قارئ المقال
|
خاص : علوان الجيلاني /
لقد التحق الأستاذ الراحل عبد الله البردوني بالإذاعة مبكراً، بل وكان من أهم الذين رسموا ملامحها التحريرية عقب ثورة 26 سبتمبر أيلول 1962 سواءً من خلال مناصبه الإدارية أو من خلال البرامج التي كتبها للإذاعة، إلا أن الأستاذ والشاعر الكبير –علوان الجيلاني، يتحدث في هذا المقال عن البردوني كمستمع للإذاعة، وكيف رصد الدور الثقافي، والتنافس البناء بين بعض الإذاعات العربية حيث يقول:
تحضر أهمية الإذاعة في حياة البردوني بوصفها نافذة معرفية بالغة الخطورة، ولأنها كانت بالغة الأهمية له على وجه الخصوص، فهي قارئه حين يغيب من يقرأون له، هناك أكثر من تناوله يناقش فيها حوارات الإذاعة وبرامجها الثقافية بوصفها مصدرا مهماً من مصادر متابعته للشأن الثقافي، وارتباطاته الشرطية بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن ذلك ما كتبه تحت عنوان “أقاليم الزمن الفني” عن إذاعة القاهرة وبرامج مأمون أبو شوشة وسامية صادق. ونحن في الحقيقة نقرأ في هذا الموضوع سرداً استقصائياً مذهلاً لتطور البرامج الثقافية والفنية في الإذاعات العربية من نهاية خمسينيات القرن العشرين إلى نهاية تسعينياته.وهذه الكتابة ليست الصدى الوحيد لبرامج الإذاعة في هذا الكتاب، فهناك مواد أخر مثل ” حفريات على أخاديد”.
ومن هذا المشرب مقالة عنوانها “بدايات متشابهات” تتموضع التنافس الفني بين مصر وسوريا، والبردوني إذ يتتبع أطوار التنافس منذ منتصف القرن العشرين، حين كانت مصر هي الرائد الذي لا ينافس، يقوم بكشف الكثير من أسرار تفوق الدراما السورية في التسعينيات. وليس خافياً في مثل هذه التناولات تعمده تنوير القارئ بمقدار تعمده جرجرته إلى تحويل التلقيات التي صار الناس يتعاملون معها بوصفها مجرد تسليات إلى اشتباك معرفي حقيقي وناجح.
والحقيقة أن هذه استراتيجية تتراءى في أكثر ما يكتبه. فهو لا يداري رغبته في جرجرة القارىء إلى مزيد من الاطلاع والبحث، يفعل ذلك –خاصة- حين يتقصّد الكتابة على طريقة مثاقفة العارفين، إذ يعطي القارئ تلميحاً يمثل طرف الخيط ثم يدعه لفضوله؛ من ذلك على سبيل المثال؛ قوله يناقش عاتكة الخزرجي حول العباس بن الأحنف في مادة ” فن الرسائل الأدبية” “فلم تصل إليه سن العشق والغزل إلا وقد بلغ يدب على العصا، كما قال جرير. ثم لا يذكر قول جرير، لكنه يسلم الأمر لرغبة القارئ في الاستكمال والاستزادة. ولا بد بعد ذلك أن يبحث القارئ في الكتب، ليعرف أن المقصود هو قول جرير:
وتقولُ بَوْزَعُ: قدْ دببتَ على العصا. هَلاّ هَزئْتِ بغَيرنَا يا بَوْزَعُ.
ونبحر معكم في المقال القادم حول بعض السمات الأسلوبية للأستاذ البردوني، وكيف كان يقتبس ويستدعي بل ويستبدل؟ انتظرونا في المقال القادم بعنوان:
“الاقتباس، والاستبدال في كتابات البردوني”
يمكنكم قراءة الجزء الثالث من المقال بعنوان ( شؤون البردوني الثقافية..عن صراع مدارس الأدب والذين ما عرفوا قديماً ولا أحسنوا حديثاً)