قارئ المقال
|
خاص : إبراهيم محمد المنيفي/
طريقة تناول ذوي الإعاقة وقضاياهم في الفن والمسرح من أهم ما يجب أن يتصدى له الأشخاص ذوو الإعاقة ومناصروهم، وكل من يدعي الدفاع عن الحقوق والتنوع بالنقد والتصويب.
الفنون مرتبطة بحياة الناس، ويمكن من خلال الفنون المختلفة زرع قناعات وقيم واتجاهات نحو أي قضية، وقضايا ذوي الإعاقة من أكثر القضايا في بلادنا والدول العربية التي جنت عليها الدراما والفنون الأخرى ولم تخدمها كقضايا المرأة والأمن والحرية مثلاً.
“بيونس تعيد تسجيل إحدى إغانيها في إلبومها الجديد بسبب تعبير مسيء للمعاقين”،، تصدر هذا العنوان الصحف والقنوات في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى هذا الأسبوع، وذلك بسبب تضمن ألبوم الفنانة أغنية بعنوان “هيتِد” الذي ورد فيها تعبير قريب من عبارة “يفقد صوابه، أو يُجَن” وهو التعبير الذي يعرف في الولايات المتحدة بأنه يسيء للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعانون من الشلل الدماغي التشنجي.
هذا التعبير الذي نكاد نسمعه كل يوم في بلادنا بتعابير وصور أخرى أشعل منصات التواصل الاجتماعي، بالولايات المتحدة فالجميع وليس المعاقين وحدهم في أمريكا عبروا عن رفضهم له لأن الدفاع عن التنوع وحقوق فئة من فئات المجتمع هي قيمة عند الجميع هناك.
لقد بادر مكتب أعمال بيونس Beyonce
للاعتذار ضمنياً والتوضيح، وقال لب يب يسي: “إن التعبير لم يستخدم بشكل متعمد لإيقاع أذى نفسي، والتعبير سيتم استبداله في الأغنية”، ولكن لم يحدد موعداً لإعادة تسجيلها.
بيونس Beyonce التي أجبرها جمهورها الواعي على الاعتذار وإعادة تسجيل الأغنية هي واحدة من أشهر الموسيقيين في أمريكا، وهي ممثلة وفنانة حصلت على جائزة Jrammy Awards، 28 مرة وهي أكبر جائزة في أمريكا تقدم في مجال الموسيقى، وواحدة من أكبر أربع جوائز في مجال الفنون والمسرح في ذات البلد.
والألبوم المذكور هو الألبوم السابع للفنانة، وتخطى أكثر خمسة ألبومات مبيعاً في المملكة المتحدة هذا الأسبوع، ويتوقع مراقبون أن يحقق الألبوم واحد من أكثر الألبومات مبيعاً ومشاهدة هذا الأسبوع في العالم.
ليس هذا فقط، فقبل نحو أسبوعين أجبر الجمهور المتشبع بالوعي الفنانة ليزو Lizzo، مغنية البوب الشهيرة على الاعتذار بسبب استخدام ذات التعبير في أغنيتها بعنوان: “غرلز”، وقالت ليزو Lizzo في بيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “دعوني أقول شيئاً بوضوح: أنا لم أرد أبداً الترويج للغة مهينة.. وكامرأة سوداء سمينة أعيش في أمريكا سمعت العديد من الكلمات الجارحة، وعليه فإني أتفهم القسوة التي تتضمنها الكلمات سواءً كانت عن عمد أو غير عمد كما في حالتي”، ولم تمضِ أيام حتى أعادت إصدار الأغنية بعد أن قامت بحذف التعبير المسيء.
ليزو أيضاً حصلت مرتين على جائزة Jrammy Awards ورُشحت لها عدة مرات.
تخيلوا لو أن فناناً في بلادنا وصلت أغنيته على يوتيوب إلى مليون مشاهدة فقط، وتضمنت تعبير مسيء أو نمطي عن ذوي الإعاقة!!، هل سيتنبه الجمهور لتلك الإساءة فضلاً عن محاكمة الفنان اجتماعياً؟ هل سيتنازل ذلك الفنان ويعتذر أم سيضرب بالانتقادات عرض الحائط، ويحاول الفهلوة والتذاكي والتبرير بالقول: “المعاقين مش هم احنا المعاقين احنا” كما يحدث غالباً، هل تعلمون أن هذا التعبير مسيء أكثر بكثير من التعبير الذي اعتذرت عنه الفنانتان الشهيرتان ويعتبر الإعاقة وصمة ومشكلة، وصفة يدلل بها على القصور؟.
كم أساءت الدراما في اليمن ولدول العربية إلى ذوي الإعاقة؟، وكم استخدم الفنانون والإعلاميون في بلادنا تعبيرات مسيئة وقاصرة ونمطية عن ذوي الإعاقة دون أن يحاسبهم أحد؟
إن الفنون والدراما تلعب دوراً لا يستهان به في تشكيل وعي الجمهور، وبناء قناعاتهم واتجاهاتهم نحو مختلف القضايا سلباً أو إيجاباً، وعلى الأشخاص ذوي الإعاقة أفراداً ومؤسسات أن يطلعوا بأدوار حقوقية للحيلولة دون الأساءة لذوي الإعاقة في الفنون على اختلافها.
وإن من المؤسف جداً ألا نسمع مؤسسة من مؤسسات ذوي الإعاقة ترفع قضية في المحاكم، أو تعترض، أو حتى تصدر بيان تجاه القوالب النمطية والمسيئة في وسائل الإعلام من قبل الفنانين والممثلين في الأعمال الفنية والدرامية التي زادت كميتها وزادت بالتوازي مع ذلك الإساءة لذوي الإعاقة، إلا من بيانات وتقارير صحفية من المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي تقصى بجهود ذاتية تلك القوالب النمطية والمتحيزة، وبعض الأفراد من الأشخاص ذوي الإعاقة.
ومن نافلة القول إن الكتاب، والمخرجين، والممثلين، وشركات الإنتاج، والقنوات، وحتى النقاد، وكل من يقع على عاتقهم صناعة الوعي يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم الأخلاقية والمهنية، ويجب أن يأخذوا في حسبانهم شريحة ذوي الإعاقة وغيرها من شرائح المجتمع وحقها في عدم التناول المتحيز والقاصر، كما أن من أهم معايير النقد التي يجب أن تعمم على الأعمال الفنية والدرامية هي التعبير عن المجتمع بتنوعه، ولذلك يجب أن يحضر ذوو الإعاقة إلى جانب النساء، وذوو البشرة السوداء، والأطفال وإلا فتلك الأعمال صور مختزلة وظالمة لا تعبر عن المجتمع.
كم نتمنى كأشخاص ذوي إعاقة أن نصل إلى مرحلة من الوعي المجتمعي بحيث لا نشعر أننا نصرخ وحدنا بلا صدى، وبأننا لسنا وحدنا، وأن المجتمع يقف إلى جانبنا لرفض التناولات القاصرة والنمطية عنا.
كم نتمنى أن يعرف الفنانون والممثلون والإعلاميون أننا جزء كبير لا يستهان به من جماهيرهم ونستحق أن نُقدَر، وأن يضعوا لنا حساب في أعمالهم ولا يتخذوا منا ومن أوجاعنا وإعاقاتنا وسيلة للشهرة والنكتة وإضحاك الناس، نحن بشر ومواطنون ولنا مشاعر وقبلها حقوق، وهناك قوانين واتفاقيات دولية تلزم الجميع لو وُجِد من يؤمن بالقانون وقيم الدولة التي تحترم نفسها.