خاص : إبراهيم محمد المنيفي.
“أحد أقاربنا من ذوي الإعاقة الذهنية في العشرينات من عمره، خصصت له أسرته مخزن الطحين والخردة مكاناً للنوم، ويرفض أفراد الأسرة تناول الطعام معه، بل أنهم يعطونه فقط بقايا ما يأكلون” تتحدث أروى، وهو اسم مستعار عن معاناة أحد أقاربها من ذوي الإعاقة، وتضيف أروى للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة: “نحن نعيش خارج صنعاء وحين نزور بيت أقاربنا في صنعاء يجتهدون في إبعاد ابنهم عنا ونرى ملامح الإحراج في وجوههم، وقد رأيت بنفسي تقرحات جلدية على جسم ابنهم الشاب بسبب تركه أشهر طويلة دون تغسيل خصوصاً أنه ينام ويعيش في مسكن تحيطه براميل الطحين والحبوب والخردة المنزلية، والحشرات تملأ المكان، وحتى الملابس يلبس ملابس تكاد تكون مهترئة من بقايا ما يلبسها إخوانه وما تعطيه له بعض الجهات يتم حرمانه منها”، تأكدنا في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة من صحة ما روت لنا أروى، وقال لنا أحد جيران الشاب المعاق عقلياً أن أسرة الشاب تكلفه بأعمال ثقيلة وبأنها حرمته من التسجيل في أحد مراكز المعاقين عقلياً لغرض التدريب، بينما سجلته في إحدى المؤسسات لغرض الاستفادة من الحقيبة الغذائية قبل أن يتم قطعها عنه، مقترحاً اشتراط تقديم المساعدات الغذائية والنقدية لأسر ذوي الإعاقة بإلحاق أبنائهم بمراكز التعليم والتدريب.
يقول عبد الله بنيان، رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين: “إن ذوي الإعاقة العقلية والإعاقة الذهنية أكثر فئات ذوي الإعاقة تعرضاً للظلم والحرمان والتعامل القاسي، فبينما تستطيع مختلف فئات ذوي الإعاقة الدفاع عن حقوقها والاعتراض على أي انتهاك قد تتعرض له فإن ذوي الإعاقة الذهنية والعقلية لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم فهم رهينة بأيدي الغير”، مدللاً على قوله بأن الدولة قد أنشأت عدة مراكز لمختلف فئات ذوي الإعاقة بينما لم تنشئ مركزاً ولا مؤسسة واحدة لذوي الإعاقة العقلية والذهنية حتى اليوم.
إهمال واغتصاب.. وجهات حكومية تتصرف بلا مسؤولية.
في يونيو حزيران الماضي وثق المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة mcpd حالة اعتداء جنسي بالغ القسوة على طفل من ذوي الإعاقة الذهنية في عدن من قبل ثلاثة من أخواله، ولم يتلقى الطفل أي مساعدة من الجهات الحكومية فيما لم تستطع منظمات حقوقية فضلت عدم الكشف عن اسمها انتزاع حضانة الطفل بسبب أن بعض الجناة مقربين من بعض الأطراف المسلحة، بدوره ارتكب البحث الجنائي في عدن انتهاك صارخ بحق الطفل عندما نشر صوره وسرب قصته دون أن يقوم بالقبض على الجناة وما يزال الطفل المجني عليه في منزلهم بموقع الجريمة.
وفي نهاية الشهر قالت أسيل الراهدي، للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة أن والدتها التي تعمل بإحدى مستشفيات تعز قد تبنت طفلاً من ذوي الإعاقة العقلية بعد أن أحضره قسم شرطة مديرية التعزية للمستشفى بعد العثور عليه في مكب القمامة بمنطقة حبيل سلمان، وقالت أسيل إن الطفل يعاني من سوء تغذية حاد جداً، وأنه لا يزال يخضع لحمية غذائية علاجية لاستعادة صحته.
من بين الركام، بارقة أمل.
ورغم حديث المعنيين في وزارة الشؤون الاجتماعية عن تزايد أعداد المعاقين عقلياً بصورة لافتة فلا توجد أي مؤسسة في اليمن تُعنى بتوفير الإيواء والحماية لمن تتخلى عنهم أسرهم من ذوي الإعاقات الذهنية والعقلية، إلا أن بارقة الأمل لهذه الفئة تتمثل في إنشاء صندوق المعاقين للمركز الثاني، ودعمه بعض المؤسسات لتوفير بعض البرامج التدريبية والتأهيلية للمعاقين عقلياً والمعاقين ذهنياً رغم قلتها.
يُدرك المهتمون حجم وأثر غياب الدولة عن فئة ذوي الإعاقات العقلية والذهنية وأنه كارثي ومريع، لذلك نشطت جمعيات أهلية تهتم بتلك الفئة منها جمعية الأمل لذوي الإعاقة الذهنية بمحافظة تعز جنوب غربي اليمن التي أسستها الدكتورة خديجة الصياغي، نائب رئيس جامعة تعز وأستاذ التربية الخاصة بنفس الجامعة وجامعات أخرى.
تقول الصياغي للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة: “لا توجد مقاييس مقننة على البيئة اليمنية لكن بعض المقاييس في البيئة العربية لا بأس بها لأنها متحررة من أثر الثقافة والبيئة، وقد قننت مقاييس بجهود ذاتية مني كباحثة، أما المناهج فلا توجد مناهج معتمدة في اليمن وقد قمنا في جمعية الأمل بتقنين مهارات القراءة واللغة والحساب مع التكييف لتتناسب مع إعاقاتهم، وذلك كله بجهد ذاتي وبخبرات مؤهلة تتبع الجمعية” وتضيف الصياغي: “تعرفون أن الإعاقة الذهنية والعقلية تحتاج لمراحل سابقة للدراسة كالتمهيدي الذي قد يمتد لعدة سنوات لإكساب المعاق مهارات العناية بالذات، والسلوك التكيفي، ومهارات تعديل السلوك، والعلاج الطبيعي، والنطق، والمهارات الحركية وغيرها.”
ومن محافظة إب وسط اليمن تقول غناء الحميري، رئيس جمعية الطموح للمعاقين ذهنياً، أن الجمعية تقدم خدماتها لأكبر عدد من المعاقين ذهنياً في المحافظة، وتؤكد: “لدينا 386 عضواً نقدم لهم خدمات الرعاية والتدريب والتأهيل على أيدي كادر كفء ومؤهل”
وتتبع جمعية الطموح للمعاقين ذهنياً مدرسة، بالإضافة إلى قسم للتكامل الحسي، وقسم للعلاج الوظيفي، وقسم خاص بالنطق.
وتتحدث غناء الحميري بوجع عن المئات من ذوي الإعاقة الذهنية في المحافظة الذين هم مسجلين في قوائم الانتظار الخاصة بالجمعية، وتقول: “لدينا الكادر الكفء والمؤهل، ولدينا أثاث جيد وفره الصندوق الاجتماعي وبعض المنظمات، ولكن أين المبنى الذي سيستوعب التجهيزات والمعاقين فنحن مهددون بالطرد وإخلاء المكان الذي هو ضيق أصلاً”
وكشفت الحميري عن أن عدد المستفيدين من خدمات صندوق المعاقين 141 عضواً وهو عدد أقل من نصف أعضاء الجمعية، وأن صندوق المعاقين يغطي فقط نفقات الإيجار والمواصلات فيما يحتاج ذوي الإعاقة الذهنية إلى برامج تدريب وتأهيل على مدار العام وبتكاليف باهظة تتحملها الجمعية.
وناشدت غناء الحميري وزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية، والسلطة المحلية الوقوف مع الجمعية وأبنائهم من ذوي الإعاقة الذهنية الذي يطالب منهم مالك العقار إخلاء المبنى لتحويله إلى فندق، مطالبةً بأن يتم تخصيص أحد المباني الحكومية لهذه الفئة المحرومة حتى لا يكون مصيرهم الضياع على حد تعبيرها.
وقد نقلنا مناشدة الجمعية لمحافظ محافظة إب اللواء عبد الواحد صلاح، الذي أكد على تعاونه الكامل مع الجمعية وقال: “انقلوا عني وهذا وعد سأفعل كل ما يمكنني فعله لهذه الفئة وسألتقي المعنيين خلال الأيام القليلة القادمة”
سألنا عبد الله بنيان، عن موقف الاتحاد الوطني للمعاقين مما يتعرض له ذوي الإعاقة الذهنية من انتهاكات وحرمان من أبسط الحقوق، فأكد لنا تضامن الاتحاد الكامل والكبير مع ذوي الإعاقة الذهنية وقال: “لقد ضغطنا على صندوق المعاقين لتكون لمراكز ومؤسسات الإعاقات الذهنية والعقلية الأولوية في صرف النفقات التشغيلية، ورفعنا مذكرة إلى الصندوق طالبنا فيها بأن تستمر النفقات التعليمية لمؤسسات الإعاقات العقلية والذهنية على مدار العام لأن برامجهم يجب ألا تتوقف”، وأبدى بنيان استعداد الاتحاد الكامل للتضامن مع مؤسسات الإعاقة الذهنية والعقلية التي يجب أن تكون لها معاملة وأولوية أكثر من إي إعاقة أخرى نظراً لخصوصيتها وما تتعرض له من حرمان وتهميش على حد قوله.