المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

ماما لطيفة.. من سار على الدرب وصل.

ماما لطيفة.. من سار على الدرب وصل.

خاص : محمد الشيباني /

في مديرية حبيش بمحافظة إب الوديعة وسط اليمن، تتراءى لنا طفلة جميلة في الرابعة من عمرها  تتهادى بخطواتها بين الحقول الخضراء في محافظة اقترنت بالخضرة والجو المنعش اللطيف.

تلعب تلك الطفلة الجميلة مع باقي الأطفال، تردد الأهازيج معهم، وما تلبث تلك الصورة أن تختفي حيث يعلو وجهها الشحوب وتمرض بحُمى عرفت فيما بعد أنها الحمى الشوكية، لم تغادرها الحمى إلا وقد سلبتها القدرة على الحركة فصارت من ذوات الإعاقة الحركية.

قشة مشعوذ تزيد الطين بلة.

لطيفة محمود ردمان، ضحية لجهل المجتمع وانطفاء مشعل العلم،كانت لطيفة في الرابعة نهاية السبعينات حين تعرضت للحمى الشوكية وبدلاً من أن تذهب بها أسرتها إلى الطبيب، كان والدها يأخذها على ظهره باحثاً عن العلاج ولكن في المكان الخطأ، تقول لطيفة: “لقد اعتقدت أسرتي أنها أصابتني عين نظراً لما كنت أتمتع به من بشرة ناصعة البياض، فأخذني والدي على ظهره إلى أحد المشعوذين (العرافين) الذي وضع لي مكوى على ظهري وعلى العمود الفقري تحديداً ما زاد حالتي سوءً وتقهقراً، ولم يكتفِ والدي بل ذهب كغريق يتمسك بقشة إلى دجالين آخرين حول قريتنا ولم أستفيد منهم أي شيء، وفقدت الحركة في قدمي الأثنين تماماً”

تزامن ذلك مع وجود بعثة طبية صينية في محافظة تعز المجاورة فسافر بي والدي إلى هناك متمسكاً ببصيص أمل غير أن الأوان قد فات وتأخر الوقت.

لم تكن لطيفة مستوعبة التغير الجديد في حياتها فكانت لا تزال طفلة سلب المشعوذون والجهل حركتها، لكنها وبكل براءة كانت تجثو على ركبتيها، ترفع رأسها وترمي بيديها للأعلى تحاول أن تقف فلا تستطيع، لا تعرف لماذا، هي تشاهد الأطفال وبنات قريتها يلعبون ويجرون هنا وهناك وتريد أن تلعب معهم، تريد أن تطاردهم فلا تستطيع.

تصف لنا لطيفة حسها المرهف بشاعرية وتقول: “كنت أنظر لصديقاتي بصمت حزين، وأتأمل حيويتهن وحركاتهن، وهن يقفزن وفساتينهن كجناح طائر في الهواء”

لا تتوقف لطيفة تجثوا مرة أخرى على ركبتيها واضعةً يديها على الأرض وتدفع جسدها الصغير المنهك فتتحرك، تقرر لطيفة أن تحبوا على يديها وتمارس حياتها بهذا الشكل.

لم تكن تلك الصدمة الوحيدة في طفولة لطيفة، فقد كانت تنتظرها فاجعة أخرى أكبر من قدرة قلبها الصغير على الاحتمال فقد مزقت الحادثة روحها من الداخل كما تقول، لقد فقدت والدتها وهي في الخامسة من عمرها ولم تعد ترى حنان الأم ولا عطفها فقط كانت تسمع الحديث عن والدتها من أفراد أسرتها وهي موقنة أنها ذهبت إلى الله ولن تعود.

فوق الصبر.

سافرت لطيفة مع أخوها الأكبر الذي تصفه بالظهر والسند إلى الهند لتلقي العلاج، حيث خضعت لجلسات تدريبية وعلاجية متقدمة في العلاج الطبيعي استمرت أكثر من عام، وفعلاً استعادت قدرتها على الوقوف، لقد كان شعور لطيفة بعد وقوفها على العكاكيز أكبر من أن تصفه الكلمات على حد تعبيرها.

تقول لطيفة: ” كنت أتخيل عند عودتنا لليمن أنني سأرى فرحة والدي بوقوفي على قدمي وقدرتي على المشي بالعكاز بعد خضوعي للعلاج الطبيعي, وكنت أتصوره أمامي وأقرأ ملامح الابتسامة والبشاشة في وجهه اللطيف”

وفي إحدى الليالي بينما كانت لطيفة تداري خيالاتها وتسبح في بحر من الأفكار تلقت مع أخوها خبراً صادماً وأليماً وموجعاً، لقد انتقل والدهما إلى رحمة الله.

لقد كانت الصدمة كبيرة لا سيما أنهما في بلاد بعيدة، ولم تتمكن العائلة من تأمين استمرار العلاج الطبيعي في الهند فرجعا إلى اليمن.

أبوة الأخ.. ومدير المدرسة النموذج.

لقد عاشت لطيفة بعد عودتها إلى اليمن في كنف أخوها وزوجته الطيبة والحنونة الذين اجتهدا ليعوضاها حنان الأم والأب.

لقد التحقت بالمدرسة بنظام المنازل، وكان أخوها يستقدم المعلمين إلى المنزل لتعليم لطيفة ووقت الامتحانات تذهب إلى المدرسة، وبعد الصف الرابع انتقلت العائلة للعيش والسكن في صنعاء.

تم تسجيل لطيفة في مدرسة الحي الذي كان مديرها نموذج تربوي يحتذى به، فقد قرر أن يكون الفصل الذي تلتحق به لطيفة في كل عام في الدور الأول

صديقاتها هن الأخريات كن نموذجاً رائعاً فقد احتوين لطيفة وتعاملن معها كواحدة منهن، في هذا السياق تقول لطيفة: “كانت لدي صديقة تحتويني وتحمل معي حقيبتي وتشعرني بوجودي بينهن ولن أنسى لها ذلك الصنيع”

إيجابية التوجيه يصنع قيادات.

إن كان من مكان يوازي الأسرة فهي جمعيات ذوي الإعاقة الإيجابية والفعالة التي تأخذ بأيدي أبنائها  وهذا تماماً ما جرى مع لطيفة في جمعية المعاقين حركياً الجمعية التي تنتمي إليها، تقول لطيفة: “لقد كن المعلمات يحثيننا على الالتحاق بمختلف الدورات وتنمية مهاراتنا وابداعاتنا حتى نكون مؤهلات لسوق العمل”.

والتحقت لطيفة بعدة دورات في الخياطة، والحاسوب، واللغة الإنجليزية وغيرها الكثير.

انهمكت لطيفة بحب وشغف في العمل مع مركز السلام التابع لجمعية المعاقين حركياً ووظيفتها في الشؤون الاجتماعية كمنسقة لحقوق الطفل، ما حال دون تمكنها من التعليم الجامعي.

لقد أصبحت لطيفة بعزيمتها وإرادتها واحدة من أبرز وجوه ناشطات ونشطاء ذوي الإعاقة في اليمن، ونظراً لاهتمامها وتركيزها على حقوق الأطفال عموماً والأطفال ذوي الإعاقة خصوصاً فقد عُرِفت بينهم “ماما لطيفة” وهو النداء الذي تقول إنه يسعدها كثيراً، ولا غرابة فقد كانت من أبرز المؤسسين لمركز السلام للمعاقين حركياً.

وتتلخص رسالة لطيفة: في أن الحياة لا تتوقف مهما كانت الصعوبات والأزمات فعلينا أن نكون أقوى منها كما تقول، وأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في القوانين المحلية والتشريعات الدولية يجب أن يحصلوا عليها، وإن على ذوي الإعاقة الدور الأكبر للمطالبة الحثيثة وعدم السكوت عن حقوقهم في كل وقت وفي أي مكان.

عبد الواحد.. طريقك للابتسام والبهجة

عبد الواحد.. طريقك للابتسام والبهجة

خاص : ميادة العواضي /

 عندما تتصفح  صفحته يمكنك أن تلاحظ صورته وهو مبتسم ابتسامة رائعة ومبهجة، إنه عبد الواحد أحمد يمتلك صفحته الخاصة في الفيس بوك بمساعدة أخيه الأكبر، يشارك فيها أصدقاءه أحلامه ولحظاته الجميلة ويعطي درساً بأن الحياة تستحق أن نعيشها بتفاؤل.

عبد الواحد أحمد، من محافظة إب وسط اليمن 23 عاماً، عازب، لم يستطع دخول المدرسة وتعلم تعليم منزلي فقط.

يعاني عبد الواحد من متلازمة داون منذ مولده، يقول عبد الرحيم أحمد الأخ الأكبر لعبد الواحد أنه عانى كثيراً من قصور الوعي في المجتمع حوله، ويضيف عبد الرحيم: “انطوى عبد الواحد وبقي فترة طويلة خائفاً من الاختلاط بالناس والمجتمع لأنه وجد مضايقات كثيرة حينما كان يخرج إلى الشارع، لذلك عانى من رهاب الخروج من المنزل،”

إيجابية المتابعين وعفوية عبد الواحد صنعتا الفرق.

يقول عبد الرحيم للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة أنه حينما أحس بأن أخيه يواجه خطر الوحدة لمعت في ذهنه فكرة إنشاء صفحة في الفيسبوك كمحاولة منه لخلق فرصة أخيرة يستطيع من خلالها الخروج بأخيه الأصغر من حالة العزلة التي يعانيها.

لم تسعف عبد الواحد كلماته في إيصال ما يريده بداية الأمر فكان عبد الرحيم الوسيط بينه وبين الناس، وبعدها حدث التواصل بين الأصدقاء المتابعين وبين عبد الواحد، واستطاع بعفويته وبراءته كسب قلوب العديد من المتابعين.

عكس المتوقع تماماً كانت التعليقات لطيفة وإيجابية من متابعي عبد الواحد، ولم تكن ساخرة أو متنمرة، يقول عبد الرحيم: “تفاعل الجميع مع عبد الواحد منذ أول لحظة وبدأت الصفحة تؤتي ثمارها… فإلى جانب أنه استطاع أن يعبر عن مشاعره في مساحته الخاصة ويكسر عزلته المجتمعية ويتلقى ردوداً إيجابية ممن كان يعتبرهم سابقاً مصدر خوف… فقد استطاعت الصفحة أيضاً أن تنقل رسائله للآباء والأمهات في تغيير نمط تربية الأطفال… وتعليمهم أكثر بخصوص هذه المتلازمة والطرق الصحيحة للتعامل معهم.”

في أحد المنشورات يقوم عبد الواحد بأداء رقصة البرع الشعبية المعروفة لدى اليمنيين، وبكل تلقائية قام بالرقص في الشارع وبإمكانك الإحساس بمدى سعادته وهو يقوم بأداء الرقصة بكل عفوية.

عبدالواحد بعيون متابعيه.

يرى صديقه وليد الحمودي، أن ما يقدمه عبد الواحد كمثل هذا الفيديو هو لطيف جداً ومؤثر، وبالرغم أنه لم يلتقِ عبد الواحد وجها لوجه يوماً إلا أنه حريص على متابعته وتشجيعه حسب قوله.

تلقى عبد الواحد العديد من ردود الفعل المحفزة والتشجيع في أحدث منشور له وهو يخوض تجربة أشعة البانوراما للأسنان الذي كان يخافها كثيراً، لم يعد يخاف منها كما في السابق، فبحسب المنشور استطاع عبد الواحد التغلب على خوفه وهو ما يعتبره إنجازاً.

في أحد منشوراته كتب عبد الواحد: “من المهم جداً أن أكون شريكاً في الحل أيضاً وليس فقط في المشكلة” ليعطي درساً هاماً أن الإنسان يجب أن يتحمل نتيجة خطئه بنفسه

من خلال حكايته مع الآيباد الذي لم يحافظ عليه وكسره مرة أخرى بعد أن أصلحه له أخوه عبد الرحيم، وتمت معاقبته على ذلك الإهمال.

يسلط عبد الواحد الضوء على إشكالية التنمر المجتمعي تجاه ذوي متلازمة داون ولكن بطريقته الخاصة، حيث نشر منشور يتحدث فيه عن رغبته في الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة ولكنه وعلى الرغم من استيقاظه مبكراً وارتدائه الثوب استعدادا للذهاب لم يجد من يأخذه إلى هناك، ولن يستطيع الذهاب بمفرده لأنه عادة ما يتعرض لمضايقات كثيرة لا يستطيع تحملها.

تلقى منشورات عبد الواحد تفاعلاً كبيراً من قبل أصدقائه منهم بليغ حجر، صديق عبد الواحد وهو أخصائي اجتماعي، حيث يتحدث عنه ويقول: “لدى عبد الواحد العديد من المتابعين والمحبين إذ يرون فيه اللطافة، وأن الأمر رائع أن يحصل عبد الواحد على تلك المحبة التي يستحقها.

وبخصوص إدارة صفحة عبد الواحد قال عبد الرحيم للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة أنه يتابع كل التعليقات التي ترد صفحة عبد الواحد باهتمام.

ويضيف: “أصدقاء عبد الواحد  يتابعونه بشغف ويعبرون عن محبتهم له، وأعتقد أن الصورة النمطية عن متلازمة داون بدأ هو بتغييرها حيث أعطى صورة جميلة ومختلفة عنهم من خلال فيديوهات ومشاركتها للآخرين”

 يستطيع عبد الواحد أن يغير وجه نظرك عن ذوي  متلازمة داون، وهذا ما يراه صديقه مصعب حميدي، الذي يقول: “إن عبد الواحد شخص لطيف ومحبوب من قبل الجميع ويعطي أملاً كبيراً لغيره بأن المجتمع مستعد ليتقبلهم كما هم”

فيديو من صفحة عبد الواحد على الفيس بوك

بشرى الضبياني.. كفيفة تقود مشروع حقائب لتعيل أسرتها.

بشرى الضبياني.. كفيفة تقود مشروع حقائب لتعيل أسرتها.

خاص : محمد الشيباني /

كفيفة؟ “نعم، لكن إعاقتي لن تمنعني من إثبات ذاتي وتحمل واجبي تجاه أسرتي”. تقول، بشرى الضبياني، من ذوات الإعاقة البصرية، التي بدأت مشروعها الخاص في صناعة الحقائب.

تقول إن هذا المشروع “ليس لي وحدي ولم يتأسس من أجل إشباع رغباتي والنزوات، لكنه جاء من أجل إعالة أسرتي كي لا أكون عالة عليهم”.

هي بشرى صالح علي الضبياني من مواليد محافظة صنعاء عام 1999 وتنتمي لمديرية خولان الطيال.

تقول بشرى أن إعاقتها البصرية تكونت منذ ولادتها، “ذهبت إلى الأطباء في اليمن وكذا جمهورية مصر العربية، وجميعهم قالو أن الإعاقة ناتجة عن ضمور في الشبكية”.

ولكن، كيف تقبلت أسرة بشرى إعاقة ابنتهم؟ رغم عدم حصول أسرة بشرى على فرص التعليم، إلا أنهم تقبلوا إعاقتها بـ “صدر رحب”، وعاملوها بـ “احتواء وحنان
 كما تقول.

وتستدرك بالقول “لكن مخاوف أسرتي كانت حول دراستي حيث رفضت التحاقي بمركز النور للمكفوفين، لأنه مختلط ولم نكن نعلم بوجود مركز أو مدرسة خاصة بالفتيات الكفيفات”.

فاطمة العاقل تعيد لبشرى الأمل في التعليم.

تقول بشرى إنه بعد تأسيس جمعية الأمان للكفيفات وهي أول جمعية خاصة بالكفيفات في اليمن على يد الراحلة –فاطمة العاقل، رحمها الله، بدأت مشواري التعليمي في سن السابعة. استمرت بشرى في تحصيلها العلمي حتى تخرجت من قسم الآداب لغة عربية عام 2018.

رحلتها المهنية.

وعلى الرغم من عمل بشرى كمتطوعة لتدريس اللغة العربية في مركز النور للمكفوفين بصنعاء، إلا أنها لن تكتفي بذلك بل أصرت أن تبدأ بمشاريع صغيرة تساعد من خلالها  أسرتها حيث التحقت في عام 2019 بدورات كانت تقيمها جمعية الأمان للأسر المنتجة.

تقول بشرى “بداية كنت أحاول الشغل بالإكسسوارات لكن ذلك لم يستهويني كثيرا”، ولكن “بحكم خبرة والدتي في الخياطة استعنت بها وبدأت بمشروع نسج الحقائب”.

سألناها عن نوع الحقائب التي تنسجها حيث أجابت بأنها حقائب صغيرة يدوية أي أنها شبيهة بالمحفظة. وتمارس بشرى دورها بكل أريحية وبكامل الصلاحية رغم استعانتها بالمبصرات بشكل كبير.

وعن الصعوبات التي تواجهها في عملها تقول بشرى: “أن الصعوبة الكبرى هي في “الماديات وعدم توفر المعدات والمستلزمات التي أحتاجها في نسج الحقائب”.

وتأمل بشرى من المنظمات المانحة وفاعلي الخير أن يلتفتوا لمشروعها ويساهمو في تطويره ليصبح ذو نطاق واسع ومثمر.

تعلمت البرايل لأجل أبنائها.. أم الخير عطاء وحب بلا حدود.

تعلمت البرايل لأجل أبنائها.. أم الخير عطاء وحب بلا حدود.

خاص : MCPD/ ميادة العواضي /

عندما تدخل إلى المنزل تستطيع سماع ضحكات الأبناء، ويمكنك الشعور بذلك الدفء في المنزل بمجرد الجلوس معهم منذ الدقائق الأولى.

بالتزامن مع يوم الأم حق لأمهات ذوي الإعاقة أن نكون معهن وأن نعيش تفاصيل حياتهن عن قرب، وقد آثرنا في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة أن نزور أولئك الأمهات في محضن التربية والحنان الأول في منازلهن.

ألتقيت أولاً الفتاة الجميلة بتول 18 عاماً، والولد المرح عمرو 15 عاماً، وهما كفيفان. والدتهما والتي هي محور قصتنا اليوم اسمها -أم الخير السدعة، وهي أم لبتول، وعمرو، وضياء الولد الوحيد البصير بين أبنائها.

تقول أم الخير: “أبنائي هم أعز ما أملك وهم ثروتي في هذه الحياة، وأنا مستعدة  لصنع المستحيل لأجل أن يكون لهم مستقبل زاهر وآمن،

عندما يكون أبنائك من ذوي الإعاقة فإن ذلك يضعك أمام مسؤوليات أكبر ويتطلب جهداً مضاعفاً خاصة والأم لم تكن لديها الخبرة في كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة من قبل كما تقول.

تكافح هذه الأم المثالية جاهدةً والتي ولدت في يوم “عرفة” لذلك أسماها والدها أم الخير كما تقول، وتحاول الإيفاء إلى جانب زوجها بمتطلبات الحياة لأسرتها الكريمة مع وجود عوائق كثيرة وصعوبات جمة إلا أنها تتمكن في كل مرة بالإرادة والحب من تجاوز تلك العقبات ضاربة المثل الأجمل في التحمل والقوة والنجاح.

تشاركنا أم الخير لحظات حياتها الأصعب عندما بدأت ابنتها الكبرى بتول، بالذهاب للمدرسة ولم تكن تعلم أن المنهج مختلف، تقول أم الخير: “دخلت مع ابنتي بتول في أول يوم دراسي لها ،تفاجأت جداً من الكتاب البرايل الذي كان أمامي عبارة عن مجرد نقاط لا أعرف لها تفسيراً، ولم أكن أعرف كيف أتعامل معه ولم يكن في بالي أن كتبهم مختلفة، يومها أتذكر أنني بكيت كثيراً وأحسست بأني أم فاشلة، وتساءلت -هل يمكنني فعلاً تحمل مسؤولية ابنتي الكفيفة؟!”

حاولت أم الخير أن تجيب على ذلك السؤال الذي استجد في حياتها، فكانت إجاباتها أفعال أكثر منها أقوال

فكانت تهتم بها، تذاكر معها، تتبع خطوات تعليمها محاولة منها لفهم كيف يمكنها مساعدة بتول، فقررت أن تبدأ رحلة وصفتها بأنها كانت متعبة وجميلة في الوقت ذاته، لقد كانت أم الخير تذهب مع ابنتها للمدرسة الخاصة بها يوماً في الأسبوع لتتعلم طريقة برايل التي يستعملها المكفوفون في القراءة والكتابة، وبعد فترة أتقنتها بشكل جيد.

عندما بدأت تعلم البرايل رسمت أم الخير الحروف بشكل رسومات ليسهل عليها تعلمها. عملت أم الخير في العديد من الأعمال لمساعدة زوجها على صعوبات الحياة، ولتلبي لأولادها احتياجاتهم لكي لا يشعروا بأي فرق بينهم وبين أقرانهم من الأطفال المبصرين.

بداية الرحلة

“لم يكن من السهل تقبل أعاقة ابنتي في بداية الأمر، ولكن لم أشعر بغضب وسخط، كلما هنالك أنني كنت متفاجئة وقتها وخاصة أنه لم يكن في العائلة أحد مصاب بالعمى من قبل” تقول أم الخير، وتضيف: “كانت المفاجأة أقل وطأة عند إنجاب الطفل الثاني وهو كفيف كذلك، فحينما أنجبت عمرو كان هناك رضى تام بما كتبه الله، وأحسست أن هذه نعمة لأنني من خلال تجربتي مع بتول لم أرى أن هناك أي شيء خاطئ أو مختلف، أو أن إنجاب طفل كفيف هو نهاية العالم”

أم الخير في عيون أبنائها.

تقول بتول: “أمي تمثل لي بعد الله كل شيء، لو لم تكن لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ولما كنا نجحنا في دراستنا لأنها دعمتنا دعم استثنائي وقوي، وشدت على أيدينا لنواصل تعليمنا، لم تشعرنا بأنها كانت تتعب أو تتململ منا رغم إدراكنا بأننا كنا نتعبها، لكنها كانت وما تزال تدفعنا إلى الأمام”

يصف عمرو والدته بأنها الأكثر طيبة وأن قلبها كبير بين كل الأمهات، ويقول: “أحب تعامل أمي معي واحترامها لي” معلقاً بأنه لا يجد كلاماً لوصف والدته ولكنه يحبها كثيراً ويشكرها كثيراً.

تستمر أم الخير مع أبنائها وتشعر برضى وفرح كبيرين وهي تراهم يتميزون ويتألقون، ففي التعليم أبنائها من الأوائل دائماً، وبتول كانت الرابعة على مستوى أمانة العاصمة في الثانوية العامة لسنة 2020 وهي الآن في السنة الأولى بكلية الإعلام لتصقل موهبة بدأت معها مبكراً بتقديم العديد من البرامج الإذاعية والتي كان بعضها مع أخيها عمرو الذي يدرس حالياً في الصف الثاني الثانوي.

تقبل الآخرين لأبنائها .

تصف أم الخير لحظات استقبال أخواتها وبنات العائلة لها حين عودتها من المستشفى بعد معرفتهن بإنجاب طفلة كفيفة بأنها غريبة وغير مفهومة، فقد استقبلنها بالدموع والبكاء وكأنما كان هناك ميتماً على حد تعبيرها، وكانت هي مستغربة شعورهم وتصرفهم.

وتروي أم الخير للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة موقف المجتمع المحبط الذي لم تستسلم له، تقول: “حينما كانت النساء من أقاربنا وغيرهن يأتين  لزيارتنا كُن يمدحن طفلتي ويدعين لي ويختمن حديثهن بتلك العبارة التي كانت تستفزني كثيراً حيث يقلن: “ما أجملها وأحلاها لكن لو كانت مبصرة””

وأخيراً تعتبر أم الخير إن أبنائها هم أجمل ما في الدنيا وتقول أنها فخورة بهم، وتنصح أمهات ذوي الإعاقة أن يمنحن أبنائهن القوة والثقة، وألا يتوقفن كثيراً عند رأي الآخرين لأنه سيتغير مع الزمن.

الحمى الشوكية وكرة الجرس.. طه يحكي قصة طموح مشوار رياضي حافل

الحمى الشوكية وكرة الجرس.. طه يحكي قصة طموح مشوار رياضي حافل

خاص / أحمد علي الفقيه

“في إحدى البطولات التي شاركنا فيها خارج البلاد عند ما مررت الكرة إلى زميلي في الفريق تدحرجت من يدي ودخلت إلى المرمى الخاص بنا بسبب ثقلها الذي لم نكن معتادين عليه، فالكرة التي كنا نلعب بها في اليمن لم تكن ثقيلة بهذا الوزن ما سبب لي في حينها إحراج كبير”.

طه الصياد، مسيرة رياضية حافلة بالإنجاز ومتوجة بالميداليات والكؤوس فمنهو؟:

طه أحمد الصياد، مواليد 1981-م، من أبناء محافظة المحويت_ مديرية الرجم_ عزلة بيت الجرادي.متزوج وأب لولدين. أصيب بالحمى الشوكية وفقد على إثرها بصره وهو في الخامسة من عمره.
يقول طه أنه لم يفقد بصره دفعة واحدة، ولكن بسبب قلة الوعي في منطقته النائية لم تتعامل الأسرة مع المشكلة إلا بعد سنة تقريباً من بداية تدهور نظره مما أدى إلى تلف العصب البصري.

سيراً على الأقدام رغم بعد المسافات.

فقد طه بصره، لكنه لم يفقد الأمل ولم يفقد طموحه، فالتحق بمركز النور لرعاية وتأهيل المكفوفين بصنعاء وهو في التاسعة من عمره ليدرس المرحلة الأساسية، واستمر في السكن الطلابي الملحق بالسكن بينما انتقل للدراسة الثانوية بمدرسة الشعب النموذجية ضمن برنامج الدمج. وفي العام 2006 تخرج طه من قسم الدراسات الإسلامية كلية الآداب بجامعة صنعاء.

يتحدث طه بحسرة عن انخفاض تحصيله العلمي عندما انتقل للدمج في المرحلة الثانوية ثم الجامعية بسبب كم الصعوبات التي واجهته كما واجهت زملائه المكفوفين، يقول طه: “لم يكن طريق التحصيل العلمي سهلاً ولم يكن مفروشاً بالورد على الإطلاق، فقد كنا نعاني في التسعينات ومطلع الألفية من عدم توفر المناهج بطريقة برايل للمكفوفين، وكنا نحصل على مناهج مسجلة صوتياً بعد صعوبات وتأخر كبيرين فضلاً عن صعوبة الحصول على الوسائل المعينة كالمسجلات والأشرطة الكاسيت حينها وغيرها، كما أن المدرسة كانت بعيدة عن السكن ولم تكن  لنا وسيلة مواصلات خاصة بنا فكنا نذهب إلى المدرسة ونعود منها راجلين على أقدامنا”

من اللجان الطلابية إلى القمة.

في السكنات الداخلية للطلاب تتلاقح الأفكار وتتنوع الخبرات والمعارف التي يكتسبها الطلاب من بيئتهم الغنية بالتنوع، إلى جانب الخبرة التي يكتسبونها من الأنشطة واللجان الطلابية، وكان بطلنا من أفراد قليلون يحرصون على الاستفادة من تلك الميزة فقد كان واحداً من أعضاء اللجنة الطلابية التي اختارها طلاب السكن لتمثيلهم أمام الجهات المختصة للمطالبة بحقوقهم وتحسين أوضاعهم في السكن التي تراجعت كثيراً بعد الحرب الأهلية عام 94 على غرار جميع مؤسسات القطاع العام كما يقول.

يعتقد طه إن عضويته في تلك اللجنة كانت الفاتحة لعمله في المجال الاجتماعي، فقد أُنتخِب عضواً في الهيئة الإدارية لجمعية المكفوفين في العام 2001 ليصبح مسؤولاً للإعلام إلى جانب المسؤول الرياضي المجال الذي يحبه طه ويعشقه بجنون، فبعدها بعام واحد كان طه ممثلاً عن الجمعية اليمنية للمكفوفين واحد من مؤسسي الاتحاد الوطني لرياضة المعاقين في اليمن، وشغل فيه منصب مسؤول الفروع حتى العام 2012، ثم مسؤولاً عن الإعلام والعلاقات العامة حتى اليوم.

وعلى الصعيد الاجتماعي يتمتع طه بعلاقات واسعة ومتميزة، بالإضافة لحياته المهنية من خلال عمله الحكومي في وزارة النقل منذ عام 2004، حيث تكرم مرتين من قبل وزيرين مختلفين الأولى في عام 2012 والثانية في عام 2019 نظير تميزه في عمله بالوزارة في إدارة الإعلام والعلاقات العامة على وجه التحديد.

لماذا اختار طه أن يكون رياضياً

يقول طه إن علاقته بالرياضة هي علاقة حب وشغف منذ الطفولة وكبرت معه، مضيفاً: “إن الرياضة إلى جانب دورها في تقوية البنية الجسدية، فهي تساعد الشخص على تحقيق أهدافه من خلال القيم التي يكتسبها من هذا المجال، كما أن الرياضة لم تؤثر على تحصيلي العلمي على الإطلاق”

كيف كانت البدايات؟

يصف طه بداياته مع الرياضة في سكن مركز النور وأيام الدراسة فيقول: “لم نكن نعرف كرة الجرس للمكفوفين فكنا نشتري كرة عادية فنضعها في كيس بلاستيكي حتى نتمكن من سماعها أثناء اللعب، فقد كان لعب عشوائي وبلا أي قواعد منظمة، لكننا عرفنا كرة الهدف أو ما يطلق عليها بكرة الجرس مؤخراً وخضت شخصياً تصفيات على مستوى الجمهورية، وشاركت في بطولات خارجية”

لم تكن كرة الهدف وحدها فقد تنقل طه في ممارسته للرياضة بين قوة البدن، ودهاء العقل، فقد مارس إلى جانب ذلك رياضة شد الحبل، ولعبة الشطرنج، والسباحة، والجري. وقد كانت له العديد من المشاركات داخلياً وخارجياً سواءً فردية أو جماعية ومنها:

المشاركات المحلية التي تنوعت وتعددت حيث يقول: “شاركت في كثير من المنافسات الرياضية والثقافية ولقد حصلت على المركز الرابع في بطولة الشطرنج التي أقامها الاتحاد الرياضي لرياضة المعاقين عام 2005، والمركز الأول في عام 2012، كما أنني شاركت في البطولة التي أقامها الاتحاد العام للشطرنج بأمانة العاصمة في مقر النادي الأهلي عام 2014 وحصلت فيها على تكريم خاص كأول كفيف يشارك مع غيره من اللاعبين المبصرين، وكان ترتيبي العاشر ضمن خمسين مشارك في البطولة، وقدت فريق كرة الهدف للجمعية اليمنية للمكفوفين إلى الفوز بلقبين لبطولة الجمهورية التي أقامها الاتحاد الرياضي.. وحمل كأس البطولة عامي 2008 و2013”.

  • المشاركة ضمن الفريق اليمني في بطولة آسيا للشطرنج بالهند عام 2003، ورغم أنها المشاركة الأولى لطه والفريق خارج البلاد إلا أن اليمن حصلت على المركز الرابع على مستوى الدول المشاركة في البطولة.
  • المشاركة في الأردن في كرة الهدف عام 2009، وعنها يقول طه: “لم تكن تلك المشاركة كما تمنيت للأسف، فقد كانت أول مبارةٍ في تلك البطولة بالنسبة لي كربة لا أنساها، فقد فوجئت من حجم الكرة وثقلها، فلم تكن لدينا كرة دولية داخل اليمن، من ما أثر على مستوى الفريق ونتائجه في تلك البطولة”.
صورة لميداليات البطولات التي شارك فيها

وكما أن الرياضة تبني جسماً سليماً فسيكون العقل والقلب سليماً بالضرورة كما تقول الحكمة المعروفة، وفعلاً فقد كانت لبطل قصتنا العديد من المشاركات في المسابقات الثقافية والقرآنية سواءً بشكل شخصي أو ممثلاً عن عدة جهات.

ولا يخفي طه في ختام حديثه لل-MCPD أحلامه على المستويين الخاص والعام: فعلى المستوى الخاص يتمنى أن تتاح له الفرصة في المزيد من العطاء والتألق في رياضات المكفوفين وخصوصاً الشطرنج، وعلى المستوى العام يقول طه: “أرجو أن يتحسن وضع رياضة ذوي الإعاقة في بلادنا، وأن ينتقل الاتحاد الرياضي للمعاقين إلى مقر ملك بدلاً عن الإيجار، كما أتمنى أن أرى الرياضيين ذوي الإعاقة في منصات التتويج محلياً وعالمياً”

سليم الحرازي.. “ليست المشكلة أن تفقد جزء من جسمك المشكلة أن تفقد القدرة على أن تحلم”

خاص: المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة MCPD / أحمد علي الفقيه.

نحن الآن في مستشفى ميداني بصنعاء، هنا مئات الجرحى وعشرات الشهداء، وبينما تستمر فرق الإسعاف بجلب المزيد من الجثث والمصابين إلى المشفى ينتظم المئات من الشبان في طوابير للتبرع بالدم.

هنا في الداخل يعمل الأطباء ومساعدوهم بلا توقف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومنذ قليل وصل إلى هنا أيضاً بعض الصحفيين لتوثيق الجريمة، وبينما كان أحد المصورين يوثق للعدالة توقف مشدوهاً حينما رأى بين الجثث طفلاً يحرك يده، فأخذ يصرخ: “مازال حياً، مازال حياً أنقذوه”

لم يكن ذلك الطفل إلا نموذجاً لطفولة بائسة يعيشها أطفال اليمن

سليم غالب علي الحرازي، 1999، من منطقة مناخة حراز بمحافظة صنعاء. كمعظم أطفال اليمن يكبرون صغاراً بكبر المسؤوليات التي تلقى على كاهلهم، فقد كان سليم إلى جانب دراسته يقوم بمساعدة والده في بيع وتوزيع الكتب والصحف لأصحاب الكشكات والمحلات التجارية.

وفي أوقات الفراغ كان سليم لا يفوت فرصة ممارسة ألعابه المفضلة مثل ركوب الدراجة الهوائية ولعبة كرة القدم.

وجدت خيوط العملية ولم أجد عيوني.

يقع منزل أسرة سليم في محيط ما عُرِف حينها ب(ساحة التغيير) الميدان المقابل لجامعة صنعاء الذي اتخذ منه الشباب مكاناً لاعتصامهم إبان اندلاع ثورة الشباب 2011، وبعد صلاة الجمعة شاهد سليم ألسنة النيران تشتعل في مؤخرة الميدان، وبفضول طفل ذهب ليستكشف ماذا يجري هناك.

يقول سليم: “لقد سمعت ورأيت أشخاص يطلقون الرصاص من على المباني المجاورة للساحة، وفي تلك اللحظة أطلق علي قناص رصاصة دخلت من عيني اليسرى ومرت من تحت أنفي لتخرج من عيني اليمنى، وحينها أُغمي علي، ولم أستيقظ إلا في اليوم الثاني وعيني معصوبتين بالشاش وأرى كل شيء حولي أسود”

يستمر سليم بسرد الحادثة ويقول: “لقد تم نقلي فور إصابتي للمستشفى الميداني في حالة إغماء كامل، وعندما شاهد الأطباء حالتي اعتقدوا أنني قد فارقت الحياة ووضعوني بين الجثث، لكن أحد الصحفيين أثناء التصوير لاحظ إن إحدى يدي تتحرك، فأخبر الأطباء فقاموا بنقلي إلى مستشفى آخر، لقد انكتب لي عمراً جديداً وانتزعت من بين مخالب الموت لأن لكل إنسان قصة وقصتي حينها لم تنتهي ولما تزل”

يقول سليم: “لقد كنت أسأل الأطباء –هل بإمكاني أن أرى بعد إزالة الشاش من على عيني؟ فكانوا يجيبونني، نعم. وبعد عدة أيام تمت إزالة الشاش ولكني لم أرى شيءً، فتلمست بأصابعي مكان عيوني فلم أجد إلا خيوط العملية ولم أجد عيوني”

كيف استقبلت الحدث الجديد في حياتك؟

يجيب سليم: “كنت في عمر صغير في العاشرة أو الحادية عشرة من عمري في الصف الخامس فلذلك تلقيت الخبر بعقلية الطفل فكنت واثق من أني سأرى مرة أخرى فكنت أسأل أمي -متى بتطلع لي عيون؟، لاعتقادي أن كل شيء في الإنسان ينمو مثل الشعر والأظافر.”

وبعد الإصابة بدأ الأهل والأصدقاء يتوافدون لزيارة سليم في منزله، وكان أشد من الألم على نفس سليم هي تلك الدعوات للوالدين بأن يتصبروا وبأنهم مأجورون على مصيبتهم، لقد كانت ألفاظ المواساة لوالدي سليم كالرصاص تصيب كبريائه في مقتل لأنه أصبح في نظرهم عالة وعديم الفائدة بعد أن فقد عينيه.

يذكر سليم إن تلك الزيارات استمرت حوالي خمسة أو ستة أشهر، وكان الناس ينصحون والده أن يلحقه بمدارس أو حلقات تحفيظ للقرآن الكريم لاعتقادهم أن الكفيف ليس له وسيلة إلى حفظ القرآن للحصول على مساعدة الناس، ولذلك كانوا يجلبون معهم هدايا كلها أجهزة راديو حتى يتمكن من الحفظ، في إحدى خطابات سليم قال للجمهور ساخراً: “لقد حصلت على أجهزة راديو بعددكم تقريباً”

حاول سليم كثيراً أن يقاوم تلك الرسائل السلبية وكان يطلب أن يتم السماح له بلعب الكرة وركوب الدراجة الهوائية، ولكن كان الجواب دائماً “لا لن تستطيع لأنك أعمى ستؤذي نفسك”

وهنا يعترف سليم وبصراحة يقول: “لقد بدأت تلك الرسائل السلبية تتسلل إلى داخلي وبدأت أشعر بالإحباط، ومع بداية العام الجديد كانت هناك زيارة ولكن مختلفة، نعم مختلفة تماماً لقد سألني أحد الزوار –متى ستذهب للدراسة لقد بدأ العام الجديد؟ وهنا ومع كثرة الرسائل السلبية أنا من تساءل مستغرباً –هل يمكنني أن أدرس وأنا أعمى لم أعد أرى؟، فحدثني صديقي عن إمكانية أن أواصل دراستي بشكل عادي جداً في مركز خاص بالمكفوفين لتعلم طريقة برايل قبل الدمج في المدارس العامة”

يأخذ سليم نفساً عميقاً ويقول: “لقد كانت تلك لحظة فارقة في حياتي، لقد استطعت أن أحلم من جديد بمستقبل أفضل، وبعودتي إلى المدرسة بدأت تتشكل معالم شخصية أخرى لسليم غير المحبط وغير المستسلم لكلام الناس الظالم والسلبي الذي لا يزيد صاحب المصيبة إلا مصيبة أكبر”

مواهب متعددة وأحلام ماتزال تكبر.

وعلى الرغم من أن بطل قصتنا لا يزال في المستوى الثاني بكلية الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة إلا أنه يمتلك قدرة خطابية مبهرة تجبرك على الاستماع له حتى النهاية.

يحفظ سليم القرآن الكريم كاملاً، كما أن لديه بعض القصائد الشعرية، وبعد فقدانه للبصر أصبح شغوفاً بالقراءة والمطالعة. كما أنه يتقن اللغة الإنجليزية ويقدم دروس بها عبر الإنترنت، وبدأ بتعلم اللغة الفرنسية ويأمل أن يتقنها في وقت قريب. ولسليم الكثير من المشاركات في الفعاليات والمنصات المحلية والدولية، كما شارك في عدد من الأفلام القصيرة التي حازت بعضها جوائز عالمية.

وفي نهاية العام الماضي حصل سليم على جائزة مليار عمل سلام الدولية متفوقاً على عشرات الآلاف من المتقدمين على حد قوله.

أما أحلام وطموحات سليم فيعتقد أنها مرحلية

حيث يقول: “كل ما أكبر أجد أن حلمي يكبر معي وبإمكان الشخص تحقيق أكثر من هدف، فمثلاً بعد فقدان بصري كنت أحلم بأن أتقن اللغة الإنجليزية وذلك لأتكلم مباشرة مع الأجانب الذين كانوا يزوروني وها أنا حققت ذلك الهدف وصرت أتكلم الإنجليزية بكل طلاقة

وختاماً: يوجه سليم رسالة إلى المجتمع طالباً منهم أن يتركوا نظرة الشفقة والرحمة المبالغ فيها ويقول: “اتركوا لذوي الإعاقة فرصة ليثبتوا أنفسهم بأنفسهم ويتبوؤوا المكان الذي يستحقوه” ولزملائه ذوي الإعاقة يقول سليم: “لا تنتظروا أن تكون هناك معجزة لتغير هذا المجتمع فعليكم أن تكونوا أنتم المؤثرين في تغييره ولا تجعلوا دوركم مقتصر على الحصول على المساعدات أو طلبها

فيديو خطاب سليم الحرازي في TEDXصنعاء 2017