خاص /
بالتزامن مع إحياء الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومؤسسات ذوي الإعاقة للعديد من المناسبات ذات الصلة بذوي الإعاقة في شهر ديسمبر كانون الأول فقد عمت الاحتفالات الكثير من مؤسسات ذوي الإعاقة في اليمن، ففي الثالث من ديسمبر احتفل ذوو الإعاقة بيومهم العالمي الذي أعلنته الأمم المتحدة عام 1992، كما أن اليوم العربي لذوي الإعاقة يوافق 13 ديسمبر، وتستمر احتفالات مؤسسات ذوي الإعاقة على مدار الشهر إذ أصبح متعارفاً عليه بأن ديسمبر هو شهر ذوي الإعاقة كما يقول المعاقون أنفسهم.
وعلى الرغم من أهمية أحياء تلك المناسبات في نشر وإذكاء الوعي بين أفراد المجتمع بقضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أن من المهم جداً إعادة التذكير بالالتزام الأممي تجاه ذوي الإعاقة واعتبارها قضية ذات أولوية وشرطاً أساسياً لدعم حقوق الإنسان والتنمية المستدامة، والسلام والأمن لأن الأمم المتحدة والأطراف المحلية أثبتت على أرض الواقع أن ذوي الإعاقة لا يمثلون لها أي أولوية، ومن خلال الرصد للجهود الإنسانية والإغاثية وجهود إحلال السلام في اليمن يتضح جلياً أن ذوي الإعاقة خارج كل الحسابات ولا يتم إشراكهم في محادثات السلام أو حتى التخطيط لعمليات الاستجابة والحماية الإنسانية رغم أنهم أكثر فئة دفعت ولا تزال ثمن الحرب الباهظة.
وتأسيساً على اعتراف الأمم المتحدة والدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واليمن واحدة منها بأن ذوي الإعاقة من أشد الفئات تعرضاً للتهميش والإقصاء في المجتمع، فإنه يتوجب على مؤسسات ذوي الإعاقة وهي تحشد عشرات الملايين من الريالات أن تجيب ذوي الإعاقة عما سيتحقق لهم فعلياً على أرض الواقع من منجزات غير الاحتفالات المعتادة؟، وعلى مؤسسات ذوي الإعاقة أن ترفع الصوت عالياً لتوجد لها مكان ودور فاعل على غرار النساء وغيرهن من الفئات التي أصبحت رقماً هاماً لا يستطيع أحد استثنائه في كل المنظمات العاملة في اليمن وفي محادثات السلام وضمن مكونات جميع الأطراف المتنازعة.
كما أنه ينبغي على ذوي الإعاقة أفراداً ومؤسسات أن يوجهوا الجهود الإعلامية والحقوقية والميدانية الضاغطة نحو تثبيت حقوقهم في المؤسسات الحكومية والخاصة ذات النفع العام التي كفلتها لهم القوانين المحلية والتشريعات الدولية والحيلولة دون تهرب أي جهة من مسؤولياتها وإلقاء العبء على صندوق رعاية وتأهيل المعاقين أو مؤسساتهم المختلفة.
لقد عانى ذوو الإعاقة من الظلم والتعسف والحرمان حتى من قبل اندلاع الحرب في اليمن، وتخلت عنهم معظم الجهات الحكومية ملقيةً بكل المسؤولية على صندوق المعاقين الذي أُنشئ في عام 2002 ولم تُخصص له الموارد الكافية، ولم يتم تحديد أهداف تنموية لتحقيقها بقدر ما انشغل الصندوق بتغطية نفقات المراكز والجمعيات والجوانب الصحية، فضلاً عن الاختلالات المالية والإدارية التي طالما اشتكى منها ذوو الإعاقة على مدار سنوات تأسيس الصندوق، وقد حان الوقت لمساندة التوجهات الجادة التي تبذل حالياً لإصلاح صندوق رعاية وتأهيل المعاقين.
لقد دفع ذوو الإعاقة خلال سنوات الحرب ثمناً باهضاً أكثر من غيرهم حيث تعرضت مراكزهم ومؤسساتهم للحرق والنهب والسطو المسلح وحتى القصف المدفعي والقصف بالطيران كما وثق ذلك المركز الإعلامي لذوي الإعاقة في عدة تقارير سابقة، كما تزايدت حالات الإعاقة بشكل كبير في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وشحة الموارد المخصصة لمؤسساتهم، واستمر توقف الضمان الاجتماعي للعام الثامن على التوالي فيما ألغت منظمة اليونيسيف الزيادة التي كانت قد أقرتها على المساعدات النقدية الطارئة أثناء جائحة كوفيد 19، وعلاوة على ذلك فقد الكثير من ذوي الإعاقة وظائفهم ومنازلهم بسبب استمرار النزوح، وتقول منظمات محلية ودولية أن نسبة الفقر بين ذوي الإعاقة في اليمن تتجاوز 90%، كما أن ذوي الإعاقة في الأرياف ما يزالون محرومون من أبسط الخدمات الأساسية.
استمرار أنين معاقين الحرب رغم الهدنة
وفي حين شهد العام 2022 استقراراً أمنياً بفعل الهدنة الأممية التي بدأت إبريل نيسان الماضي وتنفس اليمنيون الصعداء إلا أن معاقي الحرب استمروا بالأنين لينضموا إلى ملايين المعاقين التي تتجاهلهم جميع الأطراف، وعلى الرغم من استمرار الهدنة كان من المفترض أن توجه الكثير من المساعدات نحو التأهيل والتدريب ودعم المشاريع الصغيرة والمنتجة لأرباب الأسر من ذوي الإعاقة إلا أنه لم يحدث شيء من ذلك باستثناء مشروع التمكين الاقتصادي لصندوق المعاقين في صنعاء الذي استهدف حوالي 1400 أسرة.
النشطاء في مواجهة الانتهاكات
في مطلع إبريل نيسان أثناء حفل نظمته الجمعية اليمنية للناجين من الألغام تساءلت لبيبة عبده سيف، رئيس الجمعية: “من منح المجرمين الضوء الأخضر لقتلنا واغتيال مستقبلنا؟، من سيعوض الضحايا في ظل تفاقم المشكلة أكثر وأكثر؟”، وقبلها صنف البرنامج الدولي أكلد Ecled اليمن أكبر دولة ملغومة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية وتتحدث الجهات المختصة عن مئات الآلاف من الألغام وعشرات الآلاف من الضحايا وهذه الأرقام تشكل تحدياً كبيراً ومشاكل ستستمر إلى ما بعد توقف سنوات الحرب بكثير.
وفي العام 2022 لم تشهد الحالة الحقوقية لذوي الإعاقة هدنة ولم تتوقف الانتهاكات بحقهم، فقد تعرض طفل من ذوي الإعاقة الذهنية في عدن مطلع يونيو حزيران للاغتصاب الوحشي من قبل أخواله الثلاثة حتى فقد القدرة على المشي والتوازن، ورغم التشهير بالطفل ونشر صوره على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل بعض أفراد محسوبين على السلطة الأمنية لم يتم توفير أي نوع من الرعاية للطفل وحمايته وتم الإفراج عن الجناة وإعادة الضحية إليهم مرة أخرى وما يزال بحوزتهم حتى اللحظة.
وقد رصد المركز الإعلامي لذوي الإعاقة العديد من الانتهاكات التي يتعرض لها ذوو الإعاقات العقلية والذهنية في تقرير نشره في الثاني من أغسطس آب بعنوان: “المعاقون عقلياً في اليمن.. انتهاكات بالجملة ووجع خلف الجدران“، ومنها الطفل ذوي الإعاقة المزدوجة العقلية والحركية الذي تم رميه في مكب للقمامة وسط مدينة تعز وتكفلت به إحدى الأسر فيما لم تُعرف أسرته حتى الآن.
اللافت في هذا العام تصاعد العنف الأسري تجاه ذوي الإعاقة كما في الحالتين السابقتين بالإضافة لحالة الشاب يوسف النعامي، من ذوي الإعاقة البصرية، حيث أقدم والده على ضربه بالعطيف (الفأس) على رأسه أصبح على إثرها مشلولاً، ولاقت الحادثة استياءً كبيراً بين المكفوفين وعدد من المتضامنين الذين أصدروا في 17 ديسمبر كانون الأول عريضة تضامن تصدرها أكثر من 50 من الإعلاميين والمحامين والقضاة والأكاديميين والنشطاء ودعوا إلى نشرها وتداولها في وسائل التواصل الاجتماعي.
بل أن الاعتداء على ذوي الإعاقة والاستهتار بحياتهم قد وصل إلى تركهم على الطرقات كما حدث مع فؤاد عبده صالح، من ذوي الإعاقة العقلية، الذي دهسه سائق قاطرة في 21 ديسمبر كانون الأول في مديرية المخادر بمحافظة إب وسط اليمن بينما كان يرقد تحت شوال (كيس بلاستيكي) رغم اشتداد موجة البرد، وبحسب الأجهزة الأمنية فإن السائق قد سلم نفسه بعد معرفته بالحادث ووفاة فؤاد على الفور.
وفي نفس المديرية اقتحم مسلحون نهاية أبريل نيسان منزل نعمان عبد الله معوضة، من ذوي الإعاقة الحركية، وقاموا بتصفيته ثم لاذوا بالفرار، إلا أن الملازم أحمد الصلاحي، من شرطة المحافظة قد أكد للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة أن الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على أحد الجناة وأحالته إلى النيابة.
وفي حين يعتبر العام 2022 أقل تسجيلاً للانتهاكات بحق ذوي الإعاقة مقارنة بالعام الذي سبقه إلا أننا رصدنا كثافة في الانتهاكات الإعلامية والقوالب النمطية والمتحيزة بشكل كبير ولعل آخرها الاعتداء على الطفلة نبيلة، معاقة عقلياً ومن فئة المهمشين، وتعذيبها بقصد تصويرها والتشهير بها على أنها مصاصة دماء.
وفي مقابل تصاعد الخطاب الإعلامي غير المسؤول تجاه ذوي الإعاقة وخصوصاً من قبل صناع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي فقد قاد الأشخاص ذوو الإعاقة ومناصروهم حملات ضاغطة رفضاً لذلك الخطاب، حيث أطلق المركز بيان إدانة لمسلسل “عيال المرحوم” الذي أساء إلى الصم تلته حملة على وسائل التواصل الاجتماعي انتهت باعتذار الشركة المنتجة،
وفي ذات السياق أطلق المركز حملة حقوقية حول التناول الرعائي والقاصر لذوي الإعاقة في كتاب الوطنية لصف السابع أساسي وقام بإجراء دراسة متكاملة للوحدة الرابعة في نفس الكتاب ورفعها إلى الوزارة وعلى إثرها تم إيقاف طبعة 2022 واستيعاب الكثير من التعديلات التي أقترحها المركز في طبعة 2023.
كما مثل ذوو الإعاقة صوتاً ضاغطاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي في عدة قضايا انتهت لصالحهم، وهذا يدل على أهمية تعزيز الوعي الحقوقي في أوساط الشباب والناشطين ذوي الإعاقة وتزويدهم بأدوات العمل الحقوقي وتدريبهم عليها لتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم بأنفسهم.