المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

فواز: شاب ثلاثيني يفقد أحلامه بعد مرض والده.

صورة فواز مع والده
قارئ المقال

خاص /

خلف هذا الواقع الذي نعيشه ونراه واقعاً متردياً للغاية، ثمة واقع آخر أكثر أسى وأشد وجعا، لم ترصده كاميرا ولم يخطه قلم.. واقع ممزوج بنكهة الألم والمرض والفقر والبؤس، وما أحدثته الحرب لم يكن إلا جرعة إضافية جعلته أكثر مأساوية وتسببت في تغييبه ونسيانه.

“بعد أن اشتد مرض والدي، أصبحنا غير قادرين على العيش، متشردين من طبيب إلى آخر، حتى طفلتي المولودة منذ شهرين لم أستطع رؤيتها أو احتضانها”.. بهذه الكلمات حاول الشاب الثلاثيني (فواز عبدالقادر الفضلي) أن يختصر لنا قصته ويذكرنا بذلك الواقع الذي نسيناه جراء الحرب وأغفلتنا عنه مراراتها.

أصيب والد (فواز) بجلطة دماغية منذ خمس وعشرون سنة أصبح على إثرها يعاني من إعاقة ذهنية أفقدته حاسة النطق وتخلف عقلي، إلا أنه منذ سبعة أشهر حدث ما لم يكن في الحسبان.

*قسوة الحياة وتخلي الأقرباء*

عاش (فواز) مع إخوته -في قرية الجبزية بمديرية المعافر جنوب محافظة تعز- طفولة قاسية عانوا فيها من الجوع والتقشف، فحالة والدهم الصحية لم تسمح له بالعمل وإعالتهم كما كان في السابق.

يقول (فواز): “مرت السنوات، كنت فيها أساعد أمي في فلاحة الأرض لنوفر لإخوتي ما يسدون به جوعهم، وكنت حينها أدرس وأعمل لأني الابن الوحيد بجانب أخي (فايز) الذي يصغرني وخمس أخوات، فكنت سندهم ومعيلهم الوحيد”.

ويضيف (فواز): “كنت أحلم أن أكون مهندساً، لكن ليس في اليد حيلة، فوضعنا المادي كان سيء للغاية، حتى أقرب الناس لنا تخلوا عنا وتركونا نواجه مصيرنا لوحدنا، لم يكلف أحد منهم نفسه حتى للسؤال عن حالنا وحال والدنا”.

لقد حالت الأوضاع المعيشية للأسرة بين (فواز) وحلمه، لكنه أصر أن يحصل على شهادة لعل ذلك يساعده في إيجاد فرصة عمل مناسبة يساعد بها أسرته، فالتحق بدراسة دبلوم في الحاسب الآلي معهد (الهياب) بالمعافر.

*ترك كل شيء من أجل والده*

لم يكن (فواز) يعلم أن حالة والده تزداد سوءاً يوماً بعد يوم إلى قبل قرابة سبعة أشهر، حيث لم يعد والده قادرا على التحكم بأعضائه السفلى مع فقدان الإدراك بالإخراج (البول والتغوط)، وبحسب التقارير الطبية فإن إعاقته الذهنية تطورت إلى إعاقة حركية وشلل نصفي بسبب تآكل في أجزاء من الحبل الشوكي.

وبدموعه المنهمرة على وجهه الشاحب، يتحدث (فواز): “كيف كان لي أن أعلم بما حصل لوالدي؛ إذ أننا كنا بالكاد نستطيع أن نعيش ولسنا قادرين على تكاليف المستشفيات والعلاج…”.

ويواصل (فواز) حديثه: “أما الآن تركت كل شيء خلفي؛ عملي، وأمي، وأخواتي الخمس، وزوجتي وهي حامل في شهرها الخامس، وذهبت بوالدي للعلاج في العاصمة صنعاء وليس لدي شيء سوى ثقتي بأن الله لن يخيب رجاءنا فيه”.

لقد ترك فواز كل شيء حتى عمله الذي هو مصدر رزقهم الوحيد، حيث كان متعاقد مع إدارة مدرسة (النصر) في قريته للعمل في التدريس لقاء راتب شهري 30 ألف ريال، يتم جمعه من المواطنين وأسر الطلاب.

*ازداد الوضع سوءاً*

لم يكن الوضع في صنعاء أفضل مما هو عليه في القرية، بل كان أسوأ بكثير مما توقعه فواز؛ إذ أن الفقر قرين المعاناة، يقول (فواز): “لم نجد مكان نسكن فيه، فإيجارات المنازل في صنعاء لا يحتملها مثلي، حينها قررت اللجوء لعمي -أخو والدي- ليسمح لنا بالإقامة في إحدى الغرف في بيته، لكنه رفض مبرراً أن البيت ضيق”.

ويشير فواز أنه اضطر للسكن مع والده في حانوت (دكان) صغير استأجره بمبلغ 20 ألف ريال شهريا،ً وذلك لكي يستطيع متابعة حالة والده الصحية، فقد تقرر له علاج مستمر ومتابعة دائمة، وهذا العلاج بحسب التقرير الطبي باهض الثمن، بالإضافة إلى أن مصاريف العيش والمواصلات في صنعاء ضاعف مأساته، لولا مساعدات بسيطة يحصل عليها من بعض فاعلي الخير لا تكفي لتغطية مصروفاتهما اليومية.

سبعة أشهر وهذا ثامنهم قضاها (فواز) ووالده من طبيب لطبيب ومن مشفى لآخر، عانى فيها كثيراً، وما زاد من وجعه أنه منذ شهرين أنجبت زوجته مولوداً لكنه لم يره أو يحتضنه حتى الآن.

واقع أليم عاشه (فواز) وأسرته ويعيشه آلاف اليمنيين، فما بين المرض والفقر المدقع تأتي الحرب لتضاعف مأساتهم وتزيد من تردي واقعهم أكثر، مناشدين الدولة والجهات المختصة وصندوق المعاقين للاهتمام بهذه الفئة فهم في أمس الحاجة للالتفات إليهم والتخفيف من معاناتهم.