قارئ المقال
|
متابعات/
“انفعال حاد وصراخ مستمر” هكذا تتلخص حالة الطفل أحمد (7 أعوام)، الذي يعاني من “متلازمة داون”.
لم يكن والدي أحمد يدركان أساليب آخرى للتعامل مع طفلهما خارج إطار التعليمات الطبية التقليدية. حتى بدأت إحدى معلماته المتخصصات في التأهيل بممارسة نهج مختلف، يعتمد على الفن، الذي بات يساعد أحمد ويسعده.
اختصاصية التربية الخاصة والتأهيل شفاء العمارات، تبين أن كل طفل يتميز عن غيره، ولا سيما الأطفال ذوو الإعاقة، الذين يحتاجون إلى اهتمام ورعاية أكبر، وانطلاقا من هذا وجدت في الأساليب الفنية غير التقليدية بارقة أمل قد تساعدهم. حيث كانت بداية تجربتها بالعلاج بالفن مع أحمد بعد ملاحظتها لسلوكه العدواني في الصف.
يعرف العلاج بالفن بحسب دراسات: بأنه شكل من أشكال العلاج النفسي المعتمد على الفن كوسيلة للتعبير غير اللفظي. بهدف التنفيس عن الصراعات الداخلية والمشاعر وتحسين جودة الحياة والوعي الذاتي لدى الشخص. تحديدا أولئك الذين يفقترون إلى أدوات التعبير اللفظي مثل الأطفال وذوي الإعاقة، بمختلف أنواعها (الإعاقة البصرية، الإعاقة العقلية، الإعاقة الحركية، صعوبات التعلم، اضطرابات النطق والسمع، الاضطرابات السلوكية والانفعالية، والتوحد).
وتكمل العمارات، قمت بجمع مجموعة كبيرة من أغطية العلب البلاستيكية الملونة، لأضعها أمامه من باب التجربة، ولنعمل منها شيئا تشكيليا، لكنه سرعان ما فاجأني باندماجه باللعبة وأبهرني بمهارته بتشكيل صورة جميلة ومدهشة.
وتضيف العمارات، خلال فترة وجيزة من الممارسات الفنية الموجهة في الرسم والتشكيل أظهر تحسنا ملحوظا في سلوكه الغاضب، وخف صراخه الذي كان يصدره دوما لعدم قدرته على التعبير اللفظي المباشر، ما شجعها على استخدام أساليب آخرى، مثل “المسرح الصغير للدمى” والرسم، اللذين يسهمان بدورهما في تنفيس الطفل عن انفعالاته والتعبير عن احتياجاته.
إلى ذلك، تبين الاختصاصية العمارات، دور الفن في توطيد العلاقة بين المعالج والطفل، وتسهيل عملية التوجيه والعلاج من خلال الكشف عن مهارات الطفل وتكوين شخصيته بطريقة إيجابية. إضافة إلى توظيف العمليات العقلية وتنمية الحواس.
ومن جانبها، تبين المعالجة النفسية هبة شخشير قدرة الفن في صنع العجائب للأطفال ذوي الإعاقة على حد تعبيرها. من خلال تعزيز ثقتهم بأنفسهم والاتصال لديهم، حيث يعمل العلاج بالفن مع نقاط القوة الفريدة لدى الطفل ويوظفها ما يساعده على النمو والتطور.
وتضيف، يمكن للأطفال الاستفادة بشكل كبير من هذا النوع من العلاج من خلال عمله على الكشف عن مكنونات الطفل التي لا يستطيع شرحها. إضافة إلى ضبط الانفعال، وشغل أوقات الفراغ لديهم بنشاط ممتع ومفيد بالوقت ذاته.
وفي هذا الخصوص تشير الشخشير، إلى تنوع التقنيات العلاجية المستخدمة بالفن تبعا لتنوع الوسائط الفنية، فمنها ما يعتمد على البصر ومنها ما يعتمد على السمع، وأخرى تعتمد على الحواس كفنون الرسم والتشكيل والسايكودراما والموسيقا وغيرها.
وتلفت الشخشير، إلى أهمية التعرض التدريجي للوسلية الفنية بمختلف أشكالها مع توخي الحذر في استخدامها بالخصوص مع الأطفال الذين يواجهون مشاكل في التلاعب بالأشياء الصغيرة والتركيز. مع ضرورة إعطائهم الأدوات والطرق المناسبة لسنهم وقدراتهم.
وتضيف، أن كل طفل فريد من نوعه ويستجيب بشكل مختلف، قد يعبر البعض عن أنفسهم بشكل كامل من خلال أعمالهم الفنية على الفور، بينما يحتاج البعض الآخر إلى مزيد من الوقت والصبر قبل أن يشعروا بالراحة الكافية للانفتاح.
وتشير الشخشير، إلى تنوع مذاهب ومدارس العلاج بالفن، بعضها يركز على نتاج العملية الفنية والمزايا الإبداعية. وبعضها الآخر يركز على العملية الفنية كمتطلب للعلاج.
ويشمل العلاج بالفن التحليلي، العلاج بالفن الموجه والعلاج بالفن غير الموجه. إضافة إلى العلاج بالفن المتأثر.
وفي هذا السياق تقول الشخشير: “إن الأدلة واعدة في هذا العلم -الحديث نسبيا-، لكنها ما تزال محدودة. تحديدا فيما يخص الحالات العقلية الخطيرة”.
وتذكر إحصاءات، أن مصر ولبنان أول دولتين عربيتين أدخلتا العلاج بالفن ضمن العلاج النفسي، لكن ما يزال الإيمان به والاقبال عليه دون المستوى المطلوب حتى اليوم”.
ومن جانبه يوضح رئيس قسم الفنون الموسيقية في الجامعة الأردنية نضال النصيرات، دور الموسيقا في العلاج النفسي، حيث تسهم الذبذبات الصوتية المنبعثة من الموسيقا في التحكم بمزاج وحالة المستمع بصورة كبيرة من خلال تأثيرها المباشر على الدماغ وذلك بحسب نوعها.
ويشير النصيرات في حديثه إلى دور الموسيقا والألعاب الإيقاعية في تفريغ الشحنات الانفعالية لدى أطفال التوحد على وجه الخصوص، الذين يفتقرون إلى كافة مهارات التواصل الاجتماعي.
إلى ذلك، تثبت تجارب طبية سريرية، تحسن في مراكز الاتصال الوظيفي المرتبط بالسمع والحركة لدى الأطفال المصابون بالتوحد بعد فترة من استماعهم إلى الموسيقا.
ويشير النصيرات، إلى أن استخدام الموسيقا في التعافي يعود إلى القرن العشرين حيث كان العلماء والأطباء يستخدمونها كوسيط علاجي للتخفيف من الأمراض والصدمات النفسية النتاجة عن الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويذكر النصيرات، أن الجامعة الأردنية متمثلة بكلية الفنون قامت بطرح برنامج “الدبلوم المهني للعلاج بالفنون” في العام 2022. كبرنامج دراسي بعد مرحلة البكالوريوس، ليمكن طلبة الطب والفنون والموسيقا وعلوم التأهيل من العمل بهذا المجال.
وذلك ضمن مشروع مدعوم من قبل الأتحاد الأوروبي وبالشراكة مع جامعات أردنية عدة، لنشر تقنيات العلاج بالفن في الوطن العربي والعمل بها.
وبهذا الصدد يقول النصيرات: “كأي برنامج في البداية يكون عليه الإقبال ضعيفا ولكن مع مرور الوقت يبدأ المجتمع بإدراك أهميته وما له من تبعات إيجابية مستقبلاً”.
ويضيف، سيكون لدينا في المستقبل مراكز متخصصة في “العلاج بالفن” تحتوي على أجهزة واستوديوهات خاصة ومجهزة بكافة الوسائل والتقنيات الحديثة التي تخدم عملية العلاج الفردي والجماعي.
يذكر أنه تخرج في العام الماضي (8) طلاب في معهد الجامعة الأردنية في برنامج “الدبلوم المهني للعلاج بالفنون”، والآن يوجد على مقاعد الدراسة (8) طلاب أيضاً.
المصدر .. موقع الغد