المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

من زاوية أخرى.. فاطمة العاقل رمزاً وطنياً.

من زاوية أخرى.. فاطمة العاقل رمزاً وطنياً.

” مقال “

خاص : / إبراهيم محمد المنيفي .

تتصدر الكفيفات في اليمن ومعهن إخوانهن المكفوفين إحياء ذكرى وفاة رائدة العمل الخيري في اليمن الراحلة فاطمة العاقل رحمها الله في الثاني عشر من يناير كانون الثاني من كل عام.

الأستاذة فاطمة غنية عن التعريف وإنجازاتها الباهرة لَما تزل تحكي قصة الإنجاز والحلم الذي صار بعزيمتها واقعاً ملموساً ومشاهداً للجميع، وفيما كتب وسيكتب أبنائها وبناتها ورفيقاتها ورفاقها في العمل الإنساني والحقوقي الكثير والكثير فدونكم إن أردتم صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

ما يهمني في هذا المقال هي رمزية الراحلة فاطمة العاقل التي لا ندعي أننا نحتكرها كمكفوفين أو ذوي إعاقة بل إنها عملاقة وكبيرة بحجم وطن ورائدة بقلب إنسان وبصيرة قائد قل أن نجد لها نظير.

على محرك البحث جوجل Google تكرر ذكر “فاطمة العاقل” بصيغ مختلفة حتى يوم أمس 11 يناير 6277220 مرة،

لحظة لا تتعبوا أنفسكم بقراءة الأرقام فسأكتبها لكم بالأحرف– ستة ملايين ومائتي وسبعة وسبعين ألف ومائتي وعشرين مرة، هذا على محرك جوجل وحده وبمفردة فاطمة العاقل والمفردات القريبة منها فقط، وذلك الرقم إن دل على شيء فإنما يدل على الأثر الكبير الذي تركته والسمعة السامقة التي حققتها بتجردها في حياتها وإخلاصها للمبادئ والقيم التي حملتها وظلت تناضل لأجلها حتى فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها في 12 يناير 2012.

وفي حين تبحث الأمم والشعوب عن نماذج للخير والإنسانية وتصدرهم رموزاً للعالم وتبني لهم التماثيل وتسمي بأسمائهم الشوارع والجامعات وترعى الكراسي العلمية والجوائز المحترمة، يحتفي المكفوفون في اليمن ومعهم القليلون بالراحلة فاطمة العاقل كغرباء لأن هناك من يرمقهم من طرفٍ خفي –مستغرباً من حجم وتفاعل الكفيفات والمكفوفين مع ذكرى الراحلة في كل عام.

تقدم الهند ماما تريزا رمزاً للإنسانية والوقوف مع الفقراء، ويصنع الأمريكيون الأفلام والمسلسلات عن هيلين كيلر، ولا تكاد تجد كتاباً عن تربية ذوي الإعاقة إلا ويحدثك عن مارية مونتيسوري التي صنع منها الإيطاليون معجزة وتم ترشيحها لجائزة نوبل ثلاث مرات وسموا بأسمائها مدارس ومراكز وبرامج علاجية في إيطاليا وحول العالم.

أدارت مارية مدرسة للأطفال ذوي الإعاقة العقلية لمدة سنتين وعملت على إعادة بناء وتقويم البرامج المقدمة لهم ونادت بدمجهم في المجتمع وبنت على جهود كثيرة سبقتها وذاك جهد يُذكر ويُشكر، أما في اليمن فإن الراحلة فاطمة العاقل قد صنعت قوارب نجاة عبرن به الكفيفات بحور من اليأس ومجاديف أمل وصلت به مع بناتها الكفيفات إلى بر الأمان ليكون الأمان اسماً وصرحاً هو الأكبر والأكثر حضوراً وتأثيراً في حياة المكفوفين في اليمن.

ترأست الجمعية اليمنية للمكفوفين لدورتين، ثم قامت بتأسيس أول جمعية وأول معهد للكفيفات في البلاد، وماهي إلا سنوات حتى تؤسس مؤسسة خذ بيدي لتستهدف إعاقات أخرى كالصم والمعاقين حركياً، تترقى الراحلة فاطمة العاقل سلم المجد لتكون واحدة من أبرز الشخصيات المؤسسة لكيانات إقليمية وعالمية تُعنى بذوي الإعاقة، وتضع بكل جدارة اسم الجمهورية اليمنية كسابع دولة في العالم تقوم بطباعة المصحف الشريف بطريقة برايل.

سيرتها ومسيرتها كثيرة الأرقام كبيرة البطولات، ولكن نحن في بلاد لا تقدر عظمائها ولا تعترف بجليل ما قدموه، وللأسف فإننا ننتظر أن نرى أعلامنا وعظمائنا بعيون الآخرين بدلاً من أن نبادر بتكريمهم وتقديمهم إلى العالم كما تفعل كل الشعوب والأمم.

مرة أخرى فاطمة العاقل رمزاً من رموز هذه البلاد حتى لو لم ترق للبعض هذه الحقيقة، فإن الأرض تدور وستظل تدور حول الشمس رغم أنف جاليليو كما قال جاليليو نفسه حينما أجبروه أن يعترف بأن نظريته مجرد هرطقة وأن الأرض ثابتة على قرن ثور.

على كل حال فإن اعتبار الراحلة أحد الرموز اليمنية مسؤولية تاريخية ووطنية تقع على عاتق الإعلاميين والكتاب، والمؤرخين، والأكاديميين والمسؤولين عن تكوين وصناعة الذاكرة الجمعية للشعب من كل التخصصات ومن مختلف المستويات.

ولعل أول محاولة جادة في هذا الباب ما قام به الدكتور عبد الولي الشميري، في موسوعته الفخمة “أعلام اليمن ومؤلفيه” الجزء الأول الصادرة عام 2018 والذي استغرق العمل عليها نحو عشر سنوات، حيث اعتبر المؤلف أن الراحلة فاطمة العاقل أحد أعلام اليمن المعاصرين وترجم لها تحت الرقم (8217) حسب ترتيب الموسوعة أبجدياً.

وتحدث الشميري عن ترجمتها مستعرضاً حياتها العلمية والمهنية، وأشاد بتميزها ونبوغها، مشيراً إلى إنجازاتها والجوائز التي حصلت عليها، مختتماً الترجمة بهذا النص: “وتعتبر فاطمة بنت أحمد العاقل رائدة من رواد العمل الخيري والاجتماعي في اليمن”.

أما الكاتب والمؤلف زيد الشامي، عضو مجلس النواب اليمني، فقد تحدث عن الراحلة بانبهار كبير في كتابه “رواد من اليمن الجزء الأول” الذي صدر في سبتمبر عام 2022، حيث بسط الحديث في الثناء عليها في أكثر من موضع ومن ذلك قوله: “هي امرأة هزمت اليأس، وقهرت الظلام، أستاذة مربية فاضلة، مثال للإيمان واليقين، جمدت الطُهر في نقائه، والسمو في ارتقائه، والشموخ في إبائه، تميزت بقوة الإرادة، وصلابة العزيمة، وصفاء السريرة، والتعلق بالله والدار الآخرة، وبهمتها العالية كانت واحدة من أهم قادة العمل الخيري في اليمن”، واستعرض سيرتها بسرد أدبي شيق، مشيراً إلى أهم صفاتها وسجاياها، ومواقفها النبيلة مع زميلاتها أثناء الدراسة، ثم فّصل الحديث عن حياتها وإنجازاتها، مختتماً الحديث عنها بسرد مثير لمشهد تشييع الجموع لجنازتها بصنعاء حيث قال بعد وصفه لمن شملتهم رعايتها: “فلا غرو أن رأيناهم في جنازتها يتقاطرون زرافات ووحداناً، ذكوراً وإناثاً، راجلين أو فوق عرّبّياتهم المدفوعة باليد، في مشهد مؤثر ومعبر قل أن نشهده في الجنائز: يبكون أختهم الكبيرة، وأمهم الحنونة التي عاشت لهم، وبذلت حياتها من أجل إسعادهم!”.

ولم يغب ذكر الراحلة عن الويكيبيديا العربية التي سجلت العام 2022 أكثر من مليارين وثلاث مائة مليون زيارة لمختلف موضوعاتها، إلا أن من قام بتحرير السيرة الذاتية للراحلة على الويكيبيديا العربية قد أورد الكثير من المعلومات بشكل خاطئ مثل التخصص الجامعي، واسم الجمعية التي قامت بتأسيسها كأول جمعية للكفيفات في اليمن “جمعية الأمان لرعاية الكفيفات”، ومعظم التواريخ المتعلقة بحياتها وإنجازاتها المهنية وحتى تاريخ وفاتها جاء في الموسوعة على أنه في 11 يناير 2012 بينما كان في 12 يناير 2012.

وحتى موسوعة أعلام ومؤلفي اليمن للدكتور عبد الولي الشميري وقعت في أخطاء طفيفة مثل مكان وفاتها الذي قالت الموسوعة أنه في صنعاء بينما الحقيقة أنها توفيت رحمها الله في القاهرة.

وعلى الرغم من البداية الخجولة للتوثيق والترجمة عن حياة الراحلة فاطمة العاقل إلا أنها خطوات تستحق التقدير ومرافقتها بالتصويب لأن المراجع الأولى عادةً ما تكون مرجعاً لما سيأتي بعدها ونادراً ما يخضعها الباحثون والمؤلفون للتحقيق والتمحيص.

وختاماً كانت وستبقى سيرة الراحلة مصدر إلهام وقصة نجاح عبقرية يجب أن تروى للأبناء والأحفاد وتتشرف بها الكتب والمجلدات.