قارئ المقال
|
“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”
خاص : إبراهيم محمد المنيفي /
في ظهيرة 19 فبراير شباط عام 2018 كان عبد الله حسين يتجول رفقة أحد أصدقائه كأي يوم عادي، ولم يكن يعلم أن ثمة خطوة ستغير حياته إلى الأبد، خطوة واحدة هي التي غيرت مجرى الأحداث فيما بعد تماماً في حياة عبد الله، وأسرته التي يعيلها وتتكون من زوجته وأبنائه الأربعة.
لقد داس عبد الله على لغم أرضي أدى إلى بتر رجله اليمنى في الحال وأصيب بجروح أخرى، بينما حالت عناية الله دون أصابت صديقه الذي كان يُبعد عنه عدة أمتار.
يتحدث للمركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة عبد الله حسين ناصر، 33 عاماً، وهو من أبناء محافظة حجة الواقعة شمال اليمن وتُبعد عن صنعاء بحوالي 223كم عن قصته قائلاً: “لم أكن أتوقع أن تلك المنطقة مزروعة بالألغام وحينما انفجر بي اللغم لم أفقد الوعي بل أنني صرخت بصديقي أّلا يقترب وأن يظل ثابتاً في مكانه خشية انفجار لغم آخر وزحفت على الأرض ما يقارب الثلاثين متراً حتى وصلت إليه وبادر بأخذ هاتفي من جيبي والاتصال بشقيقي الذي أقبل على الفور وقام بإسعافي مع صديقي على دراجة نارية إلى المركز الصحي القريب من المنطقة، ثم تم نقلي إلى مستشفى أخر بإمكانيات أفضل وهناك ظليت فيه 20 يوماً أتلقى العلاج اللازم”، ويضيف عبد الله: “إن بعض الأعصاب وخصوصاً أعصاب الرجل المبتورة بدأت بالتيبس وكادت تؤدي إلى مضاعفات أخرى وهذا ما اضطرني للانتقال إلى مركز الأطراف في صنعاء بتوصية من الأطباء المختصين لغرض إجراء التمارين والتدريبات اللازمة”
تحدي إثبات الوجود خياراً وحيداً.
ليس من السهل أن يتكيف شاب اعتاد على النشاط والحركة مع الإعاقة المفاجئة خصوصاً أن عبد الله لم يكن يملك من الوقت والظروف ما تمكنه من التوقف أو إعلان العجز والاستسلام فقد كانت معركة الحياة مستمرة ولا تزال، فلديه أسرة هو عائلها الوحيد، وهنا كانت الخيارات المتاحة أمامه قليلة جداً إذ أنه قبل الإعاقة كان يعمل بالعديد من الأعمال الحُرة بأجر يومي ومعظمها إن لم يكن جميعها باتت غير مناسبة.
واستمر عبد الله ينحت في الصخر، وحاول ثم حاول حتى وصل ولكل مجتهد نصيب.
يقول عبد الله أن المعنيين في جمعية قنوات الأمل (وهي إحدى أبرز الجمعيات العاملة بمجال ذوي الإعاقة في محافظة حجة) تواصلوا به منتصف العام الماضي وعرضوا عليه فرصة تدريبية ممولة في مجال الخياطة والتطريز وأنه قد التحق بتلك الدورة واستفاد منها بشكل كبير، وبتعبيره الخاص قال عبد الله بلهجته المحلية: “فرحت بهذه الفرصة وبأنني سأجد لقمة جهالي بنفسي كما كنت ولن نمد أيدينا إلى أحد بفضل الله” (لُقمة الجهال هي: تعبير محلي شائع ويعني العمل الذي يوفر لصاحبه دخل مادي يكفي لمواجهة الاحتياجات الأساسية للأسرة).
يعمل عبد الله في محله الكائن في مدينة حجة من السبت إلى الخميس ولا يعود لأهله إلى يوم الجمعة بسبب أنهم في عزلة النفيش- مديرية الشراقي البعيدة عن مكان عمله.
ولكن ورغم اهتمامه بعمله ومحاولة تطويره باستقدام الأقمشة الحديثة والتعلم الذاتي على أحدث الموديلات وفنون الخياطة والتطريز يشكو عبد الله من قلة الإقبال وضعف القدرة الشرائية للمواطنين ما ينعكس على عمله بشكل مباشر، وهذا ما دفعه للاحتراف في صيانة مقاعد السيارات والدراجات النارية وتنجيدها إلى جانب عمله الأساسي، ويطالب من الجهات المختصة أن تراعي خصوصية محله والكف عن مضايقته بسبب العمل الجديد لحين تضمينه في رخصة المحل عند تجديدها.
كرامة المعاقين قبل أي شيء.
يطالب عبد الله من الجهات الحكومية والخاصة والمنظمات الإنسانية أن تولي اهتمام أكبر بملف معاقي الحرب في اليمن فهم بحاجة ماسة للوقوف إلى جانبهم ومد يد العون إليهم للتكيف مع الوضع الجديد بغض النظر إذا ما كان أولئك المعاقين مدنيين أو عسكريين فهم قد أصبحوا من ذوي الإعاقة ولهم نفس الحقوق دون تمييز على حد تعبيره.
وحينما طلبت من عبد الله أن يوجه رسالة خاصة لزملائه معاقي الحرب قالها باختصار: “كرامتكم قبل كل شيء ودعمكم من أي جهة حق مكفول، ورغم الظروف نستطيع أن نصنع الاكتفاء الذاتي لأنفسنا وأسرنا بأنفسنا فلا تيأسوا”.