المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

لســــت المعــاقـة الــوحيدة .. هنــــاك مـــــعـاقــيـن وإعاقتهم اشد مــن إعاقتي .

أيمان عبدالله الرجامي
قارئ المقال

خاص /

“بعد مرور سنوات من طفولتي بدأت أشعر بإعاقتي وأتحسس منها ، وكنت أكره نظرات الشفقة التي تصوب نحوي من قبل بعض الناس ، والعبارات الجارحة التي كانت تخرج من أفواههم … لهذا تعقدت وصرت انطوائية, وكنت أكره الناس “الطبيعيين” (غير ذوي الإعاقة )”

قد تكون هذه العبارات هي المشاعر التي تختلج نفسية أي شخص من ذوي الإعاقة للوهلة الأولى من حياته، بل قد ترافقه بقية حياته إذا ما استسلم لها , ولكنها قد تتغير إذا كانت حافزا وانطلاقه للتغير نحو الأفضل .

وهذا ما سوف نعرفه عبر صفحة المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة عن جزء من حياة بطلة قصتنا “إيمان عبدالله الرجامي”

أصيبت بالإعاقة في السنة الثانية من عمرها جراء خطأ طبي ، بعد إصابتها بحمى شديدة , أخذها والدها إلى إحدى العيادات من أجل تخفيف الحمى فكان قدرها مع إبرة ضربت لها بالخطأ سببت لها إعاقة دائمة رافقتها سني حياتها .

إيمان خطأ طبي أعاقها .

ولدت أيمان عبدالله الرجامي عام 1984م في محافظة صنعاء , ملئت أرجاء منزلها بالفرحة التي تنتظرها كل أسرة بقدوم ضيفاً جديداً , وكان ذلك من خلال إقامة كل طقوس الفرح والابتهاج, مرت الأيام وكان عمر إيمان السنتين ليخبئ لها القدر موعدا مع الإعاقة ، تقول إيمان ( والدي في البداية شعرا بالأسى والحزن ، وبعدها رضيا بما قسمه الله وتقبلا إعاقتي بكل رحابة صدر ، وعاملوني مثل معاملتهم لإخواني ليس هناك فرق ، ولم يشعروني بنقص أو أني معاقة أبداً , وزرعوا في داخلي الثقة بالنفس) ,

ومع مرور الأيام كبرت تلك الفتاة الصغيرة ، ومرت بمرحلة الطفولة التي تمتزج فيها الشقاوة بالبراءة , فلم تكن إيمان تعير إعاقتها أي اهتمام بل كما تقول أيمان ” لم أشعر بإعاقتي وكنت كغيري من الأطفال أتطلع إلى اللعب والمرح والمشاكسة مع أطفال الحارة ” ولكن تلك الطفلة الصغيرة أصبحت ناضجة تعي كل ما يدور حولها , وبدأت تطرح على نفسها عدد من التساؤلات؟؟ منها لماذا أنا مختلفة عن بقية الأطفال ؟ لماذا أنا فقط من لا استطيع أن أتحرك وأتنقل كبقية من حولي ؟ بل أنها وصلت إلى درجة الإحساس بنظرات الشفقة والعطف التي تراها في أعين الآخرين ,

كل ذلك خلق لديها عداوة وكره كما تصفه , وتحولت الإعاقة إلى عامل نفسي يلاحق إيمان أينما ذهبت ” بعد مرور سنوات من طفولتي بدأت أشعر بإعاقتي وأتحسس منها ، وكنت أكره نظرات الشفقة التي تصوب نحوي من قبل بعض الناس ، والعبارات الجارحة التي كانت تخرج من أفواههم … لهذا تعقدت وصرت انطوائية, وكنت أكره الناس “الطبيعيين” (غير ذوي الإعاقة)

دراسة إيمان وكراسيها المتحرك

المعاناة التي ترافق الأشخاص ذوي الإعاقة في بداية رحلتهم الدراسية أو مرحلتهم الجامعية مازالت هي المؤرقة لكل ذوو إعاقة ، فليس هناك إجراءات يتم العمل بها من أجل قبول الأشخاص ذوي الإعاقة بحسب إعاقاتهم إضافة إلى صعوبة الوصول إلى مرافق التعليم وعدم تهيئتها بما يتناسب مع إعاقتهم .

التحقت إيمان بالمدرسة وتصف إيمان هذه المرحلة والتي شغفت بها لحبها وإصرارها على الدراسة ” في البداية واجهت صعوبات وعراقيل لعدم توفر كراسي متحركة آنذاك باليمن عدا كراسي متحركة محلية من مركز الأطراف , وكان أهلي يحملوني للمدرسة كل يوم، وبعدها صرفوا لي كرسي متحرك مستخدم وبصعوبة من مركز الأطراف ، كنت أواجه دائماً في الطريق مشاكل بسبب أنه مستعمل ، رغم كل الصعوبات التي واجهتها فلم تقف حجر عثرة في طريق إصراري على إكمال الدراسة، واستخدمت عكاكيز وتدربت على المشي بها “

بإصراراها وحبها للدراسة والتعلم عُرفت بالطالبة المتميزة بذكائها وشاطرتها وتفوقها في الدراسة، ” أقنعتُ الجميع بأن إعاقتي لن تشكل عائقاً ولا يعني أننا لسنا أذكياء، اشتهرتُ في المدرسة من خلال إثبات وجودي بتفوقي في الدراسة ، ولا زال اسم (إيمان الرجامي) يتذكروه لغاية الآن في المدرسة” .

أيمان في كوكب جمعية المعاقين حركيا

التحقت أيمان بجمعية المعاقين حركيا وان كانت الآن لا تتذكر تاريخ انضمامها , لكنها مازلت تتذكر أنها ذهبت إلى عالم أحست فيه بالأمان وكانت بداية لإنطلاق إيمان نحو التميز والإبداع, فقد أكسبتها الجمعية الكثير من الإضافات وصقلت لديها العديد من المواهب أهمها موهبة التمثيل المسرحي , الذي خلد اسم “إيمان” لتكون أفضل ممثلة من ذوات الإعاقة, تقول إيمان” لن أنسى دور إخوتي الذين هم أكبر مني وفضلهم من بعد الله فقد أوصلوني إلى ما أنا فيه الآن .. ” سمع إخوتي عن جمعية اسمها جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركياً وطلبوا مني أن أسجل فيها .. فرفضت بشدة ، ولكنهم أصروا على أن ألتحق فيها وأقنعوني إذا لم تعجبني أتركها ، وعندها كنت صغيرة لا أتذكر في أي عام التحقت بها “

ذهبت إيمان والتحقت بجمعية ذوي الإعاقة الحركية لتكون أحد أعضائها, وتشهد حياتها تحول من نوع أخر وكأنها في كوكب من نفس فصيلتها التي تنتمى إليهم, وان كان هناك ثمة شي جعلها تشعر بالاستغراب والدهشة للوهلة الأولى، منذ أن وطأت عجلات كرسيها المتحرك فناء الجمعية ” كنت أنظر بدهشة واستغراب من وجود معاقين كثر ، وكنت أقول في نفسي لست أنا المعاقة الوحيدة ، بل هناك معاقين وإعاقتهم أشد مني “

إيمان تقهر أبو الفنون

أحبت إيمان الجمعية واندمجت مع المعاقين , وأثبتت وجودها فيها بشكل سريع ، ودخلت في عدة أنشطة منها (دورة الخياطة – دورة الآلة الكاتبة – دورة المسرح ).

وكغيرها من جمعيات ذوي الإعاقة ها هي تعد للاحتفال باليوم الوطني والذي يصادف التاسع من ديسمبر( يوم وطني كان يحتفل به في اليمن )

تتحدث إيمان عن تلك المناسبة ومن هنا كانت انطلاقتها المسرحية ” طلبوا مني أن أكتب مقالة لكي ينشروها في مجلة (الإرادة) , التي كانت تصدر سنوياً في اليوم الوطني للمعاق ، وكتبت مقالة بعنوان ( اشغل حيز من الفراغ ) كانت تحكي عن إثبات الوجود ، وشاركت في بطولة أول مسرحية لي اسمها ( لو كنتم بمكاني ماذا أنتم فاعلون؟) مع المخرج “حسن بخيت ” ، وهي كانت بداية انطلاقتي في مجال المسرح وشاركت بعدها في عدة مسرحيات داخلية ، ومسرحيات خارجية …أهمها:-

– مسرحية ما ذنبي أنا ، وأخذت جائزة أفضل ممثلة في عام 2008م/ قطر

– مسرحية عيال حارتنا ، حصلت جائزة أفضل ممثلة (دور ثاني) في عام 2011م/ الإمارات

– مسرحية حصاد الأرض ، حصلت جائزة أفضل ممثلة (دور ثاني) في عام 2013م/البحرين

تأثرت كثيراً بالأستاذ/علي الخيّاط – مخرج مسرحية (ما ذنبي أنا) وتعلمت منه الكثير ، فكان يجعلنا نخرج عن شخصياتنا تماماً ، ونعيش دور الشخصية التي نمثلها.

إيمان وظيفتي رسمت مستقبلي .

” أتذكر ذلك اليوم جيدا” تقول إيمان , وهو اليوم الذي ذهبت مع مجموعة من أعضاء الجمعية لغرض البحث عن تقديم وظائف لهم , وكان ذلك من صميم الأنشطة التي تقوم بها الجمعية بعد تأهيل وتدريب أعضائها المنتسبين إليها , بينما “إيمان” لم تكن تفكر على الإطلاق بالحصول على الوظيفة وإنما ذهبت معهم من اجل “التسلية وليس للبحث عن العمل”

تقول ” ذهبنا إلى وزارة الأشغال العامة والطرق .. وطلبوا منا أن يختبرونا في الطباعة على الكمبيوتر ، وأنا لا أعرف عن الكمبيوتر شيء ولأن لوحة مفاتيح الكمبيوتر مشابه للآلة الكاتبة بالضبط .. نجحت في الاختبار وقبلوني وأنا لا أريد وظيفة آنذاك لأني كنت لا زلت صغيرة وأدرس في صف ثالث إعدادي ، ولا أريد أن أترك الجمعية، ذهبت إلى البيت وأعطيت ورقة الموافقة بتوظيفي لأخي .. ففرح جداً واندهش لرؤية الموافقة ولم يتبقى سوى إجراءات بسيطة لاستكمال التوظيف , فتابع إجراءات استكمال التوظيف دون علمي .. وأعلموني باتصال من الجمعية بأنها انتهت إجراءات التوظيف وبعد جهد كبير من أهلي لإقناعي بأهمية الوظيفة للشخص غير المعاق فما بالك للشخص المعاق .. داومت من بداية عام 2000م ، في البداية لم أتأقلم ، كنت متساهلة وكثيرة الغياب ، وكان باص (حافلة) الجمعية يأتي إليّ من الساعة العاشرة صباحاً لكي أذهب إلى الجمعية ، كنت متعلقة بها جداً ، وزملائي بالعمل كانوا متعاونين معي وصبروا عليَ ، وظليت على هذا الحال إلى العام 2004م, وبعدها أكملت دراستي الثانوية وابتعدت عن الجمعية شيئاً فشيء، والآن أذهب إليها في المناسبات فقط “

الوظيفة هي بداية خروجي للمجتمع ككل ، وعرفت فعلاً بأن الإعاقة في العقل لا الجسد .. أثبت وجودي بعملي الرائع ، وذلك بقدراتي التي تخطيت بها كل الحدود ، ورسمت معالم مستقبلي المستقل الذي يكفيني السؤال ومد يدي لطلب المساعدة من أي أحد كان.

“يواجهون مشكلة مع إعاقتي ولست أنا”

تقول “إيمان” ” مواقف كثيرة حصلت بحياتي محزنة وسعيدة .. حصل لي موقف قريب جداً أغضبني ، كنت ذاهبة إلى أحد أماكن التسوق لشراء بعض الحاجيات .. أوقفت السيارة وكان هناك اُناس ينظرون إليّ بإعجاب .. فلما نزلت من السيارة ، نظراتهم تغيرت من نظرات أعجاب إلى استغراب كأني جئت من كوكب آخر ( معاقة وتسوق سيارة !!!) ؟ لا يود الجميع كسر نمط تفكيرهم الرجعي … فأنا لا أحتاج إلى شفقتهم ولا نظراتهم التي تعلوها الرحمة ، ولكنني أحتاج لإحترامهم .. فقد قاسيت كثيرا لأخرج من البيت وأفك قيد الخوف والانطواء, حتى أحس أني إنسانه كرامتها تفوق كل الأشياء .. ففي الحقيقة أنهم هم من يواجهون مشكلة مع إعاقتي ولست أنا.

رسالة إيمان لذوي الإعاقة

أتمنى من الجميع أن ينظرون إلينا كأشخاص وليس كمعاقين .. ينظرون بداخل كل منّا، وليس على مظهرنا, يتحدثون معنا ، يتواصلون مع أفكارنا وتجاربنا,

للمعاق الحق في المشاركة بجوانب الحياة المختلفة كـ (المدارس – أماكن العمل – السياسة –الخدمات … وغيرها ) ، والتمتع بجميع حقوقهم الإنسانية ، والعمل على ازالة جميع صعوباتهم ومعوقاتهم.