المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

“حرب لكسر العزلة”.. آباء وأمهات يناضلون من أجل أبنائهم.

صورة لطفل يعاني من اضطراب التوحد
قارئ المقال

خاص : المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة / mcpd


عندما تحدث إلينا –محمود مجلي، وهو أب لثلاثة أطفال اثنان منهم يعانيان من التوحد وفرط الحركة وصعوبة التعلم، لم يستطع إكمال حديثه معنا في تلك اللحظة بسبب حركات أبنائه المفرطة –فماهي حكايات الآباء والأمهات مع أبنائهم ذوي اضطراب التوحد؟
عندما يعرف أولياء الأمور من الطبيب أو المختص بأن أبنائهم مصابون بالتوحد
فإن الأمر ليس بالسهل، ويجد الكثير من الأهالي صعوبة في تقبل الأمر، وأحياناً يصبح لدى الوالدين إنكار وخيبة أمل، واحيانا يستطيع الآباء تقبل الفكرة.

ما هو اضطراب التوحد؟

تعرف منظمة الصحة العالمية اضطرابات طيف التوحد بأنه: “مجموعة من الاعتلالات المتنوعة التي تتصف بضعف السلوك الاجتماعي والتواصل، وبعض الاعتلالات الأخرى التي تمثل نمط لا نموذجي من الأنشطة والسلوكيات مثل صعوبة الانتقال من نشاط لآخر، والاستغراق في التفاصيل، وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس”
كما يصاحب الكثير من حالات التوحد فرط الحركة، ونقص أو تشتت الانتباه، وصعوبات التعلم، وغير ذلك من الاضطرابات التطورية.

اضطرابات في المهارات الاجتماعية.. وآباء يتخلون عن أبنائهم.

في فرصة أخرى عند لقائنا بمحمود أخبرنا عن المعاناة التي يواجهها الوالدان، حيث يقول: “يكون الطفل في أغلب الوقت عصبياً ويحتاج إلى رعاية خاصة في الأكل، والشرب، واللبس والأنشطة الاعتيادية عموماً، كذلك نجد صعوبة في تعليمهم سلوكيات بديهية كالنظافة الشخصية”
يضيف محمود:”هناك تفاصيل كثيرة متعبة في حياتنا مع وجود طفل توحدي بيننا فأمه تضطر لتغيير ملابسهم لأكثر من خمس الى ست مرات في اليوم الواحد ناهيك عن المواقف الصعبة التي تواجهنا عند محاولة إخراجهم إلى المدرسة أو أماكن أخرى.”

محمود وكثير من الأهالي الذين ألتقيناهم يشكون من عدم استطاعتهم توفير الدواء لأطفالهم بشكل مستمر بسبب الحالة الاقتصادية المتدهورة في البلاد.
عند لقائي بها كانت الجدة أم مصلح تصارع حفيديها الإثنين الأول في الخامسة والآخر في السابعة من العمر فقط من أجل إطعامهم وتغيير الملابس لهما.

في بيتها المكون من غرفة واحدة تحدثت معي أم مصلح الجدة التي ترك لها أبنائها إثنين من الأطفال يعانون من اضطراب التوحد وفرط الحركة عن معاناتها مع هؤلاء الأطفال حيث تقول: “ترك لي أولادي هؤلاء الأطفال وكل ذهب في حال سبيله لم يستطيعوا تحمل أن يكون لديهم أبناء معاقين، ولكنني حمدت الله وبذلت مجهود لرعايتهم، وبمساعدة اهل الخير استطعت ادخالهم مدرسة خاصة تعنا بحالتهم”

عند حديثي مع الجدة لاحظت وجود حامل للرأس يرتديه كلا الطفلين وعند سؤالي لها قالت: “الصرع والشحنات تتعبني كثيراً عند إخراجهم من المنزل وأحيان يحدث أنهم يقعون على الأرض ويصابون فأقوم بإلباسهم تلك الخوذات لكيلا يتأذوا”

صورة لطفلة تعاني من اضطراب طيف التوحد

قوة.. حب.. وامل

تحاول أم محمد منذ ان رزقها الله محمد وهو طفل يعاني من اضطراب التوحد وفرط الحركة أن تتأقلم مع حالة ابنها والتي تصف حبها له بأنه لا حدود له.
محمد البالغ من العمر أربع سنوات لا يستطيع ترك أمه لحظات ولا يقدر على القيام بأي نشاط بمفرده ناهيك عن انعدام القدرة على الكلام.
عند الحديث عن ابنها يمكنك أن تلاحظ أن التفاصيل كثيرة في حياة الأهل الذين لديهم أطفال من ذوي اضطراب التوحد.

تقول أم محمد: “ابني التوحدي يحتاج مني اهتمام خاص في تفاصيل حياته فمنذ أن يستيقظ في الصباح الباكر يحتاج الى تغيير ملابسه، وإطعامه، والتأكد أنه في مكان آمن لا يستطيع إيذاء نفسه، وأجد صعوبة جسدية كبيرة في السيطرة على ابني فهو يملك قوة بدنية كبيرة”تستطرد أم محمد والدموع تملا عينيها حسرة على ابنها: “ليتني أستطيع تقديم شيء لابني ليتعافى، وليتني أتمكن من تأمين الحياه الكريمة لابني لأنني أخاف عليه من المستقبل لأنه يعتمد علي بشكل كبير”

إيذاء الذات. العدوانية.. أنماط لمشكلات مختلفة تؤثر على الأهل.

يوضح د. تميم الباشا، ،المدير الفني والأكاديمي في جمعية التحدي للمعاقات حركياً، أن الأطفال ذوي اضطراب التوحد من أكثر فئات الأطفال ذوي الإعاقة صعوبة في التعامل معهم وتعليمهم وتدريبهم وحتى إشباع حاجاتهم، وذلك نظرا لتعدد المشكلات التي يعاني منها الطفل التوحدي والتي تشمل معظم جوانب النمو.
ويضيف الباشا: “إن أولياء أمور المصابين بالتوحد يواجهون العديد من المشكلات اليومية التي تؤثر سلبا على نمط وجودة الحياة داخل الأسرة، حيث أن وجود طفل توحدي داخل الأسرة يعد من أهم المصادر المسببة للضغوط النفسية والاكتئاب لدى الوالدين وذلك للمشكلات المصاحبة للاضطراب مثل نوبات الغضب, والهروب والصراخ والنشاط الحركي الغير طبيعي بالإضافة الى المقاومة الشديدة للتغير في نظام الاسرة.

د. تميم الباشا

كما أن السلوكيات الشاذة التي يظهرها الطفل التوحدي في الأماكن العامة مثل (السلوكيات النمطية ، إيذاء الذات، العدوانية، عض أو ركل الآخرين، والحركات الغير هادفة)قد تعمل على عزل الأسرة عن محيطها الاجتماعي خوفا من التعرض للسخرية والاستهجان من قبل الآخرين.”

وفي ضل تلك المعاناة والصعوبات التي يواجهها أولياء الأمور مع أطفالهم ذوي اضطراب التوحد تغيب بشكل كبير برامج الإرشاد والتوجيه لهم في المنازل، كما تبدو البرامج العلاجية باهظة الثمن وبعيدة عن متناولهم مما يجعلهم معتمدين على الخبرة والتجربة بشكل كبير بما فيها من نجاحات وإخفاقات قد تؤثر سلباً على أولياء الأمور وأبنائهم على حد سواء.