المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

تمرد على السخرية وصعد للقمة.. قصة يحيى رسالة للمجتمع “نحن بشر”

تمرد على السخرية وصعد للقمة.. قصة يحيى رسالة للمجتمع “نحن بشر”

خاص : المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة MCPD /محمد الشيباني

لا يستطيع الصعود على السلالم الحديدية، فالتقزم الخلقي الذي يلازمه، يقيد حركته. والأصعب أنه تعرض للتنمر والسخرية من البعض. فهل استسلم يحيى لقدره؟ أم أنه خلق من المعاناة شيئا مختلفا؟
قصتنا اليوم عن الشاب، يحيى محمد يحيى عبد الله القاهرة، الذي لم يرض إلا بالتميز وحول معاناته إلى قصة ملهمة لذوي الإعاقة وكل الباحثين عن الأمل والنجاح المولود من رحم المعاناة. تشبث يحيى بالإرادة، وبكل عزيمة صعد إلى القمة بأعماله الفنية والإبداعية، وحصل على المركز الثالث في إحدى المنافسات على مستوى الجمهورية اليمنية، فمن هو فارس قصتنا هذه المرة؟ لم ينجح يحيى في دراسته فقد، فقد طوى مراحل التعليم المختلفة، ووظف ما استفاده أكاديميا ليكون رصيدا من الخبرات والتجارب في المجتمع ليكون نموذجا إيجابيا لم يستسلم لقيود التقزم ونظرة المجتمع.

هو من مواليد محافظة المحويت، حيث نشأ هناك والتحق بمدرسة القرية حتى نهاية المرحلة الثانوية. ثم انتقل إلى صنعاء ليلتحق بالجامعة، ويبدأ مشواره الأكاديمي حتى تخرج من قسم إدارة الأعمال بجامعة صنعاء. يتذكر يحيى كثيرا من الناس الذين كانوا يحملون نظرة استغراب وتعجب حين يلتقيهم بسبب تقزمه الخلقي، ويقول: “صادفت مضايقات ونظرة قاصرة في المدرسة والجامعة، كانت تشعرني بأني مختلف عمن حولي، لقلة الوعي بين أفراد المجتمع” ويضف: “أمر سيئ حينما ترى أنك قد أصبحت مادة دسمة لمن حولك، ليتندروا بك، ويطلقوا النكات، لأن شكلك مختلف عنهم، فقط لكونك من ذوي الإعاقة، نحن بشر لدينا مشاعر ونرفض أن نكون مادة للفارغين ليتسلوا”

ويشير يحيى إلى أن الذكور أكثر تنمرا عليه من الإناث. فالنساء “رغم قلة تنمرهن إلا أنهن يبادرن لطرح أسئلة خاصة تخفي ورائها شيئا من السخرية والاستهزاء الذي يتضح من طريقة طرح السؤال وملامح الوجه من قبيل “هل أنت متزوج؟! وهل تحب؟” وغيرها من الأسئلة خصوصا في المقابلات الإعلامية بعد ظهور يحيى في مسلسل (سد الغريب) أحد أشهر المسلسلات الذي عرض على بعض القنوات عام 2020.

“أنا راض عما أقدمه.. والأدوار التي أقدمها تمثل شخصيتي في الواقع”

يقول يحيى.
لم يصل يحيى إلى النجاح بسهولة، بل تغلب على النظرة القاصرة والسلبية تجاهه، فقرر ألا يكون هامشيا، أو رقما عاديا، فأخذ يبحث عن الطاقة والإيجابية بداخله، فكان يحيى الممثل المسرحي والفنان الذي بدأ من إذاعة المدرسة في القرية ومرورا بالمشاركات البسيطة في بعض الاحتفالات، وصولا للتمثيل بجوار ألمع وجوه الدراما اليمنية وفي أشهر مسلسلاتها.

حمل القضية

حمل يحيى قضية ذوي الإعاقة على عاتقه، وأحب أن يقدم ذوي الإعاقة كجزء من المجتمع، يشاركون الناس اهتماماتهم وقضاياهم، ويخدمون المجتمع مثلهم مثل غيرهم، وهذا ما جسده يحيى في دور دكتور القرية، الدكتور أنور، في مسلسل (سد الغريب)، من تأليف الكاتبة، يسرى عباس، وإخراج، هاشم هاشم، عام 2020، وعٌرِض على بعض القنوات المحلية. معظم مشاركات يحيى كانت في المسرحيات الموجهة للأطفال مثل مسرحية، سم الحنش، وآخرها مسرحية، مهرجان الرسول الأعظم، الذي حصل فيها على المركز الثالث. يقول يحيى أنه راض عن جميع الأدوار التمثيلية التي أداها، إلا أنه وخلاف المعروف يقول: “أنا لا أمثل إلا الأدوار التي أقتنع بها، وبأنها تمثلني في الواقع، وتمثل شخصيتي”. يشيد يحيى بتعاون وتقبل الوسط الفني له بشكل كبير، كما يقول أنه متأثر كثيرا بالفنان، يحيى إبراهيم، الذي سانده كثيرا وما يزال، في مشواره الفني.

أعمال تطوعية

يعشق يحيى الأعمال التطوعية والمبادرات الخيرية، وهو عضو في بعضها، ويعتقد أنها تمثل له تفريغ للطاقة السلبية، وبأنها تمثل له محطة تزود بالأفكار الإيجابية التي يحتاج لها الجميع على حد تعبيره. ويتطلع يحيى للمستقبل ويوجه رسالة للأشخاص ذوي الإعاقة وللجميع، ويقول: “لا تنظر إلى الأسفل بل انظر إلى أمامك، والجانب المزهر منك، انظر إلى الجزء الممتلئ من الكوب، وكن قاهرا لليأس والإحباط والنظرات السلبية فثمة عيون معجبة، وثمة نفوس راقية تستحق أن تأخذها باعتبارك وتتجاهل ما دونها”.

كفيفة في صنعاء تنتزع أبنائها من بين أنياب الموت.

كفيفة في صنعاء تنتزع أبنائها من بين أنياب الموت.

خاص: المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة MCPD /إبراهيم المنيفي

في وقت متأخر من مساء يوم الأربعاء الماضي 10 نوفمبر تشرين الثاني فوجئ سكان العاصمة صنعاء بقصف جوي قيل عنهُ أنهُ لأهداف عسكرية مشروعة بينما قال الطرف الأخر أن القصف طال منازل مواطنين وأعيان مدنية. وبصرف النظر عن روايات الأطراف المختلفة للحادثة والتناول الإعلامي لها فقد كانت هناك امرأة كفيفة تصارع الموت بمنزلها وتنتزع ابنيها من بين أنيابه لم يلتفت لها أحد.

وقد تواصلنا في المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة MCPD بالأستاذة –هناء الغزالي (وهي امرأة كفيفة وأم لطفلين وهي واحدة من بين الشخصيات البارزة للكفيفات فروت لنا الحادثة بصوت حزين ومكلوم يكاد يمتزج بالبكاء وقالت: “أسكن في شقة إيجار ضمن عمارة سكنية أنا وزوجي وأبنائي –حسام تسع سنوات، وبيان سنتين ونصف، وكان زوجي ليلتها مسافر إلى محافظة إب وهو بكامل اطمئنانه علينا في العمارة التي تعد آمنة جداً ونعرف جميع جيراننا، وكانت عندي إحدى الكفيفات للزيارة.

في نفس العمارة كانت هناك إحدى نساء الجيران قد ولدت منذ أيام قليلة وكانت شقتهم ممتلئة بالأهل والأقارب.وفي الساعة الثانية عشر ليلاً تقريباً سمعنا صوت مفزع وكأن القيامة قد قامت، حيث كانت الغارة الأولى جوار العمارة تماماً ما أثار هلع وفزع جميع سكان العمارة، أما أبنائي الإثنين حسام وبيان فقد كانا نائمين وكنت قد وضعت فرشاً على نافذة الغرفة حتى أقلل من وطأة البرد لأنه لا توجد وسائل تدفئة في منزلنا.

حسام كان نائماً تحت النافذة مباشرةً بينما كانت بيان نائمة قريبة من باب الغرفة وعند الغارة الأولى اهتزت كل العمارة بشكل عنيف وعلا صراخ الناس وبدأت النوافذ والشبابيك والأحجار والشظايا تتناثر على أبنائي داخل الغرفة، قمت من النوم مفزوعة وكنت أصرخ ودخلت إلى غرفة أبنائي والغبار يكاد يخنقني – ولكن كان لطف الله أكبر حيث سقط الفراش الذي وضعته في النافذة على ابني حسام بينما سقطت مجموعة من البطانيات على ابنتي بيان مما جنبهما أن تقع عليهما الزجاجات والأحجار المتساقطة بشكل مباشر”.

تستمر هناء الغزالي بسرد قصتها والغصة بحلقها فتقول: “أخذت أبحث عن أبنائي داخل الغرفة بخوف وفزع وارتباك ومشاعر لا أستطيع وصفها، فانتشلت ابنتي ثم ابني من تحت ركام الزجاج المتحطم والأحجار والشظايا وسحبتهما إلى الصالة التي حتى هي وصلتها بعض الشظايا أيضاً لكنها أخف، لقد انتزعت أبنائي من فم الموت وكانت لحظات عصيبة وقاسية جداً”

لم تنتهِ القصة عند هذا الإجرام حيث تذكر –هناء أن الطيران استمر بالتحليق وبالفعل وخلال أقل من خمس دقائق عاود القصف مرة أخرى للنقطة الأمنية التي تبعد عن العمارة بضعة أمتار ولم تكن هناء وأبنائها وضيفتها الكفيفة قد استطاعوا الفرار بعد. تقول –هناء : “كنت وأولادي الإثنين وضيفتي في الصالة لم نلتقط أنفاسنا بعد فإذا بغارة أخرى على النقطة خلال أقل من خمس دقائق، وكانت الغارة الثانية أشد بكثير من الغارة الأولى توقعنا أن تسقط العمارة على رؤوسنا، لقد سمعنا أصوات الأبواب والنوافذ تطير في الهواء، ودخلت بعض الشظايا والأحجار والطوب المتطاير إلى صالة الشقة حين كنا متجمعين، كان ما يجري جحيماً بالفعل، فهربنا إلى سلم الدرج وكان جيراننا المبصرين كل قد فر لينجو بنفسه فوقفت مع أبنائي وضيفتي الكفيفة أصرخ وأبكي في الدرج وتوقعنا غارة ثالثة تقضي علينا جميعاً لكن كان لطف الله أكبر من خوفي وهلعي وكان أكبر من حقد وصلف من قصفنا كذلك”

كيف نجت هناء وأبنائها من الموت وخرجوا من العمارة؟

لم تتوقف لحظات الخوف وصراخ الأطفال المحاصرين في العمارة بفعل الدمار الذي تسبب به القصف ونتيجة لتحليق الطيران الذي استمر محلقاً حوالي نصف ساعة بعد القصف بحسب –هناء، فقد فرضت القوات الأمنية حظراً على المكان ومنعت الدخول إليه خوفاً من تجدد القصف، وأشادت هناء بتعاون صاحب العمارة ورجال الأمن الذين ساعدوها على الخروج مع أبنائها وضيفتها على طقم عسكري وأوصلوها إلى أقاربها كونهم لم يستطيعوا الفرار مثل باقي سكان العمارة.
تقول –هناء “تركنا في المنزل كل أغراضنا ووثائقنا ومتعلقات شخصية ولم أتمكن إلا من أخذ الحقيبة المدرسية لابني حسام لأني صادفتها أثناء هروبنا من المنزل”

كما أبدت استغرابها وعبرت عن غضبها من الأخبار التي تداولتها بعض وسائل الإعلام والتي زعمت أن العمارة كان يوجد فيها مخزن أسلحة وقالت –هناء: “نحن نعرف صاحب العمارة وهو رجل متعاون ولا علاقة له بأي من الأطراف كما نعرف أن العمارة مكتظة بالعوائل فهل من المعقول أن تسكن العوائل في مكان تعرف أنه يحتوي على مخزن أسلحة؟!!!”

وتسكن –هناء مع أبنائها الإثنين وزوجها الذي عاد إلى صنعاء فور علمه بالحادثة عند بعض أقاربهم في مكان بعيد جداً عن مقر عملها ومدرسة ابنها، حيث تقول هناء إن العمارة التي كانوا فيها لم تعد مؤهلة للسكن وإن بعدها عن عملها ومدرسة ابنها ستكلفهم مواصلات قدرها ثمانية ألف ريال أي ما يعادل 14 دولار على الأقل، وأنهم يبحثون عن منزل آخر للإيجار في مكان قريب من مقر عملها ومدرسة ابنها في ضل أزمة سكن متفاقمة وأسعار شقق جنونية تزداد يوماً إثر يوم.
وطالبت هناء من وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية لإدانة ما تعرضت له هي وأبنائها والسكان الأبرياء وعدم تبرير قصف منازل المواطنين والأعيان المدنية تحت أي مبرر كان.

صورة لآثار الدمار الذي خلفه القصف

الأديب – محمد الشميري (طفلٌ في الأربعينات يرفض أن يكبر)

الأديب – محمد الشميري (طفلٌ في الأربعينات يرفض أن يكبر)

خاص: المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة MCPD /إبراهيم المنيفي

مجنونٌ في قمة النضج، وطفلٌ في الأربعينات يرفض أن يكبر، يطوع الكلمات حينما يكتب وكأن اللغة وجدت فقط لتعبر عن مشاعره كما يريد، يكتب بأسلوب مختلف عن الجميع أسلوب سهل ومفهوم للجميع لكنه عميق ورفيع وعصي على التقليد.

بطل قصتنا شاعرٌ وأديب وكاتب من طراز خاص –فمن هو؟.

هو: الأستاذ –محمد محمد علي الشميري.ولد في منتصف السبعينات من القرن الماضي في مديرية مقبنة بتعز جنوب غربي اليمن، وعاش معظم حياته مع عائلته في محافظة الحديدة غربي اليمن.له خمسة من الأبناء ثلاثة أولاد وابنتين.عاش طفولة مفعمة بالحب والحنان، لم يكن مرفهاً لكنه كان ولا يزال مدللاً رغم بؤس الوضع العام والخاص على حد قوله.

بمسيرته التعليمية (وما علاقة الأدب بالصيدلة؟!!!)

كان يهتم بالقراءة والإذاعة منذ وقت مبكر من عمره، وكان يميل للشعر ويقدم فقرات شعرية في الإذاعات والاحتفالات المدرسية منذ الابتدائية.أنهى دراسته الثانوية في عام 1993 بتقدير ممتاز والتحق بكلية الطب قسم الصيدلة، لم يكن مقتنعاً بتخصصه بقدر ما فُرض عليه ذلك التخصص من المجتمع حيث أن نظرة المجتمع لذوي المعدلات المرتفعة تتوقع منهم الالتحاق بكلية الطب أو الكليات التي تتطلب معدلات مرتفعة، وهنا يقول –محمد الشميري: “درست الصيدلة لأني لا أحب تخصص الطب البشري، ولأن معدلي في الثانوية كان عالياً وكعادة المجتمع يتوقعون منك دخول مثل هكذا تخصص وخصوصاً الطب” ويضيف الشميري: “لو عاد بي الزمن لما درست صيدلة ولاتخصصتُ في الأدب”

ورغم ذلك فإن الأستاذ –محمد الشميري، لا يرى تناقض بين التخصصين الطب والأدب ويعتقد أن الأمر ببساطة ملكة وموهبة واهتمام.وحصل بطلنا على دبلوم عالي تمهيدي ماجستير إدارة صحية شغفٌ بالمهنة وحادث سير يفقده الحركة لكنه لا يتغير.

انتقل الأستاذ محمد الشميري إلى الحياة المهنية بجد وتفاؤل كبير فعمل في مكتب الصحة في محافظة الحديدة ، كما عمل في شركات أدوية مختلفة قبل أن يبدأ عملاً خاصاً به.إلى هنا قد تبدو قصة الأستاذ محمد الشميري، عادية جداً، ولكن حينما تقرأ الجانب الآخر من حياته فستقف له احتراماً وتقديراً لأنه كقليل مثله أحب القمة دوماً وآثر أن يكون هناك بدلاً من الزحام حيث الكثيرون في الأدنى.

لقد تعرض الأستاذ –محمد الشميري، لحادث مروري عام 2007 أصبح على أثره من ذوي الإعاقة الحركية، لكن تلك الحادثة لم تغير شيء في حياته فاستمر يكتب وينشط في المجتمع بشكل كبير.الشميري كاتب وشاعر وناشط اجتماعي.

قام الأستاذ محمد الشميري، بتأسيس (نادي القراءة) في محافظة الحديدة غربي اليمن وهو نادي كان يهتم بكل شؤون الفعل والحَراك الثقافي والأدبي في المحافظة.وكما أن فاقد الشيء لا يعطيه فإنه في المقابل لا يعطي إلا مالكاً وممتلأ او لذلك فإن للأستاذ –محمد الشميري، مجموعة قصصية بعنوان: (رياح في قصاصات عنيدة) تم نشرها، وديوانين وروايتين ومجموعة قصصية أخرى لم تُطبع بعد لظروف مادية.

وللأستاذ –محمد الشميري، حضور فاعل في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الخواطر والمذكرات التي ينشرها ويتابعه حوالي خمسة ألف متابع في صفحته على الفيسبوك، ويناقش مع متابعيه قضايا مختلفة بأسلوب جرئ ومنفتح ما جعلنا نطرح عليه التساؤل الذي قد يبرزه البعض في وجه أي شخص من ذوي الإعاقة يبدي سلوكاً أو توجهاً فكرياً وأدبياً غير مألوف، وذلك السؤال هو -هل ما نقرأه في صفحتك من كتابات قد تبدو مثار جدل تعبر عن شخصية الأستاذ –محمد الشميري، فعلاً قبل الإعاقة وبعدها، أم هي حيل دفاعية ومحاولة للتغلب على نظرة الشفقة والرحمة من المجتمع بالتمرد على الصورة الذهنية العامة عن المعاق المسكين بصراحة؟فأجاب بسعة صدر:”أعبر عني ولا أفرض وجهة نظري على أحد وكتاباتي الأدبية ومشاركاتي هي قبل وبعد الحادث، تعبر عني بشكل خاص، وتعبر عن الوضع الطبيعي للإنسان بعيداً عن كل المحظورات الطارئة التي أعتبرها مجرد أعراض مرضية وليست تعبيراً عن مجتمع محافظ كما نكذب على أنفسنا، أعتقد أنه يفهمني معظم المتابعين وإن كان البعض يخشى التعليق وهو في ذاته راغب…!”

وعلى الصعيد المجتمعي يقول الأستاذ –محمد الشميري: “أنا مهتم جداً بالتواصل مع الجميع كبار السن، وكذلك الشباب، وحتى الأطفال فالحياة ستكون ناقصة بدونهم جميعاً”كما أنه قد قام بتأسيس (ملتقى أصدقاء مرضى الفشل الكلوي) واشترك في مبادرات فاعلة لصالح أطفال السرطان.

توقف نادي القراءة الذي أنشأه الأستاذ –محمد الشميري في 2018 بسبب نزوحه مع عائلته إلى صنعاء جراء الحرب الدائرة في محافظة الحديدة. أين يقف الشميري من قضية ذوي الإعاقة؟يرفض الأستاذ الشميري مصطلح ذوي الاحتياجات الخاصة بشدة لأنه يعتبر استخدام مثل هذه المصطلحات إنما يُعبر عن التعامل مع الإعاقة كوصمة.

وستجد ذوي الإعاقة وقضاياهم غائبون عن كتابات الأستاذ –محمد الشميري بوضوح، ويرجع ذلك لرفضه التعامل مع ذوي الإعاقة بتصنيف يعزلهم عن المجتمع على حد تعبيره، بالإضافة لعدم رضاه عن أغلب من يعملون في مجال ذوي الإعاقة، حيث يسجل الشميري اعتراضاً واضحاً وبكلمات تخلو من المجاملات والتلميع ويقول: “بصراحة لست راضي عن كل من يتحدثون باسم ذوي الإعاقة لأن الغالبية فقط يستغلونهم مجرد استغلال”

ويعتبر الشميري أن هذا الحكم ليس اعتباطاً أو رأي من بعيد فيذكر أنه حضر فعاليات للمعاقين في الحديدة وفي صنعاء ومع ذلك يصفها بالقشور وبأنها لا تخدم ذوي الإعاقة فعلياً.

هل نال الشميري حقه من الاهتمام؟

مبدئياً يقول الأستاذ –محمد الشميري: “لا أهتم بمسألة هل نلتُ نصيبي من الاهتمام من الجهات العامة والخاصة لأن الأدب ليس وظيفة، ولا أبحث من خلاله عن اهتمام بقدر ما هو شغف وجنون خاص”

ولأن الشميري وأمثاله تعاملوا مع الأدب بهذه القيمة المجردة ولم يجعلوا من أدبهم شعراً ويفتحوا مزادات دجل علنية فإن هناك أعمال أدبية ستظل حبيسة الأدراج ولن ترى النور والسبب هكذا بتلك العبارة القاسية التي قالها لنا الأستاذ –محمد: “توجد لي أعمال لم تُطبع لأسباب مادية”ولعل مأساة الأدباء والمفكرين هي ذاتها مأساتنا جميعاً ومأساة الوطن حيث يعبر عنها بطلنا بقوله: “الوضع العام لا يهتم بالأدباء والفنانين والمثقفين ويمجد القتلة، لذلك أمارس شغفي لنفسي. الأدب بحد ذاته هو رسالة جمال وسلام وحب وتعايش، ولو وجد الفنان والأديب حاضنة شعبية ورسمية واهتمام حقيقي، سنعيش بوضع أفضل، لكن الذي يحدث هو موت جماعي للناس..!

فواز: شاب ثلاثيني يفقد أحلامه بعد مرض والده.

فواز: شاب ثلاثيني يفقد أحلامه بعد مرض والده.

خاص /

خلف هذا الواقع الذي نعيشه ونراه واقعاً متردياً للغاية، ثمة واقع آخر أكثر أسى وأشد وجعا، لم ترصده كاميرا ولم يخطه قلم.. واقع ممزوج بنكهة الألم والمرض والفقر والبؤس، وما أحدثته الحرب لم يكن إلا جرعة إضافية جعلته أكثر مأساوية وتسببت في تغييبه ونسيانه.

“بعد أن اشتد مرض والدي، أصبحنا غير قادرين على العيش، متشردين من طبيب إلى آخر، حتى طفلتي المولودة منذ شهرين لم أستطع رؤيتها أو احتضانها”.. بهذه الكلمات حاول الشاب الثلاثيني (فواز عبدالقادر الفضلي) أن يختصر لنا قصته ويذكرنا بذلك الواقع الذي نسيناه جراء الحرب وأغفلتنا عنه مراراتها.

أصيب والد (فواز) بجلطة دماغية منذ خمس وعشرون سنة أصبح على إثرها يعاني من إعاقة ذهنية أفقدته حاسة النطق وتخلف عقلي، إلا أنه منذ سبعة أشهر حدث ما لم يكن في الحسبان.

*قسوة الحياة وتخلي الأقرباء*

عاش (فواز) مع إخوته -في قرية الجبزية بمديرية المعافر جنوب محافظة تعز- طفولة قاسية عانوا فيها من الجوع والتقشف، فحالة والدهم الصحية لم تسمح له بالعمل وإعالتهم كما كان في السابق.

يقول (فواز): “مرت السنوات، كنت فيها أساعد أمي في فلاحة الأرض لنوفر لإخوتي ما يسدون به جوعهم، وكنت حينها أدرس وأعمل لأني الابن الوحيد بجانب أخي (فايز) الذي يصغرني وخمس أخوات، فكنت سندهم ومعيلهم الوحيد”.

ويضيف (فواز): “كنت أحلم أن أكون مهندساً، لكن ليس في اليد حيلة، فوضعنا المادي كان سيء للغاية، حتى أقرب الناس لنا تخلوا عنا وتركونا نواجه مصيرنا لوحدنا، لم يكلف أحد منهم نفسه حتى للسؤال عن حالنا وحال والدنا”.

لقد حالت الأوضاع المعيشية للأسرة بين (فواز) وحلمه، لكنه أصر أن يحصل على شهادة لعل ذلك يساعده في إيجاد فرصة عمل مناسبة يساعد بها أسرته، فالتحق بدراسة دبلوم في الحاسب الآلي معهد (الهياب) بالمعافر.

*ترك كل شيء من أجل والده*

لم يكن (فواز) يعلم أن حالة والده تزداد سوءاً يوماً بعد يوم إلى قبل قرابة سبعة أشهر، حيث لم يعد والده قادرا على التحكم بأعضائه السفلى مع فقدان الإدراك بالإخراج (البول والتغوط)، وبحسب التقارير الطبية فإن إعاقته الذهنية تطورت إلى إعاقة حركية وشلل نصفي بسبب تآكل في أجزاء من الحبل الشوكي.

وبدموعه المنهمرة على وجهه الشاحب، يتحدث (فواز): “كيف كان لي أن أعلم بما حصل لوالدي؛ إذ أننا كنا بالكاد نستطيع أن نعيش ولسنا قادرين على تكاليف المستشفيات والعلاج…”.

ويواصل (فواز) حديثه: “أما الآن تركت كل شيء خلفي؛ عملي، وأمي، وأخواتي الخمس، وزوجتي وهي حامل في شهرها الخامس، وذهبت بوالدي للعلاج في العاصمة صنعاء وليس لدي شيء سوى ثقتي بأن الله لن يخيب رجاءنا فيه”.

لقد ترك فواز كل شيء حتى عمله الذي هو مصدر رزقهم الوحيد، حيث كان متعاقد مع إدارة مدرسة (النصر) في قريته للعمل في التدريس لقاء راتب شهري 30 ألف ريال، يتم جمعه من المواطنين وأسر الطلاب.

*ازداد الوضع سوءاً*

لم يكن الوضع في صنعاء أفضل مما هو عليه في القرية، بل كان أسوأ بكثير مما توقعه فواز؛ إذ أن الفقر قرين المعاناة، يقول (فواز): “لم نجد مكان نسكن فيه، فإيجارات المنازل في صنعاء لا يحتملها مثلي، حينها قررت اللجوء لعمي -أخو والدي- ليسمح لنا بالإقامة في إحدى الغرف في بيته، لكنه رفض مبرراً أن البيت ضيق”.

ويشير فواز أنه اضطر للسكن مع والده في حانوت (دكان) صغير استأجره بمبلغ 20 ألف ريال شهريا،ً وذلك لكي يستطيع متابعة حالة والده الصحية، فقد تقرر له علاج مستمر ومتابعة دائمة، وهذا العلاج بحسب التقرير الطبي باهض الثمن، بالإضافة إلى أن مصاريف العيش والمواصلات في صنعاء ضاعف مأساته، لولا مساعدات بسيطة يحصل عليها من بعض فاعلي الخير لا تكفي لتغطية مصروفاتهما اليومية.

سبعة أشهر وهذا ثامنهم قضاها (فواز) ووالده من طبيب لطبيب ومن مشفى لآخر، عانى فيها كثيراً، وما زاد من وجعه أنه منذ شهرين أنجبت زوجته مولوداً لكنه لم يره أو يحتضنه حتى الآن.

واقع أليم عاشه (فواز) وأسرته ويعيشه آلاف اليمنيين، فما بين المرض والفقر المدقع تأتي الحرب لتضاعف مأساتهم وتزيد من تردي واقعهم أكثر، مناشدين الدولة والجهات المختصة وصندوق المعاقين للاهتمام بهذه الفئة فهم في أمس الحاجة للالتفات إليهم والتخفيف من معاناتهم.