المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

الفنان وجدي (صانع الوجدان)

الفنان وجدي (صانع الوجدان)

خاص : إبراهيم محمد المنيفي /

ماذا هنا؟!. ثمة شباب متحلقون حول كفيف يبدو أنه لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره يحتضن آلة موسيقية ويرسل صوته عالياً في السماء مغنياً للحقل والأرض والحياة، وهائماً في غزال تتهادى في مشيتها تحمل المشاقر وتبيع الورد الجميل. بينما الطفل وجدي يغني والشباب يصفقون يمر بهم أحد المعلمين فيوبخ وجدي توبيخاً شديداً ويصفه بالفارغ طالباً منه البحث عن عمل مفيد فهو كفيف ومن المفترض أن يكتفي بحفظ القرآن ولا يليق به أن يغني، هذه أول صورة تذكرها بطلنا عندما سألناه عن مواقف لا ينساها في حياته. فمنهو بطل قصتنا؟: وجدي أحمد مهيوب البريهي . من مواليد عام 1889-م ب عزلة البريهة بمديرية جبل حبشي في محافظة تعز جنوب غرب اليمن.

ولد وجدي كفيف البصر كما أخوته الثلاثة من بعده والسبب وراثي كما يقول. عاش طفولة مفعمة بالنشاط والحب والاحتضان من قبل الأسرة غير أن كونه أول كفيف في قريته فقد دفع ثمن إثبات الذات غالياً من مشاعره وقلبه الصغير، فيتذكر وجدي بألم نظرات الشفقة والرحمة أو الخجل من أسرته حين كان يزورهم بعض الضيوف فكان يُطلب منه مغادرة المجلس على الفور. لكن وجدي استمر يلعب ويلهو مع الأطفال كواحد منهم، ويقول أنه لم يشعر بإعاقته وبأنه مختلف عن أقرانه الأطفال وله احتياجاته إلا في سن التعليم فهو في قرية نائية ولا يمكنه الذهاب إلى المدرسة بمفرده وحتى وإن ذهب فهو لا يستطيع القراءة والكتابة بنفسه. لكنه لم يستسلم فتعلق كثيراً بالمذياع وأغرم بالمنوعات والبرامج الثقافية، كما حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة من عمره.

ويتذكر وجدي أنه كانت لدى والده وعمه المثقف الدكتور علي البريهي مكتبة كبيرة في المنزل كانت تستهويه وكان يشعر بأنه محروم من مطالعتها فقرر اختيار بعض الكتب بمساعدة أصدقائه وكانوا يقرأون عليه بعض العناوين فيختار منها ما يرغب بأن يقرأه معهم.

مشواره التعليمي والمهني

تعلم وجدي وتثقف خارج أسوار المدرسة في البداية قبل أن يمنحه وزير التربية والتعليم شهادة تسوية بشهادة الصف التاسع الأساسي نظراً لتميزه وحفظه للقرآن الكريم ليواصل مشواره التعليمي بصنعاء ويلتحق بكلية الإعلام ويتخرج منها في عام 2018-م. التحق بأحد معاهد اللغات وحاز على التوفل في اللغة الإنجليزية عام 2017-م. كما حصل على شهادات تدريب كثيرة في عدة دورات نوعية في أكثر من مجال.

وأثناء دراسته في كلية الإعلام يقول وجدي: “لقد التحقت بإحدى الإذاعات المحلية وكانت تجربة رائعة، كما كان فريق العمل إيجابيون جداً ولا أنسى لهم أنهم أتاحوا لي الفرصة وشجعوني في مشواري الفني بشكل كبير” لكن وجدي ترك الإعلام الذي رأى فيه مهنة غير منظمة في الوضع الحالي، كما أنه يعتقد أن وسائل الإعلام تستغل حاجة الشباب وطاقاتهم ليعملوا لديها بالمجان تحت مبرر إتاحة الفرصة وعدم كفاية الموارد.

المتمرد وجدي يصنع الوجدان

أما عن مشواره الفني فقد بدأ في سن مبكر جداً، فيقول وجدي: “لقد حفظت القرآن الكريم وأحببته، وأيضاً عشقت الفن وأحببته في سن مبكرة من عمري، فشجعوني على الأولى ورفضوا الثانية وذلك جلب لي الكثير من المتاعب، فأنا لا أرى مشكلة في أن أكون حافظاً للقرآن وفناناً في نفس الوقت بل أرى ذلك من أوجه التكامل في الشخصية، لكن الرفض كان في الحقيقة يأتي من كوني كفيف والمجتمع يرسم للكفيف بأنه أما في زاوية المسجد يتلو القرآن أو متسولاً في الشوارع غالباً” تحدث وجدي لل MCPD عن شغفه بالعود والموسيقى وكيف كان العود بالنسبة له حلماً حتى أنه في إحدى الزيارات لسوق (بير باشا) في مدينة تعز وجد لعبة موسيقية للأطفال فاقتناها على الفور وظل يعزف عليها ويذكر أنها كانت تصدر معزوفات أفريقية.

لم يستسلم وجدي ولم يتنازل عن حلمه الذي ظل يراوده بأن يمتلك عوداً وأن يصبح عازفاً وفناناً رغم بيئته المحافظة الذي ترفض ذلك الأمر رفضاً قاطعاً، وحين وجد أن الأبواب لم تُفتح له قرر كسرها بنفسه واخترع آلة بدائية صنعها من بعض العلب المعدنية الفارغة والأربال المطاطة بحيث أخذ جالون زيت حديدي فارغ ونحت أماكن للأوتار ونحت مثلها على أخشاب صغيرة ثبتها بالجالون ووضع الأربال المطاطة في الأماكن المنحوتة على شكل سلم موسيقي حيث كان قد عرف السلم الموسيقي عندما لمس آلة العود لدى أحد الأصدقاء في إحدى الزيارات للمدينة، وأصدرت الآلة صوتاً جميلا ورناناً كالعود تماماً، وحينها قرر وجدي أن يمنحها اسماً وهوية فسماها (آلة الوجدان) وبدأ يعزف بها في كل مكان.

يقول وجدي إن والده كان يأتي من الغربة فيكسر آلته على الفور كما كان يتلف أشرطة الكاسيت للأغاني التي كان يقتنيها المتمرد وجدي. وفي صنعاء كانت الانطلاقة حيث كشفت أحد البرامج الإذاعية عن موهبة الشاب وجدي وآلة الوجدان، ثم سجل بعض الشارات البرامجية بالآلة ذاتها، بعدها انطلق لإحياء بعض الحفلات مجاناً إلى جوار بعض الفنانين حيث يقول: “لقد كانت آلاتي متواضعة ولم يكن يلتقطها المايكرفون ولكني كنت أتجرأ ولم أكن أذهب للأعراس والحفلات بمفردي، ومؤخراً استطعت الحصول على عود حديث وأنا متعاقد مع عدة مكاتب لتعهد الحفلات” توجد لدى الفنان وجدي البريهي قناة باسمه على اليوتيوب ، كما أجريت معه عدة لقاءات وأنتجت حوله الكثير من التقارير في قنوات محلية وعالمية.

ويصر الفنان وجدي في حديثه مع ال- MCPD أن يسجل عبارات الشكر لكثيرين في حياته في مقدمتهم أسرته التي قبلت بموهبته بعد إصراره وشجعته، كما لا ينسى أصحاب البصمة الأولى والأيادي التي امتدت إليه لتنهضه قبل أن تصفق له. ويتحدث الفنان وجدي البريهي باعتزاز عن رفيقة دربه التي كانت وما تزال العين والمعين في مشواره الفني ورغم أنها تعمل في المجال الطبي كمساعد طبيب إلا أن الفنان وجدي يقول أنه يستعين بها كثيراً في مشواره الفني وخصوصاً في التنسيق والتصوير. https://fb.watch/dBmD1alaq4/