المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

لم يعد بهدية بل عاد بنصف حضن.. علي ومأساة معاقي الحديدة.

لم يعد بهدية بل عاد بنصف حضن.. علي ومأساة معاقي الحديدة.

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”

خاص : إبراهيم محمد المنيفي /

في مديرية “الجراحي” جنوب محافظة الحديدة يعمل الشاب العشريني علي صالح الفقيه متنقلاً بين بعض الأفران لتأمين حياة كريمة له ولأسرته، لكن ما يتقاضاه لم يعد كافياً لمواجهة التزاماته خصوصاً مع ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب الحرب، لذلك بدأ يتطلع لعمل آخر ويبحث هنا وهناك.

وفيما الأفكار تلعب برأس علي يمنة ويسرة يستقبل اتصال من أحد الأصدقاء يزف إليه بشرى بفرصة عمل في إحدى المزارع في مديرية “الخوخة” المجاورة، طار علي فرحاً بالخبر وأخذ يستعد للعمل الجديد بعد إجازة عيد الأضحى الذي سيكون بعد أيام قليلة.

لم يعد بهدية.. بل عاد بنصف حضن.

بعد عيد تخللته مظاهر احتفال بسيطة وعادية ككل الأهالي في هذه المنطقة، فالحرب سلبتهم كل شيء وباتوا يقاتلوا على الضروريات وأبسط مقومات الحياة، بعد إجازة العيد ودع علي أسرته وقبل ابنه أحمد ذو الثمانية أعوام على جبينه طالباً منه أن يجتهد في دراسته ووعده بهدية جميلة نهاية العام عند تفوقه.

وفي أحد أيام شهر أغسطس آب عام 2021 نهض علي مبكراً كالعادة للعمل في المزرعة، وكان ذلك اليوم موعد ري المزرعة.

لقد قام علي ليزرع الأرض، بل قام ليزرع الحياة، ليزرع الحب، ليأكل من عرق جبينه دون أن يأخذ أو يسلب حق أحد، قام علي ليعتني بالأرض كمعظم أبناء تهامة البسطاء الذين يصدرون لهذه البلاد ما تجود به الأرض من كل الأصناف بينما يبادلهم الآخرون نكراناً وجحوداً واستغلالاً.

وأثناء ما كان علي يقلب التراب “بالكُريك” إحدى آلات الزراعة ويفتح المجال للماء ليصل إلى كافة أنحاء المزرعة لاحظ قسوة الأرض فظنها حجراً، لكنها لم تكن قسوة الأرض بل قسوة الإنسان إذ كان ما يحاول علي تحريكه لغماً مضاد للأفراد انفجر به ليطير عدة أمتار ويفقد ذراعه اليسرى على الفور.

هُرع من في المزارع المجاورة إلى المكان ليجدوا علي وقد تخضب بالدماء والشظايا في كل مكان في جسمه وهو مغمى عليه ومرمياً على الأرض، وعلى عجل قام المواطنون بإسعافه إلى إحدى مستشفيات المحافظة.

يقول علي للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة: “لقد استمريت في الغيبوبة حوالي خمسة أيام، وحينما فقت عرفت بأني فقدت يدي اليسرى فضلاً عن الجروح البليغة في أماكن كثيرة في جسمي حتى أنني ظللت أشهر لا أستطيع الحركة، كان شعوراً غاية في الألم لا أستطيع وصفه، تخيل أن تفقد طرفاً من أطرافك وأنت معيل الأسرة، استمريت عدة أشهر في المستشفى قبل أن أعود إلى البيت”.

عاد علي إلى بيته كشخص من ذوي الإعاقة، عاد وهو لا يحمل لابنه أحمد الهدية التي وعده بها بل عاد وقد قُطعت يده وسيحتضن ابنه وزوجته بيد واحدة مع تنهيدات ودموع تختبئ خلف حدقات عينه ليذرفها كلما استبدت به الوحدة والشعور بالعجز.

للاستماع لقصة علي بصوته يمكنكم الضغط هنا

أتمنى أن يحقق ابني ما كنت أحلم بتحقيقه.

لم يتقبل علي الوضع الجديد بسهولة فلم يكن يخطر على باله أنه قد يتعرض لإعاقة وبأنه لن يستطيع مزاولة الأعمال التي كان يعملها من قبل فدخل في حالة اكتئاب واعتزل الناس، يقول علي: “كرهت الخروج من المنزل، بل أغلقت على نفسي الغرفة ولا أخرج منها إلا للضرورة واستمريت على هذا الحال عام كامل، ثم أدركت أنه لا فائدة من اليأس بهذه الطريقة، كما إن أسرتي وقفت إلى جانبي بقوة وحفزتني وهذا ما أعاد لي الأمل في الحياة من جديد”

وبدعم من بعض المنظمات ذهب علي لإجراء عمليتين جراحيتين إحداهما في صنعاء والأخرى في عدن غير أنه لم يستفد منهما شيء على حد قوله.

ومنذ حوالي عام ينتظر علي كل يوم أن تتصل به إحدى المنظمات التي وعدته أو أي مؤسسة من مؤسسات ذوي الإعاقة ليحصل على طرف صناعي يستطيع من خلاله مزاولة بعض الأعمال ليعيل أسرته.

يحدثنا علي بمرارة كيف أنه كان يحلم بأن يتعلم ويصبح طبيباً يخدم المجتمع ويقول: “تعلمت القراءة والكتابة ولم أستطع أن أكمل تعليمي بسبب الظروف المادية واضطراري للعمل، والآن أتمنى بأن أحصل على مشروع خاص أستطيع العمل فيه بنفسي لأعيل أسرتي وأدعم ابني ليكمل تعليمه ويحقق ما كنت أتمنى أن أحققه”

ويوجه علي الرسالة للدولة وكل أطراف الحرب بقوله: “نحن مواطنون تعرضنا للإعاقة دون أي ذنب فكما كنا ضحية حربكم فلا تنسونا وأنتم تتفقون على الحل، لست وحدي فهناك كثيرون غيري وخصوصاً محافظة الحديدة فهي من أكثر المحافظات التي تعرض فيها المواطنون للإعاقة بسبب الحرب”

وما قاله علي هي حقيقة يعرفها الجميع، وقد لا تتصورون أننا تواصلنا في يوم واحد بثلاثة عشر حالة تعرضت للإعاقة بسبب الحرب ولكن الكثير منهم بلغ الوجع منهم أنهم لم يستطيعوا التعبير عن وجعهم حتى أن أحدهم حينما طلبنا منه أن يروي لنا شهادته على الحرب كواحد من ضحاياها اكتفى بالقول: “ما حصل قد حصل والجرح كبير والوجع كبير خلوها على الله بس” وأغلق التليفون.

وحتى علي الفقيه ضللنا كثيراً نقنعه بأن يروي لنا شهادته، وبعد جهد جهيد روى لنا قصته باقتضاب وأرسل لي في الأخير هذه الرسالة:

“أنا وثقت فيك وحكيت لك دون أن أعرفك فأنا في وجهك لا تضرني بشيء وهذه أمانة في رقبتك، حتى أن أمي ما كانت تريد أن أحكي لك قصتي لكني قد وعدتك”

فهؤلاء الضحايا الأبرياء الذين دفعوا كل ذلك الثمن الباهظ من أرواحهم وصحتهم وأحلامهم يخشون حتى أن يعبروا عن ألمهم، ألا يعتبر كل ذلك الخوف والقهر وصمة عار على جبين صانعي مأساتهم!، ألا يكفي كل ذلك لتتوقف الحرب إلى الأبد!.

لقراءة القصة باللغة الأنجليزية من خلال الرابط التالي :


The Tragic Story of Ali: A farmer who Encountered an Anti-personnel Mine

وفقد أحمد الابتسامة للأبد.. فهل خطفها أصحاب الصور الجماعية؟

وفقد أحمد الابتسامة للأبد.. فهل خطفها أصحاب الصور الجماعية؟

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”

خاص : إبراهيم محمد المنيفي/

الوقت: الواحدة بعد منتصف الليل، المكان: عمارة سكنية في صنعاء بها عدة شقق وتسكنها عدة عائلات من محافظات مختلفة، الحادث: صوت طفل يبكي بصوت مرتفع منذ حوالي ساعة، بكاء الطفل يرتفع ويتحول صراخاً شديداً مع جلبة في إحدى الشقق.

ما الذي يحدث؟!، لقد اعتاد سكان العمارة على الهدوء فمعظمهم موظفين في أعمال مختلفة ويعملون طوال النهار ما يعني أن العمارة تكون في الليل هادئة، كما أن المستأجرين هم أنفسهم ولا يوجد مستأجر جديد، ثم لماذا يصرخ ذلك الطفل بهذا الشكل؟! هل ثمة أمر غير عادي يحدث في إحدى الشقق؟!.

ومع اشتداد صراخ الطفل يتنادى المستأجرون في العمارة للخروج والتوجه ناحية الشقة مصدر الصوت، يطرق أحدهم الباب ليخرج إليهم رجلاً من الشقة وقد احمرت وجنتيه خجلاً ويقدم لهم الاعتذار بشدة عما يحدث طالباً منهم المسامحة وتفهم الوضع.

يهمس أحد الجيران: “أي وضع وما الذي يمكن أن يحدث حتى يصرخ طفل بكل هذا الوجع؟!”

في الداخل يتصل عبد الكريم طاهر بأحد أقاربه في محافظة تعز جنوب غربي اليمن: “مرحباً لقد وصلنا صنعاء بعد العصر تماماً ومعنا أحمد، لم نتجه لبيت أقاربنا لأخذ قسط من الراحة فالوضع كان يبدو خطيراً ولا يحتمل لذلك نزلنا فوراً بأول عيادة رأيناها، ولحسن الحظ فالطبيب هنا واحد من أمهر الأطباء في الأذن والحنجرة بشهادة الكثير رغم أننا لم نعرفه من قبل، المهم الطبيب شخص حالة أحمد وقال لنا: “إن لدى أحمد تجمع لسوائل وقيح في الأذن وأن التسوس يأكل الأعصاب وقد يصل إلى الدماغ، وإن أحمد بحاجة لعملية طارئة ومستعجلة أو قد يتعرض للوفاة إذا ما وصل التسوس للدماغ”، هذا ما قاله الطبيب  لكن قيمة العملية قرابة نصف مليون ولا يوجد لدينا هذا المبلغ فعدنا إلى بيت أقاربنا ريثما نتمكن من جمع المبلغ أو نقترضه، ولكن أحمد يتألم بشدة ويصرخ حتى أنه من شدة الصراخ تجمع الجيران في العمارة وهم الآن في الباب يسألون عن السبب”

وضاعت الابتسامة رغم كرم الجيران.

مضت ثمانية وأربعين ساعة وعبد الكريم في سباق مع الزمن لإنقاذ حياة شقيقه أحمد، الجزء الأكبر من المبلغ تكفل به الجيران واستطاع عبد الكريم مع أسرته جمع باقي المبلغ في اليوم الثالث ليطير على جناح السرعة إلى المستشفى، وهناك خضع أحمد لعملية جراحية معقدة ولكن للأسف تم استئصال الأذن الوسطى والعصب السابع “والعصب السابع هو المسؤول عن تعبيرات الوجه وثلثي حاسة التذوق”، لذلك فأحمد لم يعد قادر على إغماض عينيه تماماً عند النوم وحتى الابتسامة وغيرها من التعبيرات لم يعد يستطيعها أحمد.

وطلب الطبيب من أسرة أحمد العودة به بعد ثلاثة أشهر لإجراء عملية أخرى ضرورية للحيلولة دون وصول التسوس إلى الدماغ وتهديد حياته وهو ما تم بالفعل، وبعد العملية الثانية فقد أحمد القدرة على السمع كلياً.

صورة أحمد في المستشفى

حينما يغدو الموت أُمنية.

كان يبلغ أحمد طاهر ثلاثة عشر عاماً ويدرس في الصف الثامن الأساسي عندما تعرضت قلعة القاهرة في محافظة تعز لقصف جوي صباح يوم الاثنين الموافق 11 مايو أيار 2015 وبسبب صوت القصف العنيف تضررت أذن أحمد وأصبح يشكو منها بشدة، وحينما ذهب أحمد رفقة شقيقه عبد الكريم للمستشفى اكتفى الطبيب العام بصرف مضادات حيوية وبعض الأدوية، لكن ألم الأذن عاد بعد أشهر قليلة وتزايد الألم حتى أن أقوى المهدئات لم تعد تجدي نفعاً.

عاش أحمد أياماً وأسابيع من الألم الشديد حتى فارق عينيه النوم وذبل جسمه، وبسبب شدة المعاناة والوجع كاد أحمد أن ينهي حياته أكثر من مرة لولا أن حالة عناية الله وتدخل الأسرة في الوقت المناسب.

بصيص أمل وحلم لم يموت.

سافر أحمد بدعم من فاعلة خير إلى الهند لإجراء عملية جراحية وزراعة قوقعة في إحدى الأذنين واستعاد 5% فقط من السمع فيها، صحيح أنها نسبة بسيطة ولا تكاد تُذكر لكن أحمد عاد وسمع العالم من جديد وتعجز الكلمات عن وصف سعادته، وكما قال لنا أخوه عبد الكريم: “كاد أحمد يطير فرحاً، لقد عادت أحلامه لتزهر من جديد، عاد أحمد يحلم بالعودة للمدرسة والاختلاط بالناس بعد حوالي سنتين من العزلة والحالة النفسية غير الجيدة”

وبالفعل ورغم الصعوبات الكثيرة استطاع أحمد بفضل إصراره ووقوف أسرته إلى جانبه أن يكمل الدراسة والتخرج من الثانوية العامة.

ورغم إصرار أحمد ووعي أسرته التي وقفت معه خطوة خطوة ولا سيما شقيقه عبد الكريم الذي يحمل مؤهل مساعد طبيب ويدرس حالياً تخصص أطراف صناعية رغم كل ذلك إلا أن عبد الكريم يشكو من غياب المؤسسات الإنسانية وفي مقدمتها مؤسسات ذوي الإعاقة  عن معاقي الحرب من المدنيين، ويقول أن مؤسسات ذوي الإعاقة لم تقدم لأخيه أحمد أي مساعدة من أي نوع حتى المساعدة والدعم النفسي أو التدريب والتأهيل الذي هو بأمس الحاجة إليه.

يقول عبد الكريم عن أخيه: “إن أحمد يعاني بشدة بسبب أن الإعاقة جديدة عليه ولم يتعود عليها منذ الولادة، وأحمد كان ولا يزال شخصية اجتماعية ويحب لعبة كرة القدم، كما أنه شغوف بالتعليم ولكنه واجه صعوبات كثيرة في حياته التعليمية بسبب عدم انتشار لغة الإشارة وصعوبة التفاهم مع المعلمين وخصوصاً النساء حيث أن أحمد يعتمد كثيراً على لغة الشفاه ولا يستطيع قراءة شفاة المعلمات أو المتخصصات الملثمات مثلاً، حتى أنه بعد إكمال الثانوية العامة ترك أحد الأعمال بسبب أنه لم يتمكن من التفاهم مع إحدى الموظفات”

وكثيرة هي صور المعاناة التي حدثنا عنها عبد الكريم وأحمد ذاته لكنها لم تمنعه من الاستمرار والحلم بغد أفضل، وهو الآن يدرس في المستوى الثاني في المعهد التقني تخصص تمديدات كهربائية، ويأمل أن يتمكن من كسب حرفة يستطيع أن يعتمد من خلالها على نفسه، وكذلك يأمل بأن يتمكن من السفر لزراعة قوقعة في الأذن الأخرى.

وهكذا هي قصص المدنيين ضحايا بلا بواكي وأنين بلا صدى ومؤسسات تخذلهم وأطراف حرب لم تأنبهم ضمائرهم لينظروا في ملف معاقي الحرب المدنيين كما يجب وبما يرتقي لحجم المأساة والوجع.

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”

مأساة أسرة يمنية في صنعاء تهز ضمير الإنسانية.. أسرة الضبيبي والثمن الباهظ

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”

خاص : إبراهيم محمد المنيفي /

ما جرى لضحايا الحرب في اليمن من المواطنين المدنيين غاية في الألم وقصص تدمي ضمير الإنسانية، ورغم أن خلف قصة كل ضحية وجع ودموع لم تجف بعد فإنما تعرضت له أسرة منصور سعد الضبيبي، هي فاجعة بكل المقاييس نُكِبت فيها أسرة بأكملها.

قصة أسرة منصور الضبيبي واحدة من أكثر قصص الحرب مأساوية وفداحة فهناك من تعذب حتى الموت وهناك من تعرض لإعاقة دائمة فضلاً عما عانته الأسرة من ضياع وتشرد وما تزال.

في قصتنا لهذا الأسبوع من سلسلة “ما وراء الحرب” سنقف معكم على الثمن الباهظ جداً الذي دفعه المدنيون من خلال مثال واحد لأسرة وصلت إلينا في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة حيث قابلنا الوالد وتعرفنا على إثنين من أولاده ولم نستطع بعد المقابلة السيطرة على مشاعر الحزن والألم لما تعرضت له هذه الأسرة، فماهي القصة من البداية؟

من هي الأسرة المنكوبة ولماذا؟!.

علي سعد الضبيبي، من أبناء محافظة ريمة، يسكن في منطقة صرف التي تتبع إدارياً مديرية “بني حُشيش” إحدى مديريات محافظة صنعاء شرق أمانة العاصمة.

انفصل عن زوجته بعد أن أنجب منها طفلين هما سعد الذي كان عمره ثمان سنوات، وإلهام والتي كان عمرها ست سنوات، ويقول منصور أن ما تسببت به الحرب من تبيعات اقتصادية كانت سبب في انفصالهما.

تزوج منصور من امرأة أخرى وأنجب منها طفلين آخرين هما: أميرة، خمس سنوات، وزغير، ثلاث سنوات.

وكان يملك محلاً لتزيين المركبات بالإضافة لعمله في أعمال حرة مختلفة، وكانت حالته الاقتصادية جيدة حسب قوله، حيث كان يملك قطعة من الأرض في أمانة العاصمة إذ تعتبر قطعة الأرض أصلاً ثابتاً عالي القيمة.

وفي مساء يوم الثلاثاء الموافق 2 فبراير شباط 2016 شن الطيران ثلاث غارات على كلية المجتمع في صنعاء، وخلف القصف خسائر مادية وبشرية بين المواطنين بالإضافة لتدمير ثلاثة معامل في الكلية قدرها عميد الكلية د. علي السنباني، حينها بثلاثة ملايين دولار أمريكي.

يروي لنا منصور الضبيبي قصة الأسرة وكيف تعرضت للمأساة في ذلك اليوم الكئيب يقول:

“كنت على متن السيارة مع زوجتي وابني سعد وبنتي إلهام، حيث كان الطفلين في صندوق السيارة بينما كنت أنا وزوجتي في الغمارة، وكان الوقت حينها بعد المغرب عندما مررت بمحاذاة سور كلية المجتمع قاصداً منزلي الذي يقع خلف الكلية تماماً فإذا بغارة جوية عنيفة رأينا على إثرها نوافذ البيوت تتطاير والناس يصرخون في الشارع، وكدت أفقد السيطرة على السيارة بسبب اهتزازها الشديد عقب الغارة، وتوقفت وأخذت أحمل أطفالي بسرعة وأدفعهم إلى الغمارة وأثناء ذلك شن الطيران غارة أخرى أشد عنفاً طارت بي مع أطفالي وزوجتي عدة أمتار وأُغمي علينا جميعاً”

هرع المواطنون إلى المكان لإسعاف الأسرة إلى المستشفى وقد هالهم منظر الأطفال والدماء تغطي وجوههم وتعبث الشظايا والجراح بملامحهم البريئة.

ذنب تلك الأسرة وغيرها من الأسر التي تسكن بجوار كلية المجتمع أن طرفاً اعتقد أن قيادات الطرف الآخر في الحرب مجتمعون في الكلية وهذا ما ثبت فيما بعد عدم صحته، هكذا بكل استهتار يتعامل المتحاربون مع المدنيين وكأنهم ليسوا بشراً.

المصائب لا تأتي فرادى

منذ ذلك اليوم بدأت معاناة منصور الضبيبي وأسرته ولا تزال، فالوالد أصيب بعدة جراح بالغة في الرأس والرجل اليمنى ظل شهرين يتعالج في المستشفى على إثرها.

لكن الأكثر وجعاً هي الطفلة إلهام ذات الستة أعوام التي أُصيبت بفشل كلوي وتوفيت بعد جلستين فقط لغسيل الكلى.

أما أخوها سعد والذي يكبرها بعامين فقد أصابت شظية عينه اليسرى ليفقد النظر بها تماماً، وكان تشخيص الأطباء مصيبة أخرى على سعد وأسرته حيث كان التشخيص قاصراً ولم يتم فصل الشبكية وتنظيف العين من سموم الشظايا بالشكل المطلوب – وهذا ما أثبتته التقارير الطبية من المستشفيات الهندية والمصرية التي اطلعنا عليها والد سعد.

اضطر منصور للسفر بابنه سعد إلى الهند للعلاج عام 2019 بعد أن باع المحل وقطعة الأرض التي كان يمتلكها ولم يجدِ ذلك شيءً فالعصب البصري قد تلف وفقد سعد النظر في العين اليمنى كذلك.

وبعد أشهر عقب عودتهما من الهند كانت آلام الزوجة التي بدأت من ثلاث سنوات تزيد أكثر وأكثر، وعند اشتداد الألم ذهب منصور رفقة زوجته للمستشفى ليُصعق بتشخيص الأطباء بأن الزوجة تعاني من سرطان خبيث في الثدي بسبب بعض المواد المحرمة التي ألقت بها الطائرات في قصف الكلية.

جمع منصور ما تبقى لديه من مال وما لديه من بصيص أمل لعلاج زوجته وابنه واستدان من الجيران وكذلك فعلت زوجته وقرر الذهاب إلى مصر ولكن دون جدوى فسعد لم يُبصر والزوجة لم تُشفى بل وتوفيت بعد أشهر فقط من عودتهم من مصر، ليبقى منصور ومعه ثلاثة أطفال صغار لا يعرف كيف يرعاهم أو كيف يلبي متطلباتهم.

أين يضع منصور أطفاله حينما يخرج للعمل؟ وماذا يريد؟

تغص العبرة بحلق منصور حينما يتحدث عن أطفاله وكيف أصبحوا يتامى بلا حنان ولا رعاية أم، يقول منصور: “بعد أن بعت كلما أملك وأصبحت غارماً ومديوناً للناس أقاتل حتى أتمكن من توفير لقمة العيش لأولادي الثلاثة”.

وعندما سألناه أين يترك أولاده عند خروجه للعمل؟ كانت إجابته صاعقة حيث قال لنا بأنه يترك أبنائه عند الجيران أو بعض من تربطهم به قرابة بعيدة حتى يعود.

سعد يبلغ الآن من العمر قرابة الخمسة عشر عاماً بينما تبلغ أميرة من العمر خمسة أعوام فيما يبلغ زغير من العمر ثلاثة أعوام، والابن الأكبر سعد يدرس حالياً في الصف الرابع الأساسي بمركز النور لرعاية وتأهيل المكفوفين بصنعاء.

لم نستطع أن نسأل منصور عن أوجاعه أكثر رأفةً به وبنا، لكننا ختمنا اللقاء بسؤال واحد:

لو قُدِر أن نوصل صوتك للمعنيين ومن بقي لديهم ذرة من ضمير – فماذا تريد أن تقول؟

أخذ منصور نفساً طويلاً وقال: “بعد أن كنت ميسوراً أصبحت غارماً ترهقني ما علي من ديون وأرجوا أن تعتبرني الجهات المختصة معسراً ولدي كلما يريدون من إثباتات وشهود، وبالنسبة لي فقد تدمرت حياتي وتحطمت أحلامي ولكني أفكر بأطفالي الصغار الذين فقدوا حنان الأم وليس لدي في المنزل من يقوم على رعايتهم، أريد أن أتمكن من الزواج ليس ترفاً ولا رفاهية ولكن لأجل الأطفال الذين لا أدري أين أضعهم عند خروجي للعمل، أريد من يعوض أطفالي بعض حنان الأم ولا ينحرموا من التعليم، سعد أصبح يافعاً ويوجعني قلبي عندما أراه مهموماً شارد الذهن”

وهكذا هي الحرب قاسية ومتوحشة لم تستثني من وحشيتها أحد، قصص من وراء الحرب استطعنا أن نصل للقليل منها والكثير نار تحت الرماد وأنين موجوعين خلف جدران التغافل والتناسي من قبل الكثيرون – فهل آن للضمائر أن تستيقظ؟.

نلقاكم الأسبوع القادم.

تجاهل الأبطال خذلان وخيانة.. عبد الرحمن الضالعي نبيل من زمن الحرب.

تجاهل الأبطال خذلان وخيانة.. عبد الرحمن الضالعي نبيل من زمن الحرب.

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”

خاص : إبراهيم محمد المنيفي /

هنا قصص تدمي الضمير لواحدة من أبشع جرائم القرن، هنا دموع ثكلى وأطفال لم تجف، هنا وعلى مرأى ومسمع من العالم ذُبحت الإنسانية من الوريد إلى الوريد، هنا هُدمت المنازل على رؤوس ساكنيها، ومن هنا سيترافع الضحايا الأبرياء أمام محكمة التاريخ ضد أطراف الحرب الذين يوشكون على توقيع اتفاق سلام يقولون أنه شامل مع أنه لم يتبنى جراحهم ويقول الضحايا وفي مقدمتهم ذوي الإعاقة الأكثر دفعاً للثمن أن الأقلام خانتهم وتوشك أن تكتب نهاية الحرب مستعينة بالمداد بدلاً من دموعهم وأن أهازيج السلم ستضيق بأنينهم ذرعاً.

لا تزال فصول مأساة سكان منطقة “نُقم” والمناطق المجاورة لم تكتمل بعد، فما يزال يولد أطفال معاقون ومشوهون إلى اليوم بعد مرور ثمان سنوات، ومن أبصرتهم عين الحرب تعامت عنهم بعد أن أصبحوا من ذوي الإعاقة.

قصة اليوم أخرى ومختلفة لشاب مغمور من سكان منطقة نُقم حارة السِد تحديداً “وهو أحد الأحياء الشعبية المعروفة”.

إنه الشاب – عبد الرحمن علي محسن الضالعي، من أبناء محافظة الضالع ويسكن مع أهله في العاصمة صنعاء أو قل تسكنهم صنعاء إن شئت.

في عصر يوم الأثنين الأسود في 11 مايو أيار 2015 شن الطيران قصفاً جوياً مكثفاً على مخازن الأسلحة القريبة من منازل المواطنين مستخدماً قنابل فراغية ومحرمة دولياً ما أدى إلى انفجار مخازن الأسلحة وتطاير الرؤوس والصواريخ في كل الاتجاهات، فبالإضافة للصواريخ والأسلحة المتطايرة بجنون فقد رأى المواطنون كرة لهب كبيرة ترتفع إلى سماء المنطقة كما لو كانت شمس معلقة في الهواء ولها ذيل كبير ما يشير لفظاعة القنابل المستخدمة.

أما المواطنون فقد كانوا يهرعون فزعين وهم يصرخون في الشوارع كالمجانين، خرجت النساء بملابسهن الخاصة متشبثات بأطفالهن وبصيص أمل في النجاة.

لقد كانت السماء تمطر صواريخ وقنابل والأرض تهتز من قوة الانفجارات المتتالية وكأنما قامت القيامة.

وسط كل ذلك الهول كان ثمة شباب اقتحموا الخطر وكانوا النبل والمروأة تمشيان على الأرض، حيث بدأت مجاميع شبابية تطوعية بالتشكل سريعاً للقيام بعمليات إنقاذ فدائية وبطولية عز نظيرها.

يحكي للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة القصة كاملة الشاب عبد الرحمن الضالعي، أحد الشباب المتطوعين حينها وكان يبلغ من العمر 21 عاماً، يقول: “بعد الضربة الأولى قبل الانفجار الكبير بدأت نوافذ بعض المنازل والمنازل نفسها بالتساقط وبدأ الناس يفرون من منازلهم في ذهول وكأنما فقدوا شعورهم، وازداد الأمر سوءً بعد الانفجار الكبير وحينها تعجز الكلمات عن وصف هول المشهد حتى أن رياح الصواريخ كانت تدفع الناس للتعثر ثم ينهضون ويواصلون الفرار، حينها أخذنا نساعد النساء والأطفال وكبار السن ونوصلهم بالسيارات القريبة التي تطوع أصحابها لنقل العائلات إلى أماكن بعيدة عن تساقط الصواريخ والأسلحة وانهيار المنازل”

قال لنا عبد الرحمن أنه في الأساس كان ذاهب لإنقاذ النساء والأطفال في عائلته غير أنه لم يستطع أن يرى النساء الأخريات والأطفال يبكون دون أن يقدم لهم المساعدة فاعتبر كل النساء والأطفال المذعورين عائلته وأنه يجب أن يساعد من يصادف في طريقه حتى يصل منزله على حدى قوله.

يقول عبد الرحمن أن أكثر مشهد أثر فيه هو: بعض الأمهات اللواتي رغم كلما يحصل من هلع وموت يعم المكان إلا أنهم عند تقديم المساعدة لهن رفضن النجاة إلى بعد العثور على أطفالهن والفرار بهم، يضيف عبد الرحمن: “عظمة وجلال الموقف جعلنا أيضاً نبحث معهن عن أطفالهن كواحدة من صور المساعدة”

الشاب النبيل يسقط معاقاً على الأرض

وأخيراً بعد النجاة عدة مرات من فم الموت، وإنقاذ العديد من العوائل وتأمين وإغلاق منازلها وصل البطل، وصل البطل عبد الرحمن إلى عائلته لإنقاذها، وبالقرب من سيارة أحد المتطوعين لنقل العوائل كان عبد الرحمن يقف للإشراف على تأمين فرار آخر فرد من أسرته وركوبه السيارة، في الأثناء يسقط أمامه جسم متفجر ويدفعه الهواء عدة أمتار وسط صراخ نساء وأطفال العائلة، ليست المرة الأولى فقد سقط اليوم عبد الرحمن مرات كثيرة ونجا لذلك كان يحاول النهوض، إلا أنه هذه المرة كان ينهض ويتعثر كثيراً ويقول بصوت مرتفع: “لا تقلقوا سأنهض بس يبدوا أنني تعبت”، تنظر له أخته وهو يحاول النهوض والمشي فتصرخ رافعة يدها أمام وجهها: “يا الله، يا عبد الرحمن لم يعد لديك رجل”.

يقول عبد الرحمن: “عندما نظرت وجدت فعلاً أن ساقي قد بترت تماماً وحينها سقطت على الأرض وأدركت أني سأصير شخص من ذوي الإعاقة”

بسقوط البطل خُذل وسقطت قّيم بعضهم.

لم تشفع لعبد الرحمن بطولته ونفسه المعطاءة من المعاملة السيئة في المستشفى وعدم مبادرة الأطباء لإيقاف النزيف لساعات ما جعله يربط ساقه ببعض ملابسه كما قال، ثم إن عائلته تجشمت عناء مبالغ باهظة بعد فراره من المستشفى الحكومي لمستشفى خاص دون أن يساعدهم أحد.

حدثنا عبد الرحمن بصوت منكسر والعبرة تغالبه عن اضطراره لإيقاف تعليمه بعد الصف التاسع بسبب عدم تهيئة البيئة والحالة النفسية والتنمر ونظرة الشفقة والرحمة التي كان يتلقاها من المجتمع، وشكا طويلاً عن عدم استفادته من المنظمات الإنسانية ومؤسسات ذوي الإعاقة خصوصاً لعدم معرفته بالتعامل معها وعدم معرفته بأي شيء عن عالم ذوي الإعاقة، وقال: “خلال الثمان السنوات السابقة جاءتني العديد من المنظمات والجهات وما استفدته منها فقط هو ساق صناعية ثقيلة الوزن ومتعبة وغير مناسبة حتى أنها تمزق ملابسي رغم وجود ساق بديلة خفيفة ومناسبة ولكنها باهظة ليست في متناول المواطن العادي والمنظمات تمنحها لمن لديه وساطة، ورغم الجهات الكثيرة التي صورت معي أيضاً إلا أنني عندما مرضت وتطلب الأمر الخضوع لعملية جراحية لم يقف معي أحد حتى بطاقة صندوق المعاقين التي أحملها لم أعرف ولم أتمكن من الاستفادة منها للأسف”

كيف يمكن رد الجميل.

لن نبيعكم الوهم ونقول لكم أن عبد الرحمن يتمتع بإرادة وعزيمة صلبة فعلى العكس فقد كان يتحدث كشخص فقد الأمل وتحطمت كل أحلامه، لقد تساءل عدة مرات: “كيف سأتعلم أو أتدرب وأنا معاق”!، حتى لو من سيقبل أن يوظف معاق لديه ويقتنع به” وغيرها من صور الخذلان التي عكسها في أسئلة.

وختاماً هي وقفتان لمن قرأ حتى النهاية فقضايا ذوي الإعاقة وذوي الإعاقة أنفسهم لا يهمون الكثير من أبناء مجتمعنا للأسف الشديد:

الأولى: أن عبد الرحمن شعر بانتمائه للمجتمع وساعد الجميع ودفع الثمن، وعلى المجتمع إن أراد رد الجميل أن يتبنى قضايا ذوي الإعاقة ويهتم بها ويدافع عنها كجزء منه ينتمي إليهم وينتمون إليه.

الثانية: أن على المنظمات الإنسانية ومؤسسات ذوي الإعاقة أن تولي المعاقين الجدد بما فيهم ضحايا الحرب اهتمام خاص واستثنائي بما في ذلك الدعم والتأهيل النفسي والاجتماعي، والتدريب والتأهيل المهني فضلاً عن الجانب الصحي وغيرها من الجوانب كونهم جدد على الإعاقة ولا يعرفون الأطر المؤسسية والقانونية وكيف يتفاعلون معها.

وكما كان ذوو الإعاقة الأكثر دفعاً للثمن نتيجة الحرب يجب أن يكونوا أول من يجني ثمرات السلام إن أردنا العدالة.

الشاعر محمد الشامي.. أطفأت الحرب عينيه ولم تطفئ مشعله.

الشاعر محمد الشامي.. أطفأت الحرب عينيه ولم تطفئ مشعله.

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”

خاص : إبراهيم محمد المنيفي /

في عام 2000 كان وفداً يمنياً باسم الثقافة يشارك في فعاليات “الكويت عاصمة الثقافة العربية” وهناك سأل الكويتيون عن شاعر يمني باسمه الثلاثي، فإجابهم الوفد بأنهم لا يعرفون اسم ذلك الشاعر!، غير أن القائمين على جائزة “عبد العزيز بن سعود البابطين” كانوا مصرين على معرفة اسم الشاعر فبعثوا إلى صنعاء يسألون عن ذلك الشاعر المغمور ولم يفدهم أحد، حيث أن جائزة البابطين كانت قد أعلنت عن مسابقة شعرية في الشعر العربي فقام أحد أصدقاء الشاعر من المغتربين بإرسال القصيدة وذيلها باسم الشاعر الثلاثي فقط دون أن يرسل ترجمة أو عنوان تواصل – كان الأمر مجرد تجربة – فنُشرت القصيدة ضمن كتاب تم توزيعه في الفعالية ضم أفضل 22 قصيدة من وجهة نظر القائمين على الكتاب في الفعالية هناك.

إنه المعلم والشاعر والأديب محمد أحمد قاسم الشامي.

من مواليد 6 يونيو 1977 بمحافظة حجة شمال غرب العاصمة صنعاء مديرية الشغادرة عزلة العمشة.

والقصيدة هي قصيدة “الأديم استقر” وهو نفس العنوان التي حملته مجموعته الشعرية التي طبعتها ونشرتها وزارة الثقافة والسياحة عام 2004، وله دواوين مخطوطة غير منشورة وقصائد نشرت في الكثير من الصحف والمجلات، كما حصل على جائزة رئيس الجمهورية في الشعر مناصفة عام 2005، وجاء ذكره في موسوعة “أعلام اليمن ومؤلفيه” للدكتور عبد الولي الشميري تحت الرقم (9045) كشاعر ومؤلف.

تخرج الشاعر محمد الشامي من معهد المعلمين بمدينة حجة عام 1995 ودرس بقسم العلاقات العامة في كلية الإعلام بجامعة العلوم والتكنولوجيا.

يقول الشاعر محمد الشامي للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة إنه كان على اتصال وثيق بالشاعر الراحل حسن عبد الله الشرفي، ولكنه كان شديد التأثر بشاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني وفي هذا يقول: “لقد تعرفت على الشاعر الكبير عبد الله بن صالح البردوني لأول مرة عام 1994 في معرض الكتاب الثاني عشر الذي كان يُقام بجامعة صنعاء حينها، ومن ذلك الوقت داومت على زيارة الأستاذ عبد الله البردوني وكنت أذهب إليه كل يوم جمعة، ولم أنسى ما حييت حينما قال لي: “يا محمد إن شهرتك ومعرفة الناس بك ستكون من الخارج” وهو ما حصل فعلاً عام 2000″

للشاعر محمد الشامي مكتبة معتبرة في منزله حيث كان يداوم قبل العام 2015 على القراءة لما يزيد عن عشر ساعات يومياً، أما بعد ذلك العام فقد هجر شاعرنا مكتبته قصرياً إلى يومنا هذا ومازال فلماذا يا ترى؟!.

قيامة نُقم ونجاة الشاعر الشامي

2015 هو ذلك العام الذي تؤرخ به المنظمات الأممية للحرب المجنونة التي جعلت الأزمة في اليمن أسوأ أزمة إنسانية في الكوكب، نعم “أسوأ أزمة إنسانية في الكوكب” بهذا التعبير المكثف حرفياً وصفت الأمم المتحدة المشهد.

كان لا صوت يعلو على قعقعة الرصاص وأزيز الطائرات والمضادات الأرضية، ولأن شاعرنا كان يسكن في منطقة نُقم الاستراتيجية فقد أبعد أبنائه كما فعل معظم السكان من المنطقة خوف تعرضها لقصف الطيران.

وفي عصر الحادي عشر من مايو أيار 2015 كان الشاعر محمد الشامي مع والدته في المنزل يتفقدانه فإذا بصوت انفجار هائل، اهتزت على إثره جدران المنزل وتطايرت النوافذ وخرج الناس من منازلهم هلعين كالمجانين، هكذا كان المشهد، أما شاعرنا فقد رأى ما تشيب له الرؤوس إذ يقول: “خرجت من المنزل مسرعاً ونظرت باتجاه الصوت فإذا بألسنة من النيران تمتد مسرعة نحوي ودون تفكير بدأت أتراجع إلى الخلف ولم أجرؤ حتى على الالتفات إلى أن ارتطمت بجدار خلفي فسقطت على الأرض وكانت الشظايا تتطاير في كل اتجاه، فقدتُ الوعي تماماً ولم أفق إلى في إحدى العيادات بحالة يُرثى لها”

بعد ذلك الحادث كان محمد يدخل في نوبات تشنج عنيفة تستمر لنصف ساعة في اليوم، واستمر شهرين كما لو كان بنصف وعي على حد تعبيره، وبدأ نور عينيه يخفت شيءً فشيءً حتى استيقظ في أحد الأيام وقد فقد البصر تماماً، فنقله أحد أصدقائه إلى المستشفى لتفيد تقارير المختصين بأن لديه خلل في العصب البصري وأن إمكانية التعافي كبيرة وممكنة مع التوصية بسرعة نقله للخارج لتلقي العلاج.

عذاب الصبر في درب البلاء

بعد فقدان الشاعر محمد الشامي للبصر تغير كل شيء في حياته، فقد حدثنا بمرارة عن حنينه للكتب والمجلات التي تزدحم بها مكتبته الشخصية وكيف كان يقرأ ساعات طويلة، وكيف كان يعلق ويضيف في حواشي الكتب والدواوين، والغصة بحلقه يقول: “كم أتمنى لو أستطيع حتى أن أراجع ملاحظاتي التي أودعتها الكتب أو أجد من يقرأ لي”

تخلى الكثيرون عن شاعرنا وتركوه يواجه قسوة الحياة بمفرده حتى اضطر أكبر أبنائه لترك المدرسة في الصف الثامن ليعمل في مصنع للمياه المعدنية بأجر زهيد(أقل من دولارين في اليوم الواحد) لمساعدة الأسرة بعد أن أصبح عائلها كفيف بشكل مفاجئ.

صورة الشاعر محمد الشامي مع أبناءه

رغم إمكانية الشفاء ومذكرات المناشدة التي رفعتها نقابة الأدباء للجهات الرسمية للتكفل بعلاج الشاعر محمد الشامي لم يستجب أحد، حتى أن 15 من وجهاء المنطقة رفعوا مذكرة مناشدة بحسب الشامي لرئاسة الجمهورية عام 2020 وإلى اليوم لا مجيب، فهل يا ترى سيبادر صندوق رعاية المعاقين للقيام بدوره المأمول؟.

المؤلم والملفت في قصة الشاعر محمد الشامي أن الكثير من أصدقائه تركوه ودخل في عزلة لمدة ثلاث سنوات انقطع فيها عن العالم ولم يعرف بإمكانية استعمال المكفوفين للهواتف من خلال البرامج الناطقة إلا منتصف العام 2018 حيث بدأ باستعمال هاتفه للقراءة والاطلاع والتواصل بعد عزلة وصفها بالقاسية.

في قصيدة له يعاتب فيها من تنكروا للصداقة بعنوان: أصدقائي، يقول الشاعر محمد الشامي:

أصدقائي: أين مني أصدقائي**

يا عذاب الصبرِ في دربِ البلاءِ.**

أَأُناديهم؟ وكم ناديتُهم**

لم يجبني أحدٌ إلا ندائي.**

ضاق صدري، قل صبري لم أجد**

مسعفاً يرثى لحالي غيرُ دائي.**

أسبِقُ الوقتَ بلا وعيٍ وقد**

بعتُ ما أملك من أجل الدوائي.**

ويتساءل شاعرنا عن أدوار الجهات المختصة بالاسم فيقول: “أين دور وزارة الثقافة؟ أين دور اتحاد الأدباء؟، أين دور وزارة الشباب والرياضة وقد وعدت عند حصولي على جائزة رئيس الجمهورية برعاية الأدباء والشعراء؟، أين دور نقابة المهن التعليمية وأنا أحد أعضائها وهي تقتطع جزء من راتبي كمعلم منذ 1995 وحتى نصف الراتب الذي للمعلمين أحياناً تقتطع جزء منه فأين دورها؟”

وختاماً: فإنه من المخجل والمؤسف أن يتعرض الشاعر محمد الشامي للإهمال والتجاهل كإنسان وضحية حرب أولاً، ثم كشاعر ومبدع ثانياً، ويوجع القلب ويدمي الفؤاد أن يسأل عنك الناس في دول أخرى ويعرفوك فيما أبناء وطنك لا يعرفوا عنك شيء.

ومن بيت شاعرنا المسقوف بالصفيح نودعكم إلى أن نلتقيكم في قصص “من وراء الحرب” بعد شهر رمضان المبارك فإن صوت المطر على الصفيح غطى أصواتنا ولم يعد بإمكاننا أن نسمع، فمطراً هنيئاً ولا بقاء لضجيج الصفيح ولا بقاء لضجيج الفارغين الأوصياء على الثقافة والمثقفين في البلاد.

في أمان الله.

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين.

الآيسكريم أم تراجيديا الموت.. من أفقد الطفلين البصر وقتل الثالث؟!.

الآيسكريم أم تراجيديا الموت.. من أفقد الطفلين البصر وقتل الثالث؟!.

“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”

خاص : إبراهيم محمد المنيفي /

الذهاب إلى المدرسة صباحاً والعودة لتناول وجبة الغداء عند الظهيرة ثم الذهاب إلى الوادي لرعي الأغنام حتى المغرب هو النشاط المعتاد لكثير من الأطفال هنا في عزلة ( الإغمور ) في الحيمة الخارجية إحدى مديريات محافظة صنعاء، وكذلك في غيرها من الضواحي والبوادي اليمنية.

وفي ذات يوم يعود أصيل ذا العشر السنوات من الرعي لينادي أخاه الأصغر محمد لكي يتولى إدخال الأغنام إلى حضائرها، بينما يتحرك أصيل بسرعة خاطفة إلى سطح المنزل وليته لم يتحرك، فلو توقف وتحدث مع أهله قليلاً لربما اختلف المشهد ولما فقد بصره ولما قُتِل أخوه محمد، لكنها شقاوة وبراءة الأطفال.

ما علاقة صعود أصيل إلى سطح المنزل بمقتل أخيه؟، وما علاقة صاحب الآيسكريم بالقصة؟

تعالوا لنعرف الحكاية سوياً منذ البداية:

تبدأ القصة قبل الحادثة بستة أشهر وتحديداً بداية العام 2018 حينما كان أصيل يرعى الأغنام بجوار أحد المعسكرات في المنطقة، وهناك حصل على لعبة هرمية الشكل بطول ذراع اليد تقريباً  وآثر أن يختص بها نفسه دوناً عن أخيه وغيره من الأطفال.

ينتهي العام الدراسي منتصف شهر مايو أيار قبل شهر رمضان المبارك وينجح أصيل من الصف الثالث إلى الصف الرابع الأساسي بجدارة.

كباقي الأطفال يحب أصيل الحلوى ولكن ليس أكثر من الآيسكريم الذي ما أن يرى صاحب الآيسكريم ذلك البائع المتجول حتى يسرع إليه إما بالنقود أو ببعض الخردة من النحاس ليبادله بها آيسكريم، وهذا ما وطد العلاقة به إذ أصبح أصيل زبون دائم.

ومع دخول شهر رمضان المبارك ينقطع بائع الآيسكريم  المتجول عن القرية لأنه يأتي في النهار ويعود في الليل والناس في النهار صائمون بطبيعة الحال.

أما الطفل أصيل حسن شرع، فيرافق أصدقائه الأطفال من بعد الظهر وحتى قبل المغرب في رحلة الرعي المعتادة وما أن يسمعوا صوت القرآن الكريم يرتفع من مكبرات المساجد إيذاناً بقرب أذان المغرب وموعد الإفطار حتى يعودون إلى منازلهم، وبعد وجبتي الإفطار والعشاء وأداء الصلوات تبدأ ليالي رمضان الجميلة ما بين سهر ولعب الأطفال، وكل يوم يتفقد أصيل لعبته المدللة التي أحتفظ بها في سطح المنزل.

وبينما تمر أيام شهر رمضان سريعاً يلتقط الأطفال ما بقي لهم من متعة الإجازة، ويستعدون لاستقبال عيد الفطر المبارك بشراء الحلوى والثياب الجديدة، إلا أن أصيل وشقيقه محمد وباقي أطفال العائلة يستعدون لأمر آخر وهم في غاية السعادة حيث اعتادت العائلة أن تجتمع في الأعياد بمنزل الجد وأصيل ومحمد والأطفال الآخرون ينتظرون أن ينضم إليهم رفاقهم الأطفال من أبناء عمهم الذين سيأتون من صنعاء ليقضوا إجازة العيد في القرية وفي بيت الجد بالتأكيد.

بشار ذو التسع السنوات لا تكاد تحمله قدماه ويكاد يطير فرحاً باقتراب موعد العيد الذي سيقضيه في القرية مع أبناء عمه حيث سافر ومعه أطفال آخرون وأفراد من الأسرة على متن سيارة إلى القرية في آخر يوم من رمضان إلا أنهم تفاجأوا في المساء بأن رؤية الهلال لم تتضح ما يعني أن الشهر سيكون ثلاثين يوماً وليس تسعة وعشرين يوماً وهذا ما أعلنته الجهات المعنية في البلاد.

في اليوم التالي وقد أوشكت الشمس على المغيب كان الأطفال الثلاثة أصيل وشقيقه محمد وابن عمهما بشار يملئون البيت صخباً وضجيجاً، ذهاباً وإياباً، غنوا كلما يحفظون من أهازيج العيد ، ولعبوا كل الألعاب الشعبية التي يعرفونها، وهنا تذكر أصيل لعبته العزيزة على قلبه التي أحتفظ بها في سطح المنزل ستة أشهر كاملة وقرر في لحظة حب أن يشارك لعبته مع أخيه وابن عمه وبدأ الأطفال يتقاذفون باللعبة التي بين يديهم حتى ملوا منها.

وخلف ديوان الجد كانت شمس الأصيل دافئة وممتعة جلس الثلاثة الأطفال على جذع شجرة مرمي على الأرض، وجلبوا اللعبة مرة أخرى وتذكر أصيل صاحب الآيسكريم الذي سيعود إلى القرية بعد العيد واقترح أن يقوموا بتفكيك اللعبة ليستخرجوا النحاس منها ويبادلوا به صاحب الآيسكريم.

بدأ الأطفال بضرب اللعبة بقوة على الأرض بغرض تفكيكها وفجأة تنفجر بهم تلك اللعبة وتصدر صوتاً كبيراً، تخرج العائلات ويهرع شباب القرية على صوت الانفجار وأصوات صراخ الأطفال، وخلف ديوان الجد يرى الجميع ثلاثة أطفال غارقون في دمائهم طفلين ممددين على الأرض والثالث ما يزال يصرخ في حين تطاير الدم إلى نافذة ديوان الجد.

صورة بشار وعليه آثار الإصابة

يقول بشار للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة: “حينما انفجرت بنا اللعبة التي قيل لنا فيما بعد أنها قذيفة (RBG)  ) تم إسعافنا على إحدى السيارات، وفي عيادة المنطقة أجريت لنا إسعافات أولية قبل أن ننتقل إلى صنعاء، لكن محمد ابن عمي توفي هناك، واستمريت أنا وأصيل حوالي شهر في مستشفى الكويت بصنعاء” يضيف بشار: “فقدت عيني اليسرى تماماً وجزء من البصر في العين اليمنى، بينما تضررت عيني أصيل وبقي لديه قليل من البصر في العينين”

صورة بشار و أصيل في المستشفى

أما أصيل فرغم الوجع الذي مازال بصوته رغم مرور حوالي خمسة أعوام على الحادثة فهو متفائل وقد تم تكريمه الأسبوع الماضي لتميزه في لعبة الشطرنج بمركز النور للمكفوفين، يقول أصيل: “لقد خسرت أخي بسبب ذلك الحادث وتضرر بصري في العينين ورغم أنني أرى قليلاً إلا أنني مضطر للقراءة والكتابة بطريقة برايل للمكفوفين، وأنصح الأطفال ألا يأخذوا أي لعبة أو أي شيء لا يعرفونه فقد يتسبب لهم بالكثير من الألم طوال حياتهم”

أصيل وبشار ابني العم يدرسان في الصف السابع الأساسي بمدرسة مركز النور للمكفوفين بصنعاء ويقيمان في السكن الداخلي للمركز، ويشيدان بالاهتمام الذي يلقيانه مع باقي زملائهم من حيث راحة الإقامة وتنوع الأنشطة وجودة التغذية وتعامل الكادر الإداري والإشرافي معهما للسنة الرابعة منذ التحقا بالمركز، وتجمعهما علاقة مميزة كما لو كانا توأمين حتى في ملابسهما الموحدة.

وهكذا دفعت الطفولة ولا تزال تدفع ثمناً باهظاً في الحرب، وفي حين تكثر المنظمات المدافعة عن الأطفال والطفولة ويرتفع صوتها في كل قضاياهم يكاد يختفي في الحديث عن قضايا الأطفال ذوي الإعاقة وما يتعرضون له من اعتداءات وحشية وجرائم يندى لها جبين الإنسانية والتاريخ.

أما أصيل وبشار وغيرهما ممن أعيقوا في الحرب فالحياة بالنسبة لهم لم تتوقف وهم مستمرون بالتعليم وحصد شهادات التقدير طالما خلفهم أسر واعية ومؤسسات تأخذ على أيديهم وتفتح لهم أبواب الأمل.