“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين”
خاص : إبراهيم محمد المنيفي /
في عام 2000 كان وفداً يمنياً باسم الثقافة يشارك في فعاليات “الكويت عاصمة الثقافة العربية” وهناك سأل الكويتيون عن شاعر يمني باسمه الثلاثي، فإجابهم الوفد بأنهم لا يعرفون اسم ذلك الشاعر!، غير أن القائمين على جائزة “عبد العزيز بن سعود البابطين” كانوا مصرين على معرفة اسم الشاعر فبعثوا إلى صنعاء يسألون عن ذلك الشاعر المغمور ولم يفدهم أحد، حيث أن جائزة البابطين كانت قد أعلنت عن مسابقة شعرية في الشعر العربي فقام أحد أصدقاء الشاعر من المغتربين بإرسال القصيدة وذيلها باسم الشاعر الثلاثي فقط دون أن يرسل ترجمة أو عنوان تواصل – كان الأمر مجرد تجربة – فنُشرت القصيدة ضمن كتاب تم توزيعه في الفعالية ضم أفضل 22 قصيدة من وجهة نظر القائمين على الكتاب في الفعالية هناك.
إنه المعلم والشاعر والأديب محمد أحمد قاسم الشامي.
من مواليد 6 يونيو 1977 بمحافظة حجة شمال غرب العاصمة صنعاء مديرية الشغادرة عزلة العمشة.
والقصيدة هي قصيدة “الأديم استقر” وهو نفس العنوان التي حملته مجموعته الشعرية التي طبعتها ونشرتها وزارة الثقافة والسياحة عام 2004، وله دواوين مخطوطة غير منشورة وقصائد نشرت في الكثير من الصحف والمجلات، كما حصل على جائزة رئيس الجمهورية في الشعر مناصفة عام 2005، وجاء ذكره في موسوعة “أعلام اليمن ومؤلفيه” للدكتور عبد الولي الشميري تحت الرقم (9045) كشاعر ومؤلف.
تخرج الشاعر محمد الشامي من معهد المعلمين بمدينة حجة عام 1995 ودرس بقسم العلاقات العامة في كلية الإعلام بجامعة العلوم والتكنولوجيا.
يقول الشاعر محمد الشامي للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة إنه كان على اتصال وثيق بالشاعر الراحل حسن عبد الله الشرفي، ولكنه كان شديد التأثر بشاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني وفي هذا يقول: “لقد تعرفت على الشاعر الكبير عبد الله بن صالح البردوني لأول مرة عام 1994 في معرض الكتاب الثاني عشر الذي كان يُقام بجامعة صنعاء حينها، ومن ذلك الوقت داومت على زيارة الأستاذ عبد الله البردوني وكنت أذهب إليه كل يوم جمعة، ولم أنسى ما حييت حينما قال لي: “يا محمد إن شهرتك ومعرفة الناس بك ستكون من الخارج” وهو ما حصل فعلاً عام 2000″
للشاعر محمد الشامي مكتبة معتبرة في منزله حيث كان يداوم قبل العام 2015 على القراءة لما يزيد عن عشر ساعات يومياً، أما بعد ذلك العام فقد هجر شاعرنا مكتبته قصرياً إلى يومنا هذا ومازال فلماذا يا ترى؟!.
قيامة نُقم ونجاة الشاعر الشامي
2015 هو ذلك العام الذي تؤرخ به المنظمات الأممية للحرب المجنونة التي جعلت الأزمة في اليمن أسوأ أزمة إنسانية في الكوكب، نعم “أسوأ أزمة إنسانية في الكوكب” بهذا التعبير المكثف حرفياً وصفت الأمم المتحدة المشهد.
كان لا صوت يعلو على قعقعة الرصاص وأزيز الطائرات والمضادات الأرضية، ولأن شاعرنا كان يسكن في منطقة نُقم الاستراتيجية فقد أبعد أبنائه كما فعل معظم السكان من المنطقة خوف تعرضها لقصف الطيران.
وفي عصر الحادي عشر من مايو أيار 2015 كان الشاعر محمد الشامي مع والدته في المنزل يتفقدانه فإذا بصوت انفجار هائل، اهتزت على إثره جدران المنزل وتطايرت النوافذ وخرج الناس من منازلهم هلعين كالمجانين، هكذا كان المشهد، أما شاعرنا فقد رأى ما تشيب له الرؤوس إذ يقول: “خرجت من المنزل مسرعاً ونظرت باتجاه الصوت فإذا بألسنة من النيران تمتد مسرعة نحوي ودون تفكير بدأت أتراجع إلى الخلف ولم أجرؤ حتى على الالتفات إلى أن ارتطمت بجدار خلفي فسقطت على الأرض وكانت الشظايا تتطاير في كل اتجاه، فقدتُ الوعي تماماً ولم أفق إلى في إحدى العيادات بحالة يُرثى لها”
بعد ذلك الحادث كان محمد يدخل في نوبات تشنج عنيفة تستمر لنصف ساعة في اليوم، واستمر شهرين كما لو كان بنصف وعي على حد تعبيره، وبدأ نور عينيه يخفت شيءً فشيءً حتى استيقظ في أحد الأيام وقد فقد البصر تماماً، فنقله أحد أصدقائه إلى المستشفى لتفيد تقارير المختصين بأن لديه خلل في العصب البصري وأن إمكانية التعافي كبيرة وممكنة مع التوصية بسرعة نقله للخارج لتلقي العلاج.
عذاب الصبر في درب البلاء
بعد فقدان الشاعر محمد الشامي للبصر تغير كل شيء في حياته، فقد حدثنا بمرارة عن حنينه للكتب والمجلات التي تزدحم بها مكتبته الشخصية وكيف كان يقرأ ساعات طويلة، وكيف كان يعلق ويضيف في حواشي الكتب والدواوين، والغصة بحلقه يقول: “كم أتمنى لو أستطيع حتى أن أراجع ملاحظاتي التي أودعتها الكتب أو أجد من يقرأ لي”
تخلى الكثيرون عن شاعرنا وتركوه يواجه قسوة الحياة بمفرده حتى اضطر أكبر أبنائه لترك المدرسة في الصف الثامن ليعمل في مصنع للمياه المعدنية بأجر زهيد(أقل من دولارين في اليوم الواحد) لمساعدة الأسرة بعد أن أصبح عائلها كفيف بشكل مفاجئ.
رغم إمكانية الشفاء ومذكرات المناشدة التي رفعتها نقابة الأدباء للجهات الرسمية للتكفل بعلاج الشاعر محمد الشامي لم يستجب أحد، حتى أن 15 من وجهاء المنطقة رفعوا مذكرة مناشدة بحسب الشامي لرئاسة الجمهورية عام 2020 وإلى اليوم لا مجيب، فهل يا ترى سيبادر صندوق رعاية المعاقين للقيام بدوره المأمول؟.
المؤلم والملفت في قصة الشاعر محمد الشامي أن الكثير من أصدقائه تركوه ودخل في عزلة لمدة ثلاث سنوات انقطع فيها عن العالم ولم يعرف بإمكانية استعمال المكفوفين للهواتف من خلال البرامج الناطقة إلا منتصف العام 2018 حيث بدأ باستعمال هاتفه للقراءة والاطلاع والتواصل بعد عزلة وصفها بالقاسية.
في قصيدة له يعاتب فيها من تنكروا للصداقة بعنوان: أصدقائي، يقول الشاعر محمد الشامي:
أصدقائي: أين مني أصدقائي**
يا عذاب الصبرِ في دربِ البلاءِ.**
أَأُناديهم؟ وكم ناديتُهم**
لم يجبني أحدٌ إلا ندائي.**
ضاق صدري، قل صبري لم أجد**
مسعفاً يرثى لحالي غيرُ دائي.**
أسبِقُ الوقتَ بلا وعيٍ وقد**
بعتُ ما أملك من أجل الدوائي.**
ويتساءل شاعرنا عن أدوار الجهات المختصة بالاسم فيقول: “أين دور وزارة الثقافة؟ أين دور اتحاد الأدباء؟، أين دور وزارة الشباب والرياضة وقد وعدت عند حصولي على جائزة رئيس الجمهورية برعاية الأدباء والشعراء؟، أين دور نقابة المهن التعليمية وأنا أحد أعضائها وهي تقتطع جزء من راتبي كمعلم منذ 1995 وحتى نصف الراتب الذي للمعلمين أحياناً تقتطع جزء منه فأين دورها؟”
وختاماً: فإنه من المخجل والمؤسف أن يتعرض الشاعر محمد الشامي للإهمال والتجاهل كإنسان وضحية حرب أولاً، ثم كشاعر ومبدع ثانياً، ويوجع القلب ويدمي الفؤاد أن يسأل عنك الناس في دول أخرى ويعرفوك فيما أبناء وطنك لا يعرفوا عنك شيء.
ومن بيت شاعرنا المسقوف بالصفيح نودعكم إلى أن نلتقيكم في قصص “من وراء الحرب” بعد شهر رمضان المبارك فإن صوت المطر على الصفيح غطى أصواتنا ولم يعد بإمكاننا أن نسمع، فمطراً هنيئاً ولا بقاء لضجيج الصفيح ولا بقاء لضجيج الفارغين الأوصياء على الثقافة والمثقفين في البلاد.
في أمان الله.
“تم إنتاج هذه القصة بدعم من برنامج مركز التوجيه للمبادرات الاعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين.