خاص:إبراهيم محمد المنيفي /
قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مطلع هذا العام إن اليمن بقيت في عام 2020 أسوأ أزمة إنسانية للعام الرابع على التوالي وإنها تتوقع تفاقمها في هذا العام.وعلى الرغم من أن معظم اليمنيين قد تأثروا سلباً بالحرب الدائرة منذ سبعة أعوام على التوالي إلا أن ذوي الإعاقة من أكثر الفئات تضرراً من الحرب، حيث أدت أعمال الصراع والعنف إلى أكثر من 92 ألف إعاقة جديدة خلال الثلاث السنوات الأولى للحرب بحسب الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين لينظموا إلى أربعة مليون ونصف المليون معاق في اليمن.
كما أدت الحرب إلى إغلاق وتعطل أكثر من ثلاثمائة مؤسسة من مؤسسات ذوي الإعاقة تأثرت مباشرةً بالقصف الجوي والصاروخي أو الاعتداء والحرق والنهب من قبل بعض الجماعات المسلحة بحسب تقرير للمركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة نشر في 30 مايو 2021 بعنوان: (حرب اليمن: قصف ونهب وحريق لمؤسسات ذوي الإعاقة).
رحلات نزوح شاقة ومتكررة. نتيجة لوجودهم في مناطق التماس أضطر بعض المعاقين للنزوح إلى مناطق آمنة بعيداً عن المواجهات المسلحة، لكن رحلة النزوح كانت مليئة بالمتاعب والمآسي لذوي الإعاقة عموماً والنساء ذوات الإعاقة بشكل خاص.
عبير شابة عشرينية أصيبت ببتر في قدمها بسبب لغم أرضي في نهم شرق صنعاء أضطرت للنزوح ثلاث مرات عانت خلالها الكثير من المصاعب، تقول عبير: “لقد قُتل أبي وإثنين من أخوتي، وبقيت أنا وواحد من أخوتي هو من تبقى لي بعد الله” وتضيف عبير: ” انتقلنا لمخيم الخانق في نهم لكن وبسبب زحف الحرب أضطرينا للنزوح مرة أخرى إلى مخيم (الزبرة) بمحافظة مأرب، وبعدها مرة ثالثة إلى مخيم (السويداء) في نفس المحافظة” .
وتقول ذكرى 24 عاماً أنها أصيبت بالشلل النصفي بعد قصف منزلها من قبل الطيران في حي ثعبات بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن، وتضيف: “لقد كان ذلك اليوم أسوأ يوم في حياتي حيث قُتل والدي وأحد إخواني فيما أصيبت والدتي بجروح بالغة وخطيرة وهي الآن مصابة بمرض السكر نتيجة ذلك القصف، ورقدت في المستشفى حوالي أسبوعين لأخرج منها بكرسي متحرك وأمارس حياة لم أألفها ولم أتخيلها أو أحلم بها في أسوأ الكوابيس”.
وتستطرد ذكرى قائلة: “انتقلنا بعدها لمنزل أحد أقاربنا في نفس المحافظة لكن الحي الذي نزحنا إليه تعرض للقصف المدفعي من بعض الجماعات المسلحة ثم الطيران فنزحنا مرة أخرى ولكن إلى محافظة إب هذه المرة” .تقول ذكرى للـ MCPD : ” لقد كان قرار أهلي بحملي معهم قراراً شاقاً ومتعباً للغاية فهم لم يحملوا معهم أياً من حاجات المنزل الثقيلة واكتفوا بأخذ الحاجات الخفيفة، لقد رأيت الإرهاق والتعب على وجوههم وهم ينقلوني من منزل لآخر ومن سيارة لأخرى، لقد شعرت بكم المشقة التي تسببت بها لعائلتي رغم أنهم لم يعبروا عنها لكني أحسست بها” .
ذوات الإعاقة في مخيمات النازحين
قالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان نهاية فبراير شباط الماضي إن عدد النازحين في اليمن تجاوز الأربعة مليون نازح دخلياً ، ومعظم النازحين يتواجدون في محافظة مأرب شرق اليمن بحسب تصريحات نجيب السعدي رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن لموقع DW الألماني نهاية مايو/ آيار الماضي حيث قال السعدي:”إن مأرب تأوي مليونين ومائة وأربعة وتسعون ألف نازح ونازحة منذ العام 2014 وحتى العام 2021، وتعتبر مأرب أكبر تجمع للنازحين بنسبة 60% من إجمالي عدد النازحين في اليمن”.
ومن بين مئات آلاف النازحين يوجد الآلاف من النازحين والنازحات من ذوي الإعاقة موزعين على نقاط النزوح المختلفة أو نزحوا إلى محافظات ومدن أخرى للسكن مع أقاربهم أو البحث عن عمل.يقول أحمد القفيلي ، مسؤول الرقابة ومنسق الحماية في وحدة إدارة مخيمات النازحين بمأرب إن الوحدة وثقت 156 حالة لنساء وفتيات نازحات من ذوات الإعاقة في مأرب ، ويضيف القفيل للـ MCPD : ” إن النازحات من النساء يعانين من ظروف صعبة وعدد كبير منهن تعرضن للإعاقة بسبب الحرب” وأوضح القفيلي بأنهم في الوحدة يوجهون شركاء العمل الإنساني بالفعل لتقديم مشاريع سبل عيش وأخرى تنموية مخصصة لشريحة ذوي الإعاقة والنساء ذوات الإعاقة بشكل خاص.
وفي منتصف يونيو / حزيران الماضي افتتح مسؤولون في ذات المحافظة مخيم الإحسان بمنطقة الجفينة بتمويل من فاعلة خير قطرية، وقال القائمون على المخيم إن المشروع خاص بالنازحين ذوي الإعاقة الحركية وأنه بني وفقاً لمواصفات تراعي إمكانية الوصول وإن المخيم يتكون من ست عشر وحدة سكنية تتكون الوحدة من غرفتين وحمام ومطبخ.
وعلى الرغم من أن النزوح بحد ذاته مأساة إلا أن بعض النساء ذوات الإعاقة لم يستطعن النزوح من مناطق الحرب بسبب صعوبة فرارهن أثناء القصف كما أشارت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته نهاية عام 2019 بالتزامن مع اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة في الثالث من ديسمبر / كانون الأول.
وقد أفاد مواطنون للـ MCPD أن العشرات من ذوات الإعاقة تركن في بعض مناطق الصراع المسلح بسبب الهلع والفوضى التي صاحبت فرار المواطنين أثناء القصف.
تجاهل المنظمات الدولية والحقوقية للنازحات ذوات الإعاقة
تغيب قضية النازحين والنازحات ذوات الإعاقة عن تقارير المنظمات الحقوقية وأعمال المنظمات الإنسانية في اليمن بشكل واضح حيث تعاني النازحات ذوات الإعاقة من صعوبات وانتهاكات بالجملة أثناء النزوح وبعده ولكن لا يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام بصورة كافية ، وقد وثقت دراسة بحثية ميدانية قام بها المنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة نهاية العام 2017 حول العنف الموجه ضد النازحات من النساء ذوات الإعاقة شملت 280 نازحة أكدت على تعرض النازحات ذوات الإعاقة للعنف بنسبة 59.3 وذلك بشتى صوره.
وقالت الدراسة التي شملت خمس محافظات هي: (أمانة العاصمة، إب، الحديدة، الضالع، عمران) إن أكثر أنواع العنف الموجه ضد النازحات ذوات الإعاقة هو العنف النفسي كالإهانات والسخرية والتهديد والحرمان والتحقير وعدم الاهتمام، يليه العنف اللفظي كالألفاظ النابية والشتائم والسباب، وفي المرتبة الأخيرة العنف الجسدي والجنسي كالضرب والجروح والكدمات، أو التعليقات ذات الطابع الجنسي والملامسات والتحرشات وغيرها.
يقول فهيم القدسي (المدير التنفيذي للمنتدى اليمني للأشخاص ذوي الإعاقة): “إن الدراسة هي الأولى من نوعها في اليمن وتنبع أهميتها من كونها سلطت الضوء على قضية مسكوت عنها بل ويعد الحديث عنها من المحرمات كباقي مواضيع المرأة الحساسة في المجتمع اليمني” .وفيما يخص العنف الجنسي ضد النازحات ذوات الإعاقة يقول القدسي للـ MCPD : ” إن هناك بعض التحرجات من عينة الدراسة لكن القليل أشرن فعلاً لوجود تلميحات جنسية وتعليقات وملامسات ذات طابع جنسي، لكنها قليلة بحكم أن المجتمع اليمني مجتمع محافظ ويجرم مثل تلك الإعتداءات بشكل كبير”.
وعلى الرغم من المآسي التي تواجه النازحات ذوات الإعاقة إلا أن المنظمات الحقوقية والعاملة في المجال الإنساني لا تأخذ قضيتهن في الاعتبار أثناء الرصد والتوثيق الذي تقدم بموجبه خدمات الحماية والاستجابة الإنسانية.في اتصال بمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان قالت نورية الحسيني، مسؤول الإعلام والتواصل في المنظمة للـ MCPD : ” نحن نوثق الانتهاكات بشكل عام ولا نفرد بيانات خاصة بالنساء ذوات الإعاقة بمعنى إذا وجدناهن أثناء الرصد فإننا نتعامل معهن كأي حالة”.
وعن اعتقادها حول إذا ما كانت المنظمات الحقوقية الأخرى توثق الانتهاكات التي تتعرض لها النازحات ذوات الإعاقة قالت نورية الحسيني إنها لا تعلم عنها وإن منظمة مواطنة ستوثق أي انتهاك على أي كان دون تمييز.
ولكن منظمة العفو الدولية في آخر تقرير لها نهاية العام 2020 قالت إن الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن لا يزالون يواجهون الإقصاء وعدم المساواة والتمييز والعنف الممنهج ، واتهمت السلطات والمنظمات الدولية والدول المانحة بالفشل في ضمان حقوق ذوي الإعاقة وتلبية احتياجاتهم.وفيما تعتبر حالة النزوح خياراً اضطرارياً وصعباً يفرض على المدنيين في مناطق النزاع المسلح إلا أنه خياراً صعباً ومرهقاً أكثر على الأشخاص ذوي الإعاقة وأشد صعوبة وإرهاقاً وتكلفة على النازحات ذوات الإعاقة بسبب النظرة القاصرة من المجتمع تجاههن كنساء أولاً وذوات إعاقة ثانياً مما قد يعرضهن لصعوبات وانتهاكات كبيرة وكثيرة يصعب رصدها وتقصيها في مجتمع محافظ كالمجتمع اليمني.