قارئ المقال
|
خاص : إبراهيم محمد المنيفي /
“التقاني شخص في شارع بغداد عارضاً علي مساعدتي في عبور الشارع، وأثناء مروره معي أخذ يحدثني عن عمله بإحدى الوزارات الحكومية وإنه قد ينفعني لو أردت ذلك، ثم طلب مني أن أعطيه تلفوني المحمول ليسجل رقمه فيما لو أردت التواصل به فرفضت الأمر وتركته لأني اشتبهت به” محمد عبد العليم الفقيه، جامعي كفيف، يروي للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة قصة الانتشال والسرقة الذي كاد يتعرض لها بشارع بغداد بأمانة العاصمة، ويضيف الفقيه: “التقاني نفس الشخص مرة أخرى وقد عرفته من صوته، ومارس معي نفس الأسلوب وعرض علي صراحة توظيفي في إحدى الجهات الحكومية، ولكنني قد اطلعت على بعض حوادث السرقة التي تعرض لها الزملاء المكفوفين في نفس الشارع وبنفس الأسلوب ولم يفصحوا عنها لعدة أسباب واحد منها هو خشيتهم من سخرية زملائهم واستغفالهم لهم، ولذلك بدأت بمسايرة ذلك الشخص وأحببت أن أمسك به في مكان يتواجد فيه أشخاص مبصرون يمكن أن يساعدوني لنسلمه للقسم ويبدو أنه شعر بذلك فترك يدي ولاذ بالفرار”
قصة انتشال المكفوفين وتعرضهم للسرقة في شارع بغداد تحديداً تكررت أكثر من مرة ومع أشخاص مختلفين، وفي هذا التقرير نحاول تتبع القصة وتسليط الضوء عليها كما رأها الضحايا وكيف تعامل قسم شرطة بغداد مع البلاغات التي تقدموا بها؟.
بهذه الطريقة يتم استغلال المكفوفين وسرقتهم.
بالقرب من قسم شرطة شارع بغداد خلف البريد يقع السكن الجامعي للطلاب المكفوفين –ويسكن فيه حوالي 60 طالباً كفيفاً من عدة محافظات–، وقد اشتكى المكفوفون من تعرضهم المتكرر للانتشال بنفس الطريقة، حيث تحدث العديد ممن تعرضوا للسرقة أو كادوا يتعرضوا لها عن أنهم لم يعلموا بما تعرض له زملائهم من قبل في الغالب وأن الجاني يختار ضحاياه بعناية.
تحدث طلاب السكن عن تعرض زميلهم محمد علوي، للسرقة والنشل من قبل شخص قدم نفسه على أنه أتى لتقديم المساعدة لمحمد كي يدله على الطريق، وقال زملاء محمد أنه تعرض لصدمة كبيرة خصوصاً أنه يعاني من مرض السكر الذي أصيب به بعد تعرض سكن مركز النور للمكفوفين لقصف جوي من طيران التحالف أثناء ما كان مكتضاً بالطلاب قبيل الامتحانات في 5 يناير 2016.
وبنفس الأسلوب قال صلاح فارع، طالب آخر أنه تعرض للسرقة بالقرب من سوق بغداد بعد أن أوهمه الجاني بأنه يريد تسجيل رقمه على تلفون صلاح ليتمكن من الاتصال به لتسجيله في إحدى المنظمات الإنسانية، وقال صلاح أنه تقدم ببلاغ إلى قسم شرطة بغداد وتسلم إشعار بذلك لكن لم يتم التعامل الجاد مع القضية حسب تعبيره وقال صلاح: “لم أكن أمتلك النقود لأتمكن من الاستمرار في متابعة البلاغ”
من جهته يقول عبيد الزبيدي، وهو طالب أيضاً أنه تعرض لمحاولة السرقة والنشل بنفس الطريقة التي تعرض لها زملائه ولكنه رفض إعطاء تلفونه للمشتبه به.
وتحدث لنا طلاب من السكن عن أسماء أخرى لزملائهم تعرضوا للسرقة بذات الأسلوب لم نتمكن من التواصل بهم جميعاً.
سرقة ونشل بالقوة.
لم يكتفِ الجاني أو الجناة باستغلال ثقة الطلاب المكفوفين بمن يأتي لتقديم المساعدة لهم على عبور الطريق ونحوها بل تطور الأمر للوصول إلى حد السرقة والنشل بالمباغتة والغدر واستخدام القوة، يقول زملاء محمد أن زميلهم أخرج تلفونه بقصد الاتصال فقام الذي كان بجواره مدعياً أنه يساعده بأخذ تلفون محمد عنوة على مرأى ومسمع من المتواجدين وفر بالتلفون.
ويقول نايف رسام أنه تعرض للسرقة والنشل مرتين الأولى بعد التحاقه بفترة قليلة بالسكن ولم يكن يعرف ما تعرض له زملائه من قبل وكانت بالقرب من إحدى الصيدليات المعروفة، والمرة الثانية بالقرب من السكن، ويسرد القصة بالتفصيل: “لقد كان هناك شخص ما استطاع الدخول إلى مصلى السكن وعلى رأسه بطانية وكان يمثل دور المتسول كما أخبرني الزملاء في الداخل، وكنت عند بوابة السكن على الرصيف بالخارج وكنت أقوم بتحميل بعض المقاطع الصوتية المتعلقة بالمنهج الدراسي فإذا بي أتفاجأ بشخص يأخذ التلفون من يدي عنوة ويفر به، ظننته في البداية أحد الزملاء أو الأصدقاء يمزح معي لكنه لم يعد وفقدت تلفوني وفقدت المواد المسجلة وكان المؤلم أن التوقيت أثناء الامتحانات”
ويؤكد نايف أنه تقدم ببلاغ رسمي إلى قسم شرطة بغداد وأن القسم وعد في البداية بتسليم الجاني، “وعند المتابعة قال لي الضابط لم نتمكن من معرفة السارق، وبالنص قال لي: لا تشغلنا سنعطيك تلفون بدل تلفونك”
من الجاني وهل الجريمة منظمة؟
تتبعنا في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة خيوط الجريمة ومن خلال شهادات الطلاب يتضح أن الأسلوب الذي يستعمله الجاني أو الجناة يكاد يكون نفسه، وحتى اسم الجهة الحكومية التي يغري ضحاياه بتوظيفهم فيها نفس الاسم عدا واحدة من الحالات، كما أن العديد من الأشخاص قد أفادوا بأن الجاني أخبرهم أثناء استدراجهم قبل السرقة بأن اسمه علي الحاشدي.
والمفاجئ في الشهادات التي أدلى بها من تحدثوا إلى المركز من الطلاب المكفوفين أن أوصاف الجاني مختلفة حيث سألناهم عن لهجته وتقديرهم لسنه من خلال صوته بالإضافة إلى خشونة صوته من عدمها فتضاربت الأوصاف ما يشي بوقوف مجموعة من اللصوص التي قررت نشل المكفوفين وسرقتهم ولا سيما أن السرقات حدثت كلها في شارع بغداد وفي نقاط محددة بالقرب من السكن وبعض المرافق الحكومية والخاصة.
ويتفق نايف رسام مع ذلك ويقول أنه تحدث إلى زملائه وأنهم قد أعطوا أوصاف مختلفة للجاني رغم تقارب أسلوب السرقة والنشل، واحتمل نايف أن الجاني يمارس التمثيل لتغيير صوته ولهجته.
بلاغات لم تؤخذ على محمل الجد.
في اتصال بقسم شرطة بغداد قال الضابط الذي عرف نفسه باسم (صقر) أنهم على علم بست حالات سرقة تعرض لها المكفوفون في المنطقة، وأضاف: “لقد حصلنا على الفيديو للسرقة التي حصلت لمصلى السكن الخاص بسكن الطلاب المكفوفين الجامعيين وتلفون الطالب نايف رسام من كاميرات المراقبة لكننا لم نتمكن من التعرف على هوية الجاني بسبب الظلام وكانت ملامحه غير واضحة”
وفي حادثة أخرى قال سعد الزيادي، خريج جامعي، أنه تعرض للسرقة بذات الأسلوب الذي تعرض له زملائه وأن القسم تعرف على الجاني من كاميرات المراقبة كما تعرف على لوحة الدراجة النارية التي كان يستقلها لكن القسم أطلقه دون أن يعيد لسعد أي من المسروقات، ويضيف سعد: “لقد طلب مني الضابط في القسم التحول مع الجاني للنيابة إذا أردت أن أستعيد حقي، ولم أكن أمتلك النقود حينها فتركت القضية ولم أستعيد تلفوني ولا النقود التي سرقها مع التلفون وتم إطلاق صراح الجاني”
قسم بغداد يقبض على الجاني ويكشف تفاصيل هامة.
أثناء متابعة المصادر والتحقق من المعلومات لكتابة هذا التقرير أعرب لنا الضابط صقر عن استعداد القسم الكامل للتعامل مع أي بلاغ يتقدم به أي مواطن وخصوصاً المكفوفين، ووعد بالتعامل الجاد والحازم مع السرقة الجديدة التي تعرض لها الطالب الكفيف محمد علوي، منتصف الأسبوع الماضي، ويوم أمس ألقى القسم القبض على الجاني بعد التعرف عليه من كاميرات المراقبة.
وفي تصريح للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة قال هادي عصيلان، مدير قسم شرطة بغداد: “أن الجاني يُدعى علي الحاشدي بالفعل لكنه لم يعترف بسرقات أخرى”، وأفاد عصيلان بأن القسم قد قام صباح اليوم بإحالة المتهم إلى النيابة لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
وبعد القبض على الجاني تبقى عدة أسئلة بحاجة إلى أجوبة – هل المدعو الحاشدي بمفرده أم أن هناك عصابة منظمة لنشل المكفوفين وسرقتهم؟، ومن يعوض المكفوفين الذين سبق سرقتهم ولما لم يتعامل القسم بجدية منذ البلاغ الأول خصوصاً مع ورود عدة قرائن على سرقة المكفوفين بشكل منظم ومدروس كما يقولون؟.