خاص : هشام سرحان /
إلى جانب الندوب النفسية والبدنية التي تركتها الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2015 ثمة أعباء اقتصادية وصحية وتعليمية ومعيشية تثقل كاهل النساء من ذوات الإعاقة في مدينة تعز (جنوب غرب اليمن) واللواتي تشتد حاجتهن للمساعدة بتوفير متطلبات الحياة الأساسية وغيرها وهو ما يصعب تأمينه في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وغياب الدعم والاهتمام الرسمي وشحة نظيره المجتمعي.
مصدر مسؤول في صندوق رعاية وتأهيل المعاقين بمدينة تعز يقر في حديثه للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة بأن جميع المعاقين وخصوصاً النساء محرومون من الكثير من الخدمات والحقوق نظراً لسوء الأوضاع وعدم تجاوب الدولة فضلاً عن توقف الصندوق عن العمل منذ العام 2015 وما رافقه من انقطاع للكثير من الخدمات التي كان يقدمها لذوي الإعاقة على حد قوله.
معاناة وصعوبات لا تخضعهن للاستسلام.
يصعب على النساء من ذوات الإعاقة في مدينة تعز تأمين احتياجاتهن لتدهور أوضاعهن المادية مع أسرهن، وغياب مصادر الدخل، وندرة المساعدات، وغلاء الأسعار، واضطراب الوضع المصرفي، وارتفاع ايجارات السكن، وأجرة المواصلات، وغلاء الأدوية، وتردي الخدمات وغيرها من التداعيات المأساوية للحرب بما فيها توقف المؤسسات الخيرية التي كانت تقدم لهن خدماتها بانتظام قبل عام 2015.
الشابة دليلة أحمد، 31 عاماً، من منطقة صبر الموادم فقدت قدميها بلغم أرضي أثناء ذهابها لجلب الماء، تخطو بقدمين صناعيتين مستندة على عكازها نحو كشكها في وسط مدينة تعز وتظل طوال اليوم تبيع العصائر والبسكويت والشوكولاتة وبعض الأشياء المتواضعة وتتعرض لأشعة الشمس الحارقة والغبار والرياح وبرد الشتاء، ولا تحصل من ذلك الكشك على ما يسد حاجتها لكن دليلة تستمر في ذلك العمل رغم بساطة مردوده للانشغال وتحاشي شفقة الآخرين، تقول دليلة: “جاءت فكرة إنشاء الكشك من الواقع المعاش ورغبتي مني في الخروج من أجواء الإعاقة و التفكير بتداعياتها وهو ما تمكنت من تحقيقه من خلال الكشك والذي لا يتسع سوى للقليل من الأشياء و يتفاوت الإقبال عليه من يوم لآخر وتقل عائداته، ومع ذلك أشعر بالرضى والارتياح لقدرتي على التكيف مع وضعي الجديد وتأمين جزء من احتياجاتي اليومية” وتتطلع دليلة إلى توسعة مشروعها، وتزويدها بمظلة وسيارة صغيرة، أو إنشاء محل كبير وتزويده بمختلف السلع والبضائع، كما تأمل في امتلاك منزل لتتخلص من عبء الايجار الذي يثقل كاهلها.
صعوبات وتحديات.
وتعترض النساء من ذوات الإعاقة في مدينة تعز صعوبات وتحديات جمة أبرزها صعوبة دمجهن في المجتمع حيث يشير الناشط والإعلامي عبد الواسع الفاتكي، إلى نظرة المجتمع الدونية لذوي الإعاقة لا سيما النساء واللواتي حرمن من تحقيق المساواة في الوظيفة والحقوق و فرص تكوين أسر أسوة بالأخريات والحصول على الرعاية الصحية اللازمة ومراكز التأهيل والدعم والإسناد اللازم للتغلب على ظروفهن وتمكينهن اقتصادياً وتأهيلهن واخراجهن إلى سوق العمل والإنتاج.
ويتحدث الفاتكي عن إحجام كثير من ذوات الإعاقة عن مواصلة تعليمهن الأساسي والثانوي أو الجامعي، ويقول: “إن إحجام ذوات الإعاقة عن مواصلة التعليم يرجع إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والتي أفقدتهن القدرة على تحمل تكاليف الدراسة خصوصاً مع غياب برامج الدعم الحكومية والمجتمعية الهادفة نحو توفير المتطلبات والنفقات اللازمة لاستمرارهن ومواصلة التعليم سواء في المدارس أو المعاهد والجامعات”، ويضيف: “إن التدهور المعيشي جعل ذوات الإعاقة من أكثر الفئات تضررا ومعاناتاً واحتياجاً كما أعجز أسرهن عن الإيفاء باحتياجاتهن، في حين قلصت كثير من المنظمات حجم المساعدات التي كانت تقدمها سابقاً لذوات الإعاقة رغم بساطتها”.
نماذج مشرقة رغم قتامة المشهد.
القليل من ذوات الإعاقة في محافظة تعز حصلن على رعاية وتأهيل وتمكن من مواصلة تعليمهن وفتح مشاريع خاصة للاعتماد على أنفسهن إما بمساعدة جمعيات خاصة بذوات الإعاقة أو منظمات مجتمع مدني أو حتى بدعم ومساندة أسرهن، أميرة علي، 22 عاماً من ذوات الإعاقة البصرية، تقول للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة إن أسرتها هي من وقفت إلى جانبها وكونها ميسورة الحال استطاعت مواصلة تعليمها الجامعي، وتأمين مصاريفها ونفقاتها المختلفة.
ويتواصل مسلسل المعاناة بالنسبة للنساء من ذوات الإعاقة في تعز، كما يتعرضن للإهمال والتهميش المجتمعي والرسمي وتندر المساعي، كما تتباطأ التحركات الرامية نحو انتشال شريحة ذوي الإعاقة من وحل الشقاء والحرمان وشدة الحاجة والتدهور المستمر في مجمل الأوضاع والتي تتجه نحو المزيد من التردي في الوقت الذي يبدوا الأفق قاتماً ولا بوادر فيه لأي بارق أمل يقول ناشطون للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة.