويدي الحاصلة على بكالوريوس تقنية معلومات جامعة سكيم مانيبال الهندية اضافة الى دبلوم عالي تصميم شبكات معهد أبتك ودبلوم عالي هندسة شبكات معهد سيسكو ودبلوم عالي لغة انجليزية معهد يالي (التوفل) رخصة دولية في الترجمة من اليونسكو.

حكاية أمل

بدأت الحكاية بطفلة مطلبها الوحيد من هذه الحياة أن تعيش كبقية أقرانها , أتت أمل كأي مولود جديد يطل على الدنيا و لكن بسبب الضغوط النفسية و سوء التغذية عند والدتها ولتعسرها في الولادة وسوء تصرف الأطباء حدث للمولودة اختناق ، مما سبب لها شلل دماغي مع لين عظام

فكانت كصاعقة نزلت على أهلها بدل أن تكون فرحة كبيرة.

طفله لا تحرك يد ولا قدم ولا تأكل ولا يمكن حملها إلا فوق وسادة , ولكن أم أمل اتبعت إحساسها وصممت مع والدها على أن يجعلوا من طفلتهما شيء له وجود ، وكيان في المجتمع. هم لا يعرفوا لماذا هي هكذا ولا يعرفوا ما مقدار تلكم النتائج التي سيصلان إليها ، تخلل اليأس إلى نفسيهما وربما الإحباط شيئا فشيئاً , ولكن بقية تلكم الأحاسيس التي تنتاب الأم بأن هذة المولودة يجب أن يكون لها شأن عظيم . فكان أول قرار لهم اختيار اسما لها يمنحها القوة والتفاؤل والذي لطالما افخرت به العالم وهو “أمل” فبدأت والدتها الأمل باستخدام العلاج الطبيعي بشكل عشوائي في المنزل دون استشارة طبيب أو مختص، وبعد فترة تابع الأبوين علاج “أمل” في بعض العيادات ثم في كل المستشفيات الكبرى في السعودية و ركزوا عليها بتمارين العلاج الطبيعي يوميا وبدأت بالحبو وهي في السنة الثالثة من عمرها وبدأت تقف على قدميها في السنة التاسعة من عمرها ، فكان لتلك الإرداة التي تولدت لدى الأبوين دافعا نحو بصيص الأمل التي وصلت إلية طفلتهما ليكون هذا الانجاز الماثل أمامهم الآن , ليعلموها الثقة بالنفس مع الرجوع إلى الله في كل أمور حياتها وفي اتخاذ قراراتها, ووفروا لها بيئة طبيعية بين إخوتها , وكل من حولها فلم تشعر يوماً إنها مختلفة عنهم ،

وبدأت أول خطوة نحو المستقبل .

أمــــــــل … والمدرسة

وعندما بدأت سن الدراسة لم تقبل أي مدرسة حكومية “أمل” بسبب إعاقتها و خوفا من المسؤولية أو بحسب ظنهم أنها إعاقتها ستشكل خوفا لدي بقية الطالبات بسبب اختلافها ,لا تدري “أمل” ما المشكلة الحقيقية بالضبط. فكانت والدتها عند تقديم طلب تسجيلها في أي مدرسة تضعها في ساحة المدرسة ، وتدخل إلى الإدارة بمفردها بالملف حتى لا تسمع “أمل” أي كلمات جارحة وخشية أن يتسلل الحزن إلى نفس طفلتها أن رفضوا قبولها لديهم ولكن “أمل” كانت تشعر بذلك , وعند رفضهم للطفلة تعود الوالدة بها إلي المنزل وهي مبتسمة, تبكي من داخلها لسوء المعاملة فتسألها أمل متى سأبدأ الدراسة؟ فترد الأم إن شاء الله قريبا يأبنتي لأنها تعرف مدى شوق طفلتها للمدرسة والدراسة, ومن كثر شوقها للدراسة، بدأت تقراء و تكتب عربي وانجليزي وحدها ومع إخوتها , فكان كل من يراها يظن أنها في مدرسة خاصة أو أجنبية .

بصيص أمل…

في إحدى الأيام كانت أمل تتلقى العلاج في إحدى المستشفيات السعودية ، رأتها طبيبة أثناء تطبيق طلاب الامتياز وهي تكتب و تقرأ .. فسألت الطبيبة الأم: أين تدرس أمل ؟ فلما عرفت بأن أمل لا تدرس , قررت أن تدرسها في مدرسة خاصة على حسابها الخاص ودعمتها أيضا حتى أنهت مرحلة الإعدادية لأن أسرة “أمل” ذات دخل محدود. فكان ذلك بمثابة بصيص أمل وحلم، انبرئ جليا بمدى سعادتها وهي تضع قدميها ثقيلتا الحركة في اول سلالم الأمل المنشود ولتبدأ رحلتها منذ تلك اللحظة، مع كل الصعوبات التي واجهت “أمل” كادت أن تطير محلقة في بحر العلم الى درجة ان معلمتها حاولت وضع مقعد بجانبها لكثرة نشاطها الذهني و الحركي ومشاركتها وسعادتها, وبدأت مشوار حلمها الطويل مع مجريات التحديات التي لا تعلم “أمل” ما هي اجتهدت وثابرت وكانت دائما تحتل الترتيب الأول ، حتى أتممت المرحلة الثانوية في بلدها اليمن.

حلم أمل…

تحلم أمل أن تكون طبيبة ساعية من خلال ذلك الحلم الذي رسمته إلى مساعدة كل من يحتاج إليها وبخاصة الأطفال،

فعزمت على اجتياز كل الصعوبات والعقبات بقوة عزيمتها وتشجيعا من أبويها وأسرتها , ومع اجتياز المرحلة الثانوية بتفوق لا تعلم “أمل” أنها مع القدر من جديد في تحدى أخر , خيل لها أنها في مرحلة انضج من المراحل السابقة كونها ستكون بمعية صفوة المجتمع ونخبته وهم أساتذة الجامعات ولكنها كانت الصدمة التي فجأتها ووجدت سيناريو الرفض مرافقا لها فقد تم رفضها من كل الجامعات التي تقدمت اليها .. لماذا ؟ لأنها معاقة. وبعد بحث من قبل أخوة “امل” وجدوا لها جامعة تقبل بإعاقتها ولكنها جامعة خاصة فبرغم ظروفهم المادية الا انهم وجدوا في ذلك إسعاد لأختهم التي تمالكها الحزن ،وقد يتسلل اليأس إلى خلجاتها، وكانت بمثابة خطوة أعطتها الفرصة بعدما ضاع الأمل ولكن ظهرت لها مشكلة أخرى أنه ليس لديها المال الكافي حتى تلتحق بها .

كفاح أمــــــــل .. ودراستها الجامعية

نظرا لتكاليف الدراسة الباهظة في الجامعة الخاصة قررت أمل أن تخرج و تبحث عن مصدر دعم أو عمل، وهي خجولة جدا لأنها لم تطلب من احد غريب أي شيء من قبل, وسط رفض أهلها خروجها خوفا عليها من العالم الخارجي فصممت أمل وخرجت. وحصلت على مساعدة من أهل الخير و دعم من أختها ذات الراتب المحدود التي أصرت على مساعدتها والوقوف إلى جانبها , ودرست في كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية تخصص ترجمة لشغفها بتعلم هذة اللغة ، إضافة إلى أن الرسوم مناسبه لها مقارنة بغيره من التخصصات في تلك الفترة, وبعزيمتها المثابرة كانت تتربع على المرتبة الأولى على الدفعة , وأثناء دراستها ظلت تبحث عن عمل فعملت كإدارية في أحد المستشفيات كطباعة بشهادة الإعدادية حتى توفر مصاريفها الخاصة ,

وتقول أمل ” رغم تلك الصعوبات التي قررت من خلالها إثبات الذات أتذكر ان الله هيأ لي الكثير من الأسباب فكان زملائي متعاونين معي جدا, ولا انسى أبي كان وقتها يمتلك باص (حافلة) كانت وسيلة المواصلات المساعدة لي فكان يأخذني بين العمل والجامعة، واستغليت فترة مابعد العصر بتدريس مجموعة طلاب مادة الانجليزي , إضافة إلى ما كنت اشتغله من اعمال يدوية كتطرز بالخيط و بالخرز وتصنع إكسسوارات حتى أستطيع مجابهة تكاليف الدراسة , وتجمع قيمة جهاز كمبيوتر لطالما حلمت بأن أمتلكه ليكون لي عونا في دراستي ” .

عندما تتجدد الآمال …

بخطوات واثقة دوما كبرت “أمل” وكبر طموحها فحاولت ان تعمل بشهادتها الجامعية في الشركات الكبيرة أو الأجنبية

وبعض المنظمات فلم يقبل بها أحد منهم لانها معاقة فهم ينظرون إلى إعاقتها لا إلى ماتمتلكه من قدرات وبعد فترة من الحزن على وضعها نصحتها امرأة فرنسية بأن تدرس كمبيوتر مع الانجليزي لتحصل على عمل أفضل فقررت الدراسة في هذا المجال ولكن ظل المال هو العائق ؟

وحينها سمعت عن صندوق المعاقين الذي بفضله كما تقول “أمل” أنها أستطاعت أن تدرس بكالوريوس تقنية معلومات في جامعة هندية كان لها فرع باليمن واختباراتها عن بعد وكانت الأولى على الدفعة و أيضا درست دبلوم عالي تصميم شبكات ثلاث سنوات في معهد أبتك, فأحبت البرمجة مع ميولها إلى دراسة الشبكات وكون الطبيب نصحها بتخفيف الجلوس على الكمبيوتر أيضا درست بعدها هندسة شبكات CCNA في أكاديمية سيسكو حتى تأهل نفسها في هذا المجال و تتمنى أن تدرس CCNP بعد ذلك وان تعمل في هذا المجال, و حصلت على منحه من السفارة الأمريكية صدفه لتحضر التوفل في معهد يالي بعد أن تم رفضها من قبل نفس المعهد لكونها ذات إعاقة . كما حضرت بعض الدورات مثل: دورة البرمجة العصبية بما فيها من التنويم المغناطيسي والعلاج بالإحاء و تحليل خط اليد و حصلت على شهادة مدربة دولية في التنمية البشرية. ثم حصلت على رخصة رسمية لمزاولة مهنة الترجمة من منظمة اليونسكو لتستطع أن تعمل العمل الذي تطمح إليه .

طموحاتي

وقبل أن نختم مع “أمل” كان لزاما أن نتعرف على طموحاتها وأمالها التي مازالت ترنوا إليها بشغف بعد هذة الرحلة المفعمة بالعلم والمعرفة والسمو، فماذا تقول أمل ” مازلت أطمح أن أكمل دراستي العليا في مجال الشبكات أو إدارة الأعمال نظام MBA في الولايات المتحدة وان يكون لي مكانة مميزة في المجتمع وأتمنى أن أعيد ولو جزء من الجميل لوالدي الحبيبين وأسرتي وقت ضعفهم كما دعموني في وقت ضعفي وأكون داعمة أيضا لكل من يحتاج جلسات العلاج الطبيعي الذي انقطعت عنها منذ عودتي إلى اليمن لأنه هو علاجي الوحيد “

ونختم مع “أمل” بهذة العبارات التي لخصت رحلت أمل الغويدي الطويلة والتي وضعتها نصب عيناها فتقول :-

تعلمت من الحياة ” أن المجتمع لا يرى الإنسان قبل وصوله ولكن يراه بعد أن يكاد يصل”.

” سأظل أسير و أسير في هذا الطريق و نور الأمل هو الرفيق رغم إني لا ادري ما هي نهاية هذا الطريق إنما أرى بريق”.