خاص : إبراهيم المنيفي /
شاكر محمد صالح بارحمة، 39 عاماً.
من محافظة شبوة مديرية الروضة.
ولد شاكر فاقداً للبصر إلا من بصيص ضوء يسير لم يمنعه من التعثر هنا أو هناك ،لكنه عاش طفولةً مفعمة بالإرادة والتحدي، يقول شاكر: “كنت ألعب وأجري مع أقراني الأطفال ولم أكن أعترف أو أعتقد أنني أختلف معهم في شيء”
ويذهب شاكر بعيداً في التحدي ويصر أن يلعب مع أقرانه الأطفال كرة القدم ليجاريهم في كل شيء، لكن قلب شاكر الطيب الصغير لم يعرف لماذا لا يتعثر الأطفال الآخرون ويسقطون على الأرض مثل شاكر (يجيبه أقرانه في مشاكسة طفولية شقية لأنك أعمى يا أعمى)، يطرق شاكر برأسه رويداً ثم يصرخ في وجوههم “حسناً اغمضوا أعينكم – هل تستطيعون أن تمشون بمفردكم مثلي؟ هل تستطيعون أن تلعبون الكرة أو حتى تعودوا إلى منازلكم بمفردكم كما أفعل؟ لا يجيبه أحد، فقط يجيبه صوتاً من أعماقه (لا يستطيعون لكنك تفعلها وأنت مغمض العينين لأنك أقوى).
*متى ولماذا شعر شاكر بأنه معاق؟!!!.
بتلك الإيجابية وبوقوف أسرة شاكر إلى جانبه لم يستسلم أو يتوقف على الإطلاق، فقد كان يذهب إلى المدرسة مشياً على الأقدام قاطعاً حوالي عشرة كيلو متر يومياً.
وهكذا التحق شاكر بمدرسة القرية وهو في السادسة من عمره، وكان يستعين ببقايا البصر القليلة لديه للمذاكرة بالإضافة لتعاون أفراد أسرته، لكن فقدان البصر كان واقعاً ولابد لشاكر أن يواجه.
يقول شاكر: “كابرت كثيراً وفعلت كلما كان يفعله أقراني الأطفال رغم سقوطي المتكرر من أماكن مرتفعة وتعرضي لعدة كسور في أماكن مختلفة من جسمي بسبب الطبيعة الوعرة لمنطقتي، إلا أن هناك مرحلة لم أستطيع مواجهتها إلا بالحقيقة وهي حينما كان زملائي في الصف يقرأون ويكتبون ولا أستطيع فعل ذلك مثلهم، فأدركت أني كفيف أختلف عن زملائي ولي ظروفي واحتياجاتي المختلفة” يضيف شاكر: “شعرت بالمرارة والخيبة وتوقفت عن التعليم في الصف السابع”
شاكر ينهض من جديد.
ليست المشكلة أن تسقط لكن المشكلة ألا تستطيع الوقوف مرةً أخرى، المشكلة أن تتوقف عن المسير، أن ترفع الراية البيضاء لليأس فتنهزم، وهذا ما أدركه شاكر منذ توقف عن المدرسة فمضى يتمثل قول الشاعر * سنظل نحفر في الجدار* إما فتحنا فتحةً للنورِ أو متنا على وجه الجدار.**
فانتقل شاكر مع والده إلى مدينة تعز حيث كان لوالده هناك مطعم يديره، وكان يرقب والده بعقلية متفتحة لكسب الخبرة في كيفية إدارة شؤون المطعم فأصبح والده يعتمد عليه وخصوصاً أثناء غيابه في إيقاظ العمال وتوزيع الأدوار، وفي استقبال الجهات الحكومية مثل البلدية والصحة والتعامل معها، وغيرها من الأعمال رغم صغر سنه حينها.
وأثناء تواجده في تعز يروي لنا شاكر حادثة عرضية يقول أنها ينبغي أن تكون عرضية ولا يصح أن تكون سلوكاً في مؤسسات ذوي الإعاقة، وذلك حينما توجه لفرع صندوق المعاقين بتعز لطلب إحدى الخدمات رفض المسؤولون هناك تلبية الطلب لأنه من شبوة وليس من تعز.
نقطة التحول في حياة شاكر.
مرة أخرى يرفض شاكر أن يكون هامشاً ويصر أن يكون متناً فانتقل إلى محافظة عدن والتحق بمعهد النور للمكفوفين هناك لتشكل هذه الحادثة نقطة التحول الأكبر في حياته كما يقول.
ويثني شاكر على دور المعلمين والإداريين بمعهد النور الذي كان لهم كبير الأثر في حياته بالإضافة للاختلاط بمكفوفي عدن الذين احتك بهم مؤثراً ومتأثراً بشكل كبير.
والتحق شاكر ببرنامج مكثف لمحو الأمية لانقطاعه الطويل عن التعليم في عام 2015-م، ثم بدأ من الصف التاسع الأساسي، وفي هذا العام قرر الالتحاق بقسم الحقوق بكلية العلوم التطبيقية – جامعة عدن، وهو التخصص الذي طالما خطط له شاكر واطلع عليه بشكل كبير، حيث يقول شاكر لل-MCPD: “لم يكن اختيار التخصص بالصدفة بل عن رغبة وهواية وتخطيط مسبق، وقد سبق لي أن حصلت على دبلوم في الاستشارات القانونية وأنا في الثانوية العامة”.
واندمج شاكر في المجتمع العدني الذي أحبهم وأحبوه بشكل سريع وغاص عميقاً في تكوين الصداقات والعلاقات الواسعة حتى تم انتخابه عضواً للهيئة الإدارية بجمعية المكفوفين بعدن ليتولى إدارة العلاقات العامة بالجمعية عام 2017-م، بالإضافة لترأس دائرة ذوي الإعاقة بمؤسسة روم لإعمار الأرض، وعضوية العديد من المبادرات الشبابية والمجتمعية الأخرى.
شاكر ناشطاً وسفيراً للسلام.
في منتصف عام 2015 انقشعت غبار الحرب عن محافظة عدن بعد أن خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى والمعاقين، فنشطت جهود المنظمات المحلية والدولية في برامج بناء السلام والتماسك المجتمعي، وفي تلك الأجواء انخرط شاكر وبقوة في تلك الجهود إيماناً منه بحق المجتمع عليه، وفي عام 2018 قرر شاكر ألا يكون الوحيد من ذوي الإعاقة الذي يخدم المجتمع فأسس مبادرة (صناع الأمل) وجميع أعضائها من ذوي الإعاقة ولكن نشاطها موجه لكل شرائح المجتمع، يقول شاكر لل-MCPD: “ذوي الإعاقة جزء من المجتمع وكما أن لهم حقوق نطالب بها دائماً فعليهم واجبات تجاه المجتمع وينبغي أن تتاح لهم الفرصة للقيام بتلك الواجبات”
وبعد تأسيس مبادرة (صناع الأمل) وفي نفس العام قررت مؤسسات المجتمع المدني بعدن عام 2018-م أن تمنح الناشط شاكر بارحمة لقب (سفير السلام)، يقول شاكر: “هذا اللقب مثل لي دفعة معنوية كبيرة وأشعرني بأهمية ما أقوم به تجاه المجتمع، وقررت أن أدفع بالمزيد من الأشخاص ذوي الإعاقة في مجال بناء السلام وتماسك المجتمع واليوم هناك الكثير من النشطاء ذوي الإعاقة بعدن والمحافظات المجاورة”
وفي شهر مارس آذار 2020-م تم تعيين شاكر بارحمة مديراً عاماً لصندوق رعاية المعاقين بمحافظة شبوة كأول شخص من ذوي الإعاقة يتولى فرع من فروع الصندوق، وصندوق المعاقين هو الجهة الحكومية المخولة بتقديم الدعم والإشراف على أنشطة جمعيات ومؤسسات ذوي الإعاقة.
يعتبر شاكر هذا المنصب تكليفاً لا تشريفاً ومهمةً صعبة على حد تعبيره ويصف مهمة الصندوق وأهدافه بعبارة واضحة ومختصرة فيقول: “صندوق المعاقين وُجِد لتغيير واقع المعاقين إلى الأفضل”
وتحدث شاكر إلى ال-MCPD كثيراً عن التحديات التي تواجهه في منصبه الجديد منها *التباعد الجغرافي لتواجد المعاقين وصعوبة الوصول إليهم في ضل الإمكانيات الشحيحة *عد توجيه إيرادات المحافظة الخاصة بذوي الإعاقة إلى صندوق شبوة مباشرة، لكنه يبشر ويقول إن كل تلك التحديات جاري العمل مع المسؤولين والمختصين لحلحلتها.
وهكذا أثبت شاكر محمد بارحمة أن الإعاقة ليست نهاية المطاف بل ربما بداية الطريق، وأن الصعوبات ترياق النجاح، وأن الوقوف القوي والصلب كانت تسبقه عثرات على طول الطريق وأن العصامي العنيد من أصر ويصر على اجتراح المصاعب ليرتاح ضميره وترتاح نفسه حينما يقف في القمة ويشير إليه الجميع.