قارئ المقال
|
خاص : دارس البعداني /
يتوجه عبد الله [ اسم مستعار ] كل يوم من الصباح الباكر إلى إحدى الجولات المكتظة بالناس في العاصمة صنعاء ليجمع المال من أصحاب السيارات وكل من يمر من هذه الجولة يقف إلى جانبه أخوه فهو كما يتحدث عبد الله مرافقه ودليله ولأن عبد الله من ذوي الإعاقة البصرية الكلية فإن الأخ الأصغر يدله على السيارات والمارة كي يطلب منهم المال يعمل عبد الله قرابة 12 ساعة يومياً في مهنة التسول برفقة أخيه الأصغر فهي كما يتحدث مصدر الرزق الوحيد له ولأفراد أسرته المكونة من 4 أفراد كلهم يعملون في نفس المهنة لكن عبد الله البالغ من العمر 28 عاماً يؤكد أنه أكثرهم جمعاً للمال وذلك كما يقول بسبب إعاقته التي ينظر إليها الناس برحمة وشفقة وكذلك لخبرته الطويلة حيث أنه بدأ التسول منذ أن كان طفلاً صغيراً عبد الله وأفراد أسرته هم مجموعة صغيرة تمارس التسول بدافع الحاجة ويتخذون الإعاقة وسيلةً سهلة لجمع المال ، فهذه الطريقة كما يؤكد عبد الله علمه إياها أبوه الذي كان يجبره يومياً على الخروج للتسول مستغلاً لإعاقته البصرية حتى أنه رفض تعليمه وإدخاله إلى مراكز التأهيل بحجة أنه كفيف ولن يستفيد منها شيء وأن هذا العمل هو الأفضل والأسهل.
تتزايد أعداد المتسولين يوماً بعد آخر وخاصة الأطفال فعدد المتسولين 7 آلاف طفل متسوّل في العاصمة، صنعاء، من إجمالي 30 ألف طفل متسول في اليمن، بحسب دراسة أصدرها، عام 2011،الدكتور محمد أحمد الزعبي والدكتورة نورية علي حمد في كلية الآداب بجامعة صنعاء، بعنوان: ظاهرة التسول وأثرها الاجتماعي والتربوي في اليمن/ دراسة تطبيقية، أمانة العاصمة نموذجا. لكن تحقيق استقصائي تم نشره في شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية أريج يؤكد أن الأرقام أكثر بكثير مما ذكر في الدراسة وحسب التحقيق فإن ما يزيد عن 14000 طفل دون سن الثامنة عشرة يمارسون التسول في العاصمة صنعاء.
هذه الأرقام والدراسات كانت قبل الحرب الدائرة رحاها منذ سبع سنوات أما الآن فقد تضاعفت الأرقام وزاد عدد المتسولين بشكل كبير. ولن نتحدث كثيراً في هذا التقرير عن التسول كظاهرة لكننا في صدد الحديث عن أسلوب تتخذه بعض الأسر والبشاكات العاملة في التسول وهي استغلال ذوي الإعاقة في التسول وأحياناً التمثيل بأن الشخص يعاني من إعاقة وهو غير معاق أصلاً وذلك لجني المال أكثر والحصول على استعطاف واستجداء الناس يقول الأستاذ محمد العرافي مدير دار رعاية الأحداث في تصريح للمركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة [ M C P D ]” تستغل بعض الأسر إعاقة أبناءها للذهاب بهم إلى أبواب المساجد والشوارع وتستخدم الإعاقة وسيلة سهلة للتسول وجمع المال ويضيف العرافي ” أن هناك الكثير من المتسولين الذين يتواجدون في الشوارع وبرفقتهم أطفال محنطين حسب قوله لا تستطيع الجزم بأنهم معاقين أو غير معاقين هم أحياء أم أموات فهناك الكثير ممن احترفوا مهنة التسول حتى أنهم يتظاهرون بأنهم ذوي إعاقة ويقوم بعضهم بعمل حركات واهتزازات وكأنهم يعانون من شحنات كهربائية زائدة في الدماغ.
الجدير ذكره أنه في وقت سابق تم افتتاح مشروع خاص بمكافحة التسول حيث أنه تم تخصيص دار لاحتجاز المتسولين وإعادة تأهيلهم في منطقة الحتارش في العاصمة صنعاء لكن الموضوع لم يدم طويلاً وسرعان ما تحول الدار إلى مأوى للأمراض النفسية والعصبية.
عبد الله يتحدث أنه تم احتجازه مرتين سابقتين من قبل مشروع مكافحة التسول وتم إطلاق صراحه قبل وصوله إلى الدار وذلك لأنه وبإيعاز من والده دفع مبلغ بسيط من المال ليتم كما قال إنزاله من الباص والقول له أنت كفيف ولا نريد حبسك. في المقابل فإن الكثير من ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم يتعرضون لمواقف محرجة بسبب النظرة القاصرة التي يعممها المجتمع على كل ذوي الإعاقة كما تصرح أم هدى [ أم لأحد الفتيات من ذوات الإعاقة الحركية ] وتقول ” دائماً ما يفاجئني بعض أفراد المجتمع ونحن في الحديقة أو في الأسواق ووسائل المواصلات بإعطاء بعض النقود إلى ابنتي رغم أنها تلبس الثياب الأنيقة وشكلها لا يوحي أبداً بأنها تحتاج إلى النقود. تضيف أم هدى ” لكن جلوس ابنتي على كرسيها المتحرك باعتقادهم يكفي لأن تكون مدعاة للرحمة والشفقة وهذا الأسلوب يضايقني جداً وحتى ابنتي التي تتأثر نفسيتها كثيراً وتبكي وتقول لي متسائلةً لماذا يعتقد المجتمع أن كل ذوي الإعاقة متسولين ويحتاجون الرحمة بينما هناك الناجحين والفاشلين من ذوي الإعاقة وغيرهم وهناك المتسولين من غير ذوي الإعاقة لماذا لا ينظر الناس إلى كل المجتمع بأنه متسول ، وترفض في أحياناً كثيرة الخروج إلى الشارع أو الحديقة خوفاً من تلك المواقف التي تصفها بالمحرجة والمزعجة.
لكن أم هدى تحمل مؤسسات ذوي الإعاقة المسؤولية الكبيرة في عدم القيام بواجباتها وإيجاد حلول مناسبة والضغط على صناع القرار من أجل إنهاء هذه المشكلة ، كما أنها تحمل وسائل الإعلام مسؤولية التوعية وتعريف المجتمع بضرورة التعامل مع ذوي الإعاقة كأشخاص عاديين منهم المتسول ومنهم الأكاديمي والأستاذ. وحين توجهنا إلى مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بأمانة العاصمة لسؤالهم عن الحلول لظاهرة التسول بشكل عام واستغلال ذوي الإعاقة في التسول بشكل خاص أجابنا الأستاذ حسن المسوري نائب مدير المكتب لقطاع التنمية بالقول ” إن ظاهرة التسول انتشرت بشكل كبير بسبب الظروف الحالية وأنها أصبحت تعجب الكثير كون دخلها أحياناً أكثر من دخل الموظف ومشكلة المتسولين أنهم لم يعودوا يرضون بالحلول المقدمة لهم ويضيف المسوري أن هناك مبنى لإعادة تأهيل المتسولين ويحتوي على تقسيمات للنساء وذوي الإعاقة والأطفال لكنه يحتاج إلى ترميمه ليكون جاهزاً لاستقبال هذه الحالات التي سيتم النظر في أوضاعها في ما بعد فالحالات التي تحتاج إلى علاج يتم تحويلها إلى وزارة الصحة وتلك التي تحتاج إلى تعليم تتحمل ذلك وزارة التربية والتعليم وهكذا. يؤكد المسوري على ضرورة تكاتف الجهود من أجل الحد من هذه الظاهرة ومكتب الشؤون الاجتماعية والعمل كما يقول يعمل جاهداً للحد من هذه الظاهرة حيث أنه قام بعمل لجنة متخصصة لعمل دراسة بحثية ميدانية وينتظر النتائج التي ستخرج بها هذه الدراسة.
يؤكد محامون على أن هناك “الكثير من الثغرات” تشوب بند التسول في قانون الجرائم والعقوبات. ويرون أن “هذه الثغرات تجعل من القانون ممرا يسهل التحايل عبره في تنفيذ العقوبة، ويجعل من التسول حرفة لا يعاقب عليها القانون، إلا بالعنوان فقط، لأن المحتوى مفرغ تماما”. الحكومة قامت بمحاولات “غير مجدية” بحسب التقرير الدوري الثالث المقدم من اليمن، حول مستوى تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل وحمايته للحد من ظاهرة تسول وتشرد الأطفال، تمثلت بإنشاء دور رعاية وإيواء وأيضا بإصدار المادة (203) الباب السابع (التسوّل) من قانون الجرائم والعقوبات لسنة 1994. وتنص هذه المادة على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر من اعتاد ممارسة التسوّل في أي مكان، إذا كان لديه أو في إمكانه الحصول على وسائل مشروعة للتعيش، وتكون العقوبة الحبس الذي لا يزيد على سنة إذا رافق الفعل التهديد أو ادعاء عاهة أو اصطحاب طفل صغير من غير فروعه، ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المتسوّل بالعقوبة المقررة أن تأمر بتكليفه بعمل إلزامي مدة لا تزيد على سنة إذا كان قادرا على العمل، أو تأمر بإيداعه ملجأ أو دارا للعجزة أو مؤسسة خيرية معترفاً بها إذا كان عاجزا عن العمل (…)”. لكن هذا القانون لا يطبق على أرض الواقع بسبب ثغرات، تسهّل عملية التهرب من تنفيذ العقوبة، تتمثل في تفسير عبارات مطاطية واردة فيه.
ومن ذلك مثلا أن عبارة “من اعتاد ممارسة التسوّل” تعني أنه لا يجب تنفيذ العقوبة على المتسوّل إلا بعد القبض عليه (عدة مرات) في السنة، واصطحاب طفل صغير من غير فروعه” تدل على أن العقوبة لا تنفذ على من اصطحب طفله للتسول أو حفيده أو أي طفل من فروعه واستخدمه في التسول. وبين الثغرات القانونية الكثيرة والمواد المطاطية تظل ظاهرة التسول والاستغلال لذوي الإعاقة في هذه الحرفة أمراً مستمراً ولا حلول جذرية تلوح في الأفق.