خاص : MCPD/ ميادة العواضي /
عندما تدخل إلى المنزل تستطيع سماع ضحكات الأبناء، ويمكنك الشعور بذلك الدفء في المنزل بمجرد الجلوس معهم منذ الدقائق الأولى.
بالتزامن مع يوم الأم حق لأمهات ذوي الإعاقة أن نكون معهن وأن نعيش تفاصيل حياتهن عن قرب، وقد آثرنا في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة أن نزور أولئك الأمهات في محضن التربية والحنان الأول في منازلهن.
ألتقيت أولاً الفتاة الجميلة بتول 18 عاماً، والولد المرح عمرو 15 عاماً، وهما كفيفان. والدتهما والتي هي محور قصتنا اليوم اسمها -أم الخير السدعة، وهي أم لبتول، وعمرو، وضياء الولد الوحيد البصير بين أبنائها.
تقول أم الخير: “أبنائي هم أعز ما أملك وهم ثروتي في هذه الحياة، وأنا مستعدة لصنع المستحيل لأجل أن يكون لهم مستقبل زاهر وآمن،
عندما يكون أبنائك من ذوي الإعاقة فإن ذلك يضعك أمام مسؤوليات أكبر ويتطلب جهداً مضاعفاً خاصة والأم لم تكن لديها الخبرة في كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة من قبل كما تقول.
تكافح هذه الأم المثالية جاهدةً والتي ولدت في يوم “عرفة” لذلك أسماها والدها أم الخير كما تقول، وتحاول الإيفاء إلى جانب زوجها بمتطلبات الحياة لأسرتها الكريمة مع وجود عوائق كثيرة وصعوبات جمة إلا أنها تتمكن في كل مرة بالإرادة والحب من تجاوز تلك العقبات ضاربة المثل الأجمل في التحمل والقوة والنجاح.
تشاركنا أم الخير لحظات حياتها الأصعب عندما بدأت ابنتها الكبرى بتول، بالذهاب للمدرسة ولم تكن تعلم أن المنهج مختلف، تقول أم الخير: “دخلت مع ابنتي بتول في أول يوم دراسي لها ،تفاجأت جداً من الكتاب البرايل الذي كان أمامي عبارة عن مجرد نقاط لا أعرف لها تفسيراً، ولم أكن أعرف كيف أتعامل معه ولم يكن في بالي أن كتبهم مختلفة، يومها أتذكر أنني بكيت كثيراً وأحسست بأني أم فاشلة، وتساءلت -هل يمكنني فعلاً تحمل مسؤولية ابنتي الكفيفة؟!”
حاولت أم الخير أن تجيب على ذلك السؤال الذي استجد في حياتها، فكانت إجاباتها أفعال أكثر منها أقوال
فكانت تهتم بها، تذاكر معها، تتبع خطوات تعليمها محاولة منها لفهم كيف يمكنها مساعدة بتول، فقررت أن تبدأ رحلة وصفتها بأنها كانت متعبة وجميلة في الوقت ذاته، لقد كانت أم الخير تذهب مع ابنتها للمدرسة الخاصة بها يوماً في الأسبوع لتتعلم طريقة برايل التي يستعملها المكفوفون في القراءة والكتابة، وبعد فترة أتقنتها بشكل جيد.
عندما بدأت تعلم البرايل رسمت أم الخير الحروف بشكل رسومات ليسهل عليها تعلمها. عملت أم الخير في العديد من الأعمال لمساعدة زوجها على صعوبات الحياة، ولتلبي لأولادها احتياجاتهم لكي لا يشعروا بأي فرق بينهم وبين أقرانهم من الأطفال المبصرين.
بداية الرحلة
“لم يكن من السهل تقبل أعاقة ابنتي في بداية الأمر، ولكن لم أشعر بغضب وسخط، كلما هنالك أنني كنت متفاجئة وقتها وخاصة أنه لم يكن في العائلة أحد مصاب بالعمى من قبل” تقول أم الخير، وتضيف: “كانت المفاجأة أقل وطأة عند إنجاب الطفل الثاني وهو كفيف كذلك، فحينما أنجبت عمرو كان هناك رضى تام بما كتبه الله، وأحسست أن هذه نعمة لأنني من خلال تجربتي مع بتول لم أرى أن هناك أي شيء خاطئ أو مختلف، أو أن إنجاب طفل كفيف هو نهاية العالم”
أم الخير في عيون أبنائها.
تقول بتول: “أمي تمثل لي بعد الله كل شيء، لو لم تكن لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولما كنا نجحنا في دراستنا لأنها دعمتنا دعم استثنائي وقوي، وشدت على أيدينا لنواصل تعليمنا، لم تشعرنا بأنها كانت تتعب أو تتململ منا رغم إدراكنا بأننا كنا نتعبها، لكنها كانت وما تزال تدفعنا إلى الأمام”
يصف عمرو والدته بأنها الأكثر طيبة وأن قلبها كبير بين كل الأمهات، ويقول: “أحب تعامل أمي معي واحترامها لي” معلقاً بأنه لا يجد كلاماً لوصف والدته ولكنه يحبها كثيراً ويشكرها كثيراً.
تستمر أم الخير مع أبنائها وتشعر برضى وفرح كبيرين وهي تراهم يتميزون ويتألقون، ففي التعليم أبنائها من الأوائل دائماً، وبتول كانت الرابعة على مستوى أمانة العاصمة في الثانوية العامة لسنة 2020 وهي الآن في السنة الأولى بكلية الإعلام لتصقل موهبة بدأت معها مبكراً بتقديم العديد من البرامج الإذاعية والتي كان بعضها مع أخيها عمرو الذي يدرس حالياً في الصف الثاني الثانوي.
تقبل الآخرين لأبنائها .
تصف أم الخير لحظات استقبال أخواتها وبنات العائلة لها حين عودتها من المستشفى بعد معرفتهن بإنجاب طفلة كفيفة بأنها غريبة وغير مفهومة، فقد استقبلنها بالدموع والبكاء وكأنما كان هناك ميتماً على حد تعبيرها، وكانت هي مستغربة شعورهم وتصرفهم.
وتروي أم الخير للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة موقف المجتمع المحبط الذي لم تستسلم له، تقول: “حينما كانت النساء من أقاربنا وغيرهن يأتين لزيارتنا كُن يمدحن طفلتي ويدعين لي ويختمن حديثهن بتلك العبارة التي كانت تستفزني كثيراً حيث يقلن: “ما أجملها وأحلاها لكن لو كانت مبصرة””
وأخيراً تعتبر أم الخير إن أبنائها هم أجمل ما في الدنيا وتقول أنها فخورة بهم، وتنصح أمهات ذوي الإعاقة أن يمنحن أبنائهن القوة والثقة، وألا يتوقفن كثيراً عند رأي الآخرين لأنه سيتغير مع الزمن.