قارئ المقال
|
خاص /
للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، الحقوق و الالتزامات ذاتها التي على الآخرين؛ لذا ينبغي عليهم التكيف مع أي بيئة مألوفة كانت أو غير ذلك، والتصرف بسلامة واستقلالية وبأخذ العقبات السلوكية الاجتماعية بعين الإعتبار، فإن اكتساب وتطوير مهارات التنقل والتوجه أو ما يعرف بـ”فن التوجه والحركة”، كفيل إلى حد كبير، بإزالة تلك العقبات من أمامهم وتحقيقهم للمشاركة الفاعلة مع بقية الفئات المجتمعية المتنوعة.فما هو فن التوجه والحركة وما أهميته بالنسبة لذوي الإعاقة البصرية؟وما واقعه في اليمن؟وما الطموحات المنشودة بشأنه مستقبلا؟
ما هو فن التوجه والحركة
بالإعتماد على التعريف فقد تناولته عدة جمعيات ومؤسسات مختصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، فإن مسمى التوجه والحركة يتكون من مصطلحين متلازمين :الأول : التوجه أو التهيؤ (Orientation): وعرف تقليدياً بأنه عملية استخدام الحواس لتمكين الشخص من تحديد نقطة ارتكازه وعلاقته بجميع الأشياء الأخرى المهمة في بيئته.أما المصطلح الثاني : فهو الحركة (Mobility): ويعرف تقليدياً بأنه قدرة واستعداد وتمكن الشخص من التنقل في بيئته.
والتوجه يمثل الجانب العقلي في عملية التنقل بينما تمثل الحركة الجهد البدني المتمثل في الأداء السلوكي للفرد، وتعتبر مشكلة الانتقال من مكان إلى آخر من أهم المشكلات التي تواجه، ذوي الإعاقات البصرية وخاصة ذوي الإعاقة البصرية الشديدة (الكفيف كليا)، ولذا يعتبر إتقانه لمهارة فن التوجه والحركة من المهارات الأساسية في أي برنامج تعليمي تربوي.وقد استعان الشخص ذو الإعاقة البصرية على مر العصور بوسائل بدائية وحديثة في توجيه ذاته ابتداء من العصا البيضاء وانتهاء بالعصا التي تعمل بأشعة الليزر.
الأهمية والعوامل المؤثرة في مهارة فن التوجه والحركة
في حديث للMCPD قالت الأستاذة حياة منصور: (وهي مدربة في مجال فن التوجه والحركة) “إن هذا الفن يساعد المكفوفين في الاعتماد على أنفسهم في التنقل والحركة بالأماكن المعروفة، مثل المدارس، الجامعات، أماكن العمل، والمناطق أو الأحياء التي يسكنون فيها”وتساعد مهارات التوجه والحركة، الكفيف على التخلص من التوتر والخوف، وتنمية الحواس للتعويض عن فقد حاسة البصر، وتحقق له الاستقلالية في الحركة والوصول إلى أماكن لم يصل إليها من قبل، وكذا القيام بمهارات الحياة اليومية، وحماية نفسه من المخاطر.أما، الدكتور إيهاب الببلاوي (رئيس قسم الصحة النفسية بجامعة الزقازيق بمصر) فيقول: “إن قضية التوجه والحركة إحدى القضايا بالغة الأهمية في مجال الإعاقة البصرية لضرورة تأدية الأعمال والمشاركة في مناشط الحياة، حيث إن ضعف القدرة على التوجه والحركة في البيئة يقلل من فرص الحصول على الخدمات المختلفة وله مشكلات وآثار صحية مترتبة على ذلك”.
ومع هذه الأهمية البالغة فهناك العديد من العوامل المؤثرة في تعليم وتدريب ذوي الإعاقة البصرية، على هذه المهارة، ولعل أبرزها درجة وقوة واستعداد الحواس المتبقية، للعمل، معدل ذكاء الكفيف، وحالته النفسية وتسهيلات المجتمع له، وكذا الدافعية للتدريب والتفاعل الاجتماعي للكفيف وخبراته السابقة في التوجه والحركة.وترى الاستاذة حياة منصور أن هناك عوامل أخرى تؤثر على مهارات التوجه والحركة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية خصوصا الفتيات.
وأهم تلك العوامل، هي الأسرة ومدى تقبلها لاستقلالية ابنتها في الحركة وممارسة الحياة اليومية، إضافة إلى تنمر المجتمع تجاه الفتيات، والخوف الذي يعتري الفتيات جراء التنمر.وتشير حياة منصور، في حديثها للمركز الاعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة (MCPD) إلى أن من أهم العوامل المؤثرة أيضا، البيئة التي يتحرك فيها الكفيفون، فالأماكن المحيطة بالكفيف غير مجهزة ولا مهيئة بما يتناسب مع قدراته الجسمية.
من جهة أخرى أكد نضال الشدادي (كفيف متخرج من قسم الشريعة والقانون) أن من العوامل المؤثرة في تنقل المكفوفين وتحركاتهم، انعدام الممرات الآمنة والطرق السهلة، ليس فقط في الشوارع والأماكن العامة، بل حتى في داخل بعض المؤسسات المختصة بالأشخاص ذوي الإعاقة .ويشير نضال الشدادي، إلى وجود شحة في توفير وسائل الحركة والتنقل كالعصا البيضاء التي لا تتوفر لدى كثير من المكفوفين في اليمن.ولفت الشدادي، من واقع تجربة شخصية، ومعايشة لعدد من النماذج، إلى أهمية التربية السلوكية للكفيف داخل أسرته، ودورها في تعزيز استقلاليته الذاتية في التحرك بشكل كبير، فبدون الثقة بالنفس والدوافع المعنوية تكون الاستفادة من وسائل الحركة، إن وجدت، ضعيفة إلى حد كبير حسب قوله.
مهارات التوجه والحركة للمكفوفين في اليمن.. بين الواقع والمأمول
تقتصر البرامج التدريبية بفن التوجه والحركة، على مراكز محدودة مثل معهد الشهيد فضل الحلالي (بصنعاء)، التابع لجمعية الأمان للكفيفات الذي يتم فيه تدريس الطالبات على فن التوجه والحركة، من الصف الأول حتى الصف الخامس، وهي خمس سنوات، كافية بتحقيق الاستقلالية الذاتية للطالبات الكفيفات، بحسب المدربة حياة منصور. الأستاذة تيسير مطر( مسؤولة الإعلام والمناصرة في جمعية الأمان لرعاية الكفيفات) والتي أوضحت، بأنه يتم تنفيذ برنامج التنقل والتوجه بشكل أساسي في معهد الشهيد فضل الحلالي.وتشير مطر إلى مشكلة تعاني منها الكفيفات فعندما تنتقل الطالبة إلى برنامج الدمج في المدارس العامة والتي تبدأه الجمعية من الصف السادس الأساسي تحصل هنا فجوة، بين المهارات المكتسبة في التنقل والتوجه، وبين ممارستها واقعا على الحياة اليومية، وذلك بسبب النظرة الاجتماعية القاصرة تجاه الكفيفة إذا أمسكت العصا البيضاء وخرجت بمفردها مما قد يجعلها تترك العصا البيضاء بلا عودة.
وتقول تيسير مطر” إن كل الطالبات التي تعرفهن يتركن استخدام العصا البيضاء بسبب التعليقات الساخرة التي تواجههن في المحيط، مبدية أملها ا بأن تتمسك الكفيفات بما تعلمنه وتدربن عليه، وممارسة حياتهن اليومية باستخدام العصا البيضاء”.وفي معلومة هامة خصت بها ال- MCPD قالت تيسير مطر: “إن جمعية الأمان تعكف على إعداد مادة دليل التوجه والحركة وسيتم تضمينها في المقرر الدراسي للطالبات قريباً”وخلال تصريحها أشارت مطر إلى تجربة عاشتها في المملكة الأردنية الهاشمية، فتقول إنها وجدت الفتيات الكفيفات، في الأردن يستخدمن العصا البيضاء ويتنقلن بمفردهن، ويأخذن سيارات الأجرة بمفردهن، تماما كما يفعل الشباب (الذكور) من ذوي الإعاقة البصرية في اليمن، مرجعة ذلك إلى الثقافة المجتمعية.
ومع النظرة المجتمعية الخاطئة تجاه الكفيفات في اليمن، إلا أنهن أكثر حظًا من الكفيفين (الذكور) فيما يخص البرامج التدريبية على فن التوجه والحركة.فنضال الشدادي، الذي يؤكد على أن هناك ضعف في مجال التدريب، يقول إن الأمر يقتصر على بعض الأنشطة المتفاوتة والمتباعدة في الصفوف الدراسية الأولى، مشيرا إلى أن تلك الأنشطة لا تتم غالبا بطرق علمية بحتة وممنهجة.
وأضاف الشدادي في حديث للـMCPD : “إنه من المفترض أن يكون فن التوجه والحركة، مادة علمية أساسية، ضمن المواد التي يدرسها الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، في المراحل الدراسية الأولى، وأن يستمر التدريب والتطوير في بقية المراحل”
رئيس مركز ابصار للتدريب والتأهيل بأمانة العاصمة صنعاء، جهاد دحان، من جهته، أكد أن اليمن يعاني من ضعف كبير في مجال الاهتمام بفن التوجه والحركة، مرجئًا ذلك إلى عدم إيمان الجهات المختصة بأهمية تطوير مهارات هذا الفن وندرة وجود متخصصين للتدريب، إضافة إلى ضعف الإمكانيات المادية.
وكشف دحان-MCPD عن إعداد المركز حاليا لمشروع خاص بإعداد مدربين من العاملين في مجال الإعاقة البصرية لتكون لديهم القدرة على التعامل مع الكفيف وكيفية تدريبه على فن التوجه والحركة بشكل علمي، وأعرب عن أمله بأن يصبح هذا الفن في المستقبل القريب مادة أساسية في المدارس التي تُدرّس الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية.