خاص / مياده العواضي
واجه حسين سعيد، الذي يعاني من أعاقة حركية، رفضا كبيراً من أسرته عندما أخبرهم أنه يريد الزواج من بنت الجيران التي لا تعاني من أي إعاقة.
يقول حسين: “لقد رفض أهلي زواجي من فتاة ليست من ذوات الإعاقة، وللأسف للآن لم أستطع الزواج، فلم أجد الفتاة المناسبة لي، ولا أعتقد أنني أختلف عن غيري من الناس، ولكن أهلي لم يشجعوني ولم يساندوني”.
في بعض الحالات يجد المعاق نفسه محبطاً من أهله الذين يرددون أنه لا وجود لزوجة تقبل بإعاقته، وبهذا لا يخرج الأهل عن دائرة تفكير المجتمع، والذي لا تزال نظرته قاصرة إزاء زواج المعاقين.
هل يحق للمجتمع أن يرفض زواج ذوي الإعاقة بأشخاص لا يعانون من الإعاقة أو العكس؟ وهل العادات والتقاليد الرافضة للفكرة هي المتحكم في مصير كثيرين من ذوي الإعاقة؟
في هذا التقرير يسرد لكم موقع MCPD قصص نجاح لأزواج اختاروا أن يكملوا حياتهم مع أشخاص من ذوي الإعاقة لمعرفتهم الأكيدة أن الزواج حق لكل شخص.
أُصيبت قارية محمد العمري، من محافظة الضالع جنوب اليمن، بلغم أرضي العام 2004 حينما كانت ترعى الأغنام، حيث فقدت رجلها اليمنى لتصبح مختلفة عن بقية الفتيات في القرية، فلم يعد بإمكانها الذهاب إلى المدرسة.
تقول قارية: “مررت بعد الحاث، الذي عصف بأحلامي في متابعة الدراسة، بحالة إحباط نفسي ليقوم والداي بعدها بنقلي إلى صنعاء، لأتابع حياتي هناك في (جمعية الناجين من الألغام)”. وجدت قارية “نصفها الأخر” على حد تعبيرها في صنعاء بعد مرور وقت من خلال دخولها الجمعية، حيث أعجبت بها زميلتها واختارتها زوجةً لأخيها. وعن زوجها تقول قارية: “زوجي يساندني ويدعمني بشكل كبير في كثير من مجالات الحياة ومنها عملي كمتدربة للعبة كره السلة”.
قضـية منسـية رغم أهميتها.
تؤكد الدكتورة عهود الظاهري، أخصائية اجتماعية، على أن قضية زواج ذوي الإعاقة تم تهميشيها بشكل كامل إعلامياً واجتماعياً، ولم يتم تسليط الضوء عليها رغم أهميتها كون ذوي الإعاقة يمثلون ما لا يقل عن 15% من نسبة السكان حسب الأمم المتحدة والاتحاد الوطني للمعاقين، وعليه فهناك حاجة لتغيير النظرة السائدة والمفاهيم الخاطئة التي تخص قدرتهم على الزواج وتكوين أسر قادرة ومعتمدة على نفسها كما يقول ذوو الإعاقة.
زواج وتفاهم رغم الصعاب
يؤكد زوج قارية، جميل محمد “وهو غير معاق” أن نظرة المجتمع إليه وإلى زواجه لا تعني له شيء ولا يعبأ بها، فهو من سيعيش معها، رغم اقتناعه أيضا أنها لا تختلف عن أي زوجه فهي تقوم بواجباتها وتربية أولادهما على أكمل وجه، بحسب جميل. ويضيف جميل: “هي إنسانه مثابرة وأنا أحب أن أراها ناجحة في مجال عملها، لذلك أنا دائماً ما أدعمها وأشجعها”.
ومن جهة أخرى تحدثنا في المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة إلى نساء ارتبطن بعلاقات زواج مع أشخاص من ذوي الإعاقة ورصدنا تجاربهن بكل موضوعية،التقينا أسماء الآنسي، ،امرأة غير معاقة، وعبد السلام العصار، ،من ذوي الإعاقة السمعية، اللذان جمعهما زواج منذ 14 عاماً ساده الاحترام والتفاهم بينهما. تقول أسماء: “إن البدايات في أي زواج تكون صعبة ولا بد من حدوث مشاكل خاصة أن زوجي فاقد لحاسة السمع، ولكن مع مرور الوقت أصبحنا أكثر تفاهماً وانسجاماً”.
تصف أسماء زوجها عبد السلام بالإنسان المتفاهم والقادر على تجاوز الصعاب في حياته وهي ترى أن الزواج من ذوي الإعاقة ليس فيه ما يُعيب بل على العكس تماماً فدائماً ما يكون هناك إرادة وتحدي لبلوغ الهدف من قبل ذوي الإعاقة”
تضيف أسماء لـMCPD: “لم أفكر في رفض زوجي لمجرد أنه أصم ،لأنني أؤمن أن الإعاقة في الجسد ليست مشكلة، بل المشكلة في تفكير البعض ومستوى وعيهم، والتفاهم بيننا كبير ولا يخلو بيت من الصعوبات والحياه الاقتصادية صعبة هذه الأيام”عند سؤالي لأسماء عن طريقة التفاهم بينها وبين زوجها كونه أصم؟!، أجابت: ” في بداية الزواج كنت أجد صعوبة في التفاهم معه ولكننا مع مرور الوقت وجدنا طريقة للتفاهم ولم تعد تواجهنا أي عوائق في التواصل”.
من جهته يشيد عبد السلام، بتعاون أسماء ومساندتها له فيقول: “زوجتي تتعامل معي بشكل طبيعي جداً واذا كانت هناك بعض الأمور لم أفهمها تقوم زوجتي بشرحها وتوضيحها حيث أعتمد في التواصل مع الأشخاص على قراءة الشفاه، وتقوم هي بترجمة كلامي للأشخاص الآخرين باستخدام لغة الإشارة وتساعدني في إيصال المعلومات لي خاصة إذا كنا في السوق او مكان عام”.
حقوق وتشريعات
المجتمع بحاجة رفع الوعي بأن ذوي الاعاقة كغيرهم يريدون أن تكون لهم حياة زوجية ملؤها الاستقرار والمودة طالما هم قادرين على تلبية متطلبات الحياة، وهذا ما نصت عليه الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة المادة 23 التي نادت باحترام البيت والأسرة وحقهم بالزواج وتأسيس عائله.
ويرى كثيرون أنه من الصعب أن يتقبل أي رجل الارتباط بفتاة ذات إعاقة، فالرجل بحاجة إلى من تخدمه وتخدم أسرته وتلبي متطلباته الزوجية والأسرية، يرد بشير سليم ،متزوج بفتاة من ذوات الإعاقة، على هذه النظرة القاصرة بقوله: ” أنا أفتخر بزوجتي كثيراً، وزواجنا مستقر ونعيش كزوجين عاديين يمران بكل ما يمر به الأزواج من مشاكل وصعاب ونتجاوزها بفضل تعاوننا وتفاهمنا”.
يرى سليم أن نظرة المجتمع تغيرت قليلا من زواج ذوي الإعاقة بأشخاص من غير ذوي الإعاقة فهو لا يصادف منذ زواجه بزوجته -وهي من ذوات الإعاقة -أي تهكم أو عتب على هذا الزواج.
ما أسباب الإحجام عن تزويج ذوي الإعاقة؟
الدكتورة عهود بأن المجتمع ما زال غير قادر على تقبل زواج الأشخاص ذوي الإعاقة من غير ذوي الإعاقة. وتلخص الدكتورة عهود أن من أهم العوائق التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة عند الزواج في الاستغلال المادي من قبل بعض الأهل عند تزويج بناتهم، ونظرة المجتمع القاصرة تجاه تزويج الأشخاص ذوي الإعاقة، والمشاكل المادية التي تواجه المعاقين بالنظر الى قلة الأعمال المتاحة، إلى جانب صعوبة إيجاد الشخص الذي يقبل بالزواج من ذوي الإعاقة.
فتيات مظلومات
لمجرد أن تكون الفتاة من ذوات الإعاقة ففرص زواجها تكون محدودة ذلك ما تحدثت لنا عنه أم أفنان ،وهو اسم مستعار، حيث تقول: “أحلم أن تجد ابنتي نصيبها، وأن يكون لديها أولاد كباقي البنات ليكون سنداً لها في المستقبل،”
تتحدث أم أفنان بحرقة لكون ابنتها ذات الإعاقة الحركية تعدت سن الزواج ولم يتقدم لها أحد. مشكلة أفنان وكثير من مثيلاتها تتمثل في النظرة لهن بعين شفقة، وليس بنظرة تدرك أن باستطاعة المعاقة القيام بكامل واجباتها الحياتية على أكمل وجه.