الحلقة العاشرة
حرية الرأي والتعبير لذوي الإعاقة وحصولهم على المعلومات
حرية الرأي والتعبير لذوي الإعاقة وحصولهم على المعلومات
معرفة الحقوق، والوعي بأهميتها والدفاع عنها هي الخطوة الأولى للحصول عليها.
انطلاقاً من تلك الحقيقة فقد نظ نا في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة MCPD للوحدة الرابعة من كتاب الوطنية للصف السابع طبعة 2022 بعين الجد كونها تتحدث عن الأشخاص ذوي الإعاقة، ووضعناها موضع التحليل والدراسة الموضوعية والمتخصصة آخذين في الاعتبار فلسفة التربية والتعليم في اليمن والأسس التي تستند إليها، وكذلك القوانين واللوائح المحلية الخاصة بذوي الإعاقة ومواءمتها مع الاتفاقية الدولية لذوي الإعاقة التي صادقت عليها اليمن، وجميعها تؤكد على النهج الحقوقي في تناول ومقاربة قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة.
وعليه فإننا بعد الدراسة الفاحصة للوحدة الدراسية المذكورة قد وجدنا الكثير من الأخطاء التي تقصيناها واحداً واحداً، ورفعنا مذكرة تفصيلية لإدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم بصنعاء ذكرنا فيها “الخطأ، وتصويبه، والمرجع القانوني أو العلمي للتصويب، وذكر الصفحة، وكيف يجب أن يكون التصويب استناداً للقوانين المحلية والمواثيق الدولية والمراجع العلمية المحكمة ذات الصلة”
وقد استقبلت إدارة المناهج بالوزارة ممثلة بالدكتور –ضيف الله الدريب، مذكرة المركز بالإعجاب والترحيب، وتم التوجيه للمختصين بتوقيف الطباعة ومراجعة المذكرة واستيعاب مضامينها.وبعد نزول الطبعة الجديدة للأسواق طبعة 2023-1444 بادرنا في المركز لدراسة الوحدة المذكورة مرة أخرى دراسة متأنية ومتخصصة كما فعلنا سابقاً.
واتضح لنا أن إدارة المناهج قد استوعبت الكثير من التصويبات والتعديلات التي رفع بها المركز الإعلامي لذوي الإعاقة، مثل ضبط المصطلحات، والتناول الحقوقي لبعض قضايا ذوي الإعاقة، وذكر أسماء بعض المؤسسات التي لم تُذكر في الطبعة السابقة مقابل حذف ما أوصى المركز بحذفها بسبب إغلاقها وعدم تواجدها في الميدان، والتأكيد على أن الإعاقة اختلاف وتنوع وليس عجز ومرض، والكثير من المضامين الحقوقية التي سنشاركها معكم من خلال موقعنا على الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي حرصاً على أن تعرفوا –ماهي الأخطاء التي تم تصويبها بالتحديد، وما أهميتها.
وفي غمرة احتفائنا بهذا النصر الحقوقي الذي أحرزه المركز الإعلامي لذوي الإعاقة وإيجابية إدارة المناهج في الوزارة لا يفوتنا التأكيد على التالي باختصار:الإشادة بتوجه وزارة التربية والتعليم لتضمين موضوعات ذوي الإعاقة في المنهج المدرسي، والذي نتطلع ألا يقتصر على كتاب واحد في فصل واحد لتعميم الخبرة والتجربة لدى التلاميذ بحق فئة تمثل 15% من السكان.
أن هناك الكثير من الأخطاء أيضاً لم يتم استيعابها وتصويبها، وهي تحتاج إلى فريق من المتخصصين ومشاركة ذوي الإعاقة أنفسهم انطلاقاً من مبدأ “لا شيء يعنينا بدوننا”.نحث مؤسسات الأشخاص ذوي الإعاقة أن تطلع بدورها في تقصي صورة ذوي الإعاقة في المنهج المدرسي، ونأمل أن تدعم خطوة المركز بتأييدها والبناء عليها لخدمة ذوي الإعاقة بكافة شرائحهم، فالمنهج المدرسي يُدرس لمئات الآلاف من الطلاب في الكثير من المحافظات ويجب أن نهتم جميعاً كمؤسسات ذوي إعاقة بما يُقدمه المنهج عن شريحتنا.
خاص : إبراهيم محمد المنيفي /
الأولى على الجمهورية في الثانوية العامة رغم رسوبها في إحدى المواد، بل أنها تُدرٍس طلاب الجامعة تلك المادة التي رسبت بها في الثانوية العامة.
من هذا العنوان الحقيقي الذي يبدو ساخراً ومتناقضاً انطلقت بطلتنا تشق طريقها، وتضع النقاط على الحروف، انطلقت بطلتنا وأثبتت أن مثل هكذا تناقض فج ما كان له أن يكون لولا تصورات مسبقة وقاصرة عن المكفوفين، إلا أن بطلتنا كسرت سجن التصورات المسبقة وأثبتت أن المكفوفين يستطيعون فعل الكثير إذا لم تسجن قدراتهم وإمكانياتهم تصورات المسؤولين وأصحاب القرار.
لم تسلط وسائل الإعلام اليمنية الضوء كثيراً على بطلة قصتنا رغم تفرد قصتها وما تمثله من إلهام، وربما لأن بطلتنا مشغولة بالأفعال وليس لديها رفاهية الوقت لتتكلم كثيراً، فتعالوا نتعرف عليها في السطور التالية:
هي – انتصار حمود العريق.
من مواليد 1994م، مديرية بني مطر جنوب صنعاء.
كفيفة منذ الولادة، فقدت ما كان لديها من بقايا بصرية في التاسعة من عمرها عند ارتطامها بجزء حاد في أحد أبواب المنزل.منذ البداية كانت أسرة انتصار على قدر كبير من المسؤولية والاهتمام، فقد بادر والدها للبحث عن إمكانية العلاج داخل اليمن وخارجها، ولم تستعِد انتصار نور عينيها، إلا أن أسرتها الجميلة المكونة من والدها ووالدتها، وأخواتها الثلاث، وأخوها نصر، كانوا هم عيونها التي لم تخذلها يوماً كما تقول.عاشت انتصار طفولة هادئة ومستقرة لا تخلو من مغامرات الطفولة الشقية والرائعة، ولم تشعر بأن هناك فرق بينها وبين أخواتها أو قريناتها من الفتيات الصغار.
في السابعة من العمر عام 2001-م التحقت انتصار بمعهد الشهيد فضل الحلالي التابع لجمعية الأمان للكفيفات التي أسستها الراحلة – فاطمة العاقل،رحمها الله، كأول جمعية ومدرسة للكفيفات في اليمن.وفي المعهد تعلمت انتصار مع زميلاتها الكفيفات مبادئ طريقة برايل التي يستعملها المكفوفون للقراءة والكتابة، بالإضافة للمنهج الدراسي.
وعملاً بفلسفة دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، يوزع المعهد طالباته الكفيفات على مدارس التعليم العام القريبة من منازلهن، أما انتصار فقد كانت محظوظة بأختها التي كانت تدرس معها في نفس الصف، ولم تواجه أي مشاكل تُذكر فقد كانت المناهج تطبع بطريقة برايل من جمعية الأمان للكفيفات بحكم استقرار المقرر الدراسي.
سطع نجم انتصار في مدارس الدمج وكان يُشار إليها بالبنان، إلا أن قرار وزارة التربية والتعليم إعفاء المكفوفين من مادة الرياضيات ابتداءً من الصف السادس فما فوق حرمها لذا المنافسة، وككل المكفوفين حُرمت انتصار حوالي 14% من درجات المعدل العام في شهادة الصف التاسع الأساسي بسبب قسمة مجموع الدرجات على 7، وهو ما يعني أن القسمة تتم حتى على مادة الرياضيات التي أعفت الوزارة منها المكفوفين.تكررت المشكلة في الثانوية، ولكن هذه المرة ليست ثانوية عامة فقط بل أن الوزارة قد رسبت انتصار في مادة الرياضيات.
ذهبت انتصار إلى الوزارة محتجة، وهناك خاضت نضالاً كبيراَ وترافعت باسم مكفوفي اليمن في الثانوية العامة، وبعد قسمة مجموع الدرجات على 7 وهي كل مواد الثالث الثانوي قسم الأدبي عدا الرياضيات كانت المفاجأة، لقد حصلت انتصار العريق بعد اتزان ميزان العدالة على المركز الأول مكرر على مستوى الجمهورية اليمنية، لقد انتصرت انتصار وكان جديرٌ بها ذلك النصر البهيج، وأصبحت أول كفيفة تحقق ذلك المركز، كان ذلك في العام 2012-2013م.
تترقى انتصار في سلم المجد، وتقرر أن تتخصص في إدارة الأعمال بإحدى أرقى الجامعات في اليمن، وكانت من أوائل المكفوفين الذين خرجوا عن التخصصات التي عُرِفوا بها كالإسلامية، واللغات، وعلم الاجتماع وغيرها.
ذلك الإصرار وتلك الجسارة كان لها ثمن من جهد ومشقة وسهر الليالي الطوال، إذ كانت المناهج مطبوعة بطريقة برايل قليلة جداً، كذلك المناهج المسجلة صوتياً لأنها دخلت تخصص كان تواجد المكفوفين فيه نادراً، وكانت أبرز مشكلة رفض معظم الدكاترة توفير المقررات بصيغة إلكترونية لتقرأها بواسطة البرنامج الناطق على الكمبيوتر أو تقوم بتحويلها إلى طريقة برايل، تقول انتصار: “لقد رفض معظم الدكاترة منحي نسخ إلكترونية خشية الحقوق الفكرية، رغم أنني استعديت أن أوفر أي ضمانات لعدم تسرب تلك النسخ، ما جعلني أسجل المحاضرات ثم أفرغها في المنزل إلى طريقة برايل وكان ذلك الأمر غاية في الإرهاق والتعب”.
في نهاية البكالوريوس وقفت انتصار مكللة بعقود الفل على منصة التكريم، فقد كانت الأولى على دفعتها وعلى مستوى القسم بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
في ذلك اليوم أحمرت الأيدي من التصفيق للكفيفة التي قهرت كل الصعوبات وتحدت ما كان مستحيلاً يوماً ما، وكانت انتصار تهمس في داخلها وتقول: “الأيدي التي امتدت إلي بداية المشوار خيراً من هذه التي تصفق، من أعطاني كتاباً إلكترونياً أثناء دراستي أكرم ممن أهداني عقد الفل اليوم”.
في قمة الانبهار أثناء الحفل، تقدم أحد رجال المال والأعمال عارضاً على انتصار العمل بإحدى شركاته، كيف لا والأذكياء ثروة يتسابق عليها الجميع.
لقد ذهبت انتصار حاملةً مؤهلها المشرف ومعه طموحها في فرصة عمل تناسب تخصصها الذي أحبته بشغف، كان المدير صادقاً في وعده لكن مديرة الحسابات رفضت تماماً أن تعمل كفيفة في إدارتها، وبعد عرقلة استطاعت تلك المديرة أن تحرم انتصار فرصة العمل، لكنها لم تستطع كسر إرادتها.
حينما سألت انتصار متى شعرتي بإعاقتك؟
أجابت بألم: “لم أشعر بإعاقتي من قبل فقد كانت أسرتي نعم الأسرة، والكثير من الصعوبات تخطيتها بفضل الله والكثير من الجهد والتعب، لكنني لن أنسى ما حييت حينما تقدمت للعمل في إحدى الجامعات الخاصة، لن أنسى ذلك الموقف السيئ حينما كنت أقدم ملفي للمسؤولة المختصة وكان رئيس الجامعة يقف خلفي، فأشار للمسؤولة أن تحيلني إليه” تتابع انتصار سرد الموقف: “سألني بسخرية وهو يضغط على مخارج الأحرف: “أّنتي تتوظفي عندنا!، خلي بالك لا يمكن أقبلك عندي حتى متطوعة ولا متدربة، جامعتنا جديدة وتريدي أن يقولوا ما وجدنا غير كفيفة تشتغل عندنا”انصدمت انتصار، وحاولت أن تسجل موقف ترد فيه اعتبارها فقالت بثقة: “على الأقل انظر ملفي”
ينظر باستهتار فيرى!!، الأولى على الجمهورية في الثانوية العامة، الأولى على القسم مع مرتبة الشرف، العديد من الدورات التدريبية في الإدارة، والسكرتاريا التنفيذية، دورات في مجالات مختلفة، يرفع بصره إليها: “طيب تعالي متطوعة شهرين وسنرى”، تنتصر انتصار لكبريائها وترد: “لو قبلتني براتب مليون دولار لا يشرفني العمل لديكم” وتغادر.
مواقف سلبية كادت أن تستسلم لها انتصار، إلا أنها ذات يوم قررت أن تعيد التجربة في جامعة المستقبل – نذكرها بالاسم لتعميم النماذج الإيجابية والمشرقة، قدمت هناك ملفها واستقبلها المسؤولون بتقدير وترحيب كبير، ووضعوها أمام اختبار لم يكن سهلاً لأنها ستدرس مادة محاسبية تطبيقية. قبلت انتصار التحدي وأثبتت وجودها، تقول لل-MCPD: “كان أمامي في أول محاضرة 180 طالب وطالبة، لقد كان الموقف رهيباً بالفعل”.
تجيد انتصار التعامل مع عدة أنظمة محاسبية، ودرست في الجامعة مادة المبادئ المحاسبية، ومادة نقود وبنوك، ومادة بحث علمي، وأشرفت على عدة أبحاث تخرج.
انتصار قصة طموح لا تنتهي، وإرادة عصية على الانكسار، تفرغت مؤخراً من التدريس وترقت مساعد أمين كلية العلوم الإدارية بالإضافة لعملها سكرتاريا في نفس الكلية بكلما تتطلبه من أعمال، وهي على وشك انهاء رسالة الماجستير في نفس التخصص.
خاص : ميادة العواضي /
ككل نساء وفتيات اليمن وبسبب تداعيات الأوضاع الاقتصادية تحترف بعض الكفيفات صناعة البخور والعطور، وصناعة الحقائب الجلدية، والأحزمة، والمباخر وغيرها، إذ تقوم الكفيفات بكل تلك المنتجات وتسويقها من المنزل عند الأقارب والجيران وفي المناسبات الاجتماعية اللواتي يحضرنها، لكن لم تكن حركة البيع بالاستمرار والديمومة المطلوبة، لذلك قررت 15 فتاة من الكفيفات فتح محل لبيع منتجاتهن بشكل جماعي في سوق “الزهراوي” وهو أحد أشهر الأسواق الشعبية بأمانة العاصمة صنعاء، وأطلقن على المحل اسم “أنامل كفيفات”.
فتح محل لبيع منتجات وحرف الكفيفات جاء بدعم وتشجيع من مبادرة “كوني قوية” إحدى المبادرات النسوية الفاعلة في الساحة، بالاشتراك مع جمعية الأمان لرعاية الكفيفات.
تقول أسمهان الإرياني، إحدى مؤسسات المبادرة: “إن فكرة المشروع جاءت من إدراك القائمات على المبادرة بأن ذوي الإعاقة وخصوصاً النساء منهم هن أكثر الفئات تضرراً من الحرب الدائرة في البلاد، ولا سيما بعد تقليص المنظمات لدعمها وعدم اهتمامها بمشاريع التمكين الاقتصادي لهذه الفئة”
وعن آلية تنفيذ المشروع تقول أسمهان: “إن المشروع مر بعدة مراحل، وكانت المرحلة الأولى هي العمل على التوعية للحد من العنف على أساس النوع الاجتماعي وذلك لما تتعرض له الكفيفات من إقصاء وتهميش قد يصل إلى العنف، وجعل التمكين الاقتصادي أحد أهم استراتيجيات الحد من العنف ضد الفتيات والنساء ذوات الإعاقة”، وتضيف أسمهان: “ركزنا على أسر الكفيفات وتوعيتهن بأهمية تشجيعهم لفتياتهم، وكيفية التعامل مع احتياجاتهن، وقد لمسنا التغيير الإيجابي في هذا الجانب”
وبحسب أسمهان فقد تم تدريب المستهدفات وعددهن 15 كفيفة على إدارة المشاريع الصغيرة، وكيفية اختيار المشروع المناسب، وكيفية التسويق له سواءً بطريقة مباشرة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي،ومن ثم كانت المرحلة التكميلية وهي دعم مشاريعهن بالمال وتدريبهن على كيفية الترويج لها.
تقوم مجموعة من الكفيفات بالإشراف على المحل الذي يحتوي على مجموعة من البضائع كالبخور، إكسسوارت، ملابس نسائية، ملابس أطفال، عطور وغيرها.
تعبر عفاف أحمد، إحدى المنتجات الكفيفات، عن سعادتها بخروج المشروع إلى الضوء، ووصفت المشروع بأنه رائع ويمثل حلم جميل لكل كفيفة من الكفيفات المنتجات اللواتي يأملن في أن يستطعن الاعتماد على أنفسهن وتمكينهن اقتصادياً على حد تعبيرها، وتقول عفاف: “هذا المحل هو نتاج سنة كاملة من الإعداد والتدريب، واليوم يقمن المشاركات بهذا المشروع بإنجاز المنتجات والحرف في بيوتهن ثم يأتين بها إلى محل أنامل كفيفات ليتم توزيعها وتصنيفها، وكتابة الأسعار عليها، ثم بيعها بأسعار منافسة في السوق”.
من جهتها تقول رحمة الحربي، إحدى المنتجات الكفيفات، إنها شاركت الأسبوع الماضي في ورشة عمل تدريبية مكثفة أقامتها مبادرة كوني قوية لغرض تدريب المنتجات على كيفية إنشاء صفحات وحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي وترويج منتجاتهن من خلالها، ودعت رحمة إلى المزيد من المشاريع الهادفة إلى تمكين ذوي الإعاقة اقتصادياً وتحسين نوعية حياتهم.
وأشارت فاطمة الكبسي، إحدى مؤسسات مبادرة كوني قوية إلى أهمية ورشة العمل التي أقامتها المبادرة لزيادة العملاء، ومعرفة ردود أفعال الزبائن، كما وعدت بمتابعة المبادرة لصفحات المشاركات التسويقية وتشجيعها.
الجدير ذكره أن منصتي 30 أجرت نهاية يوليو تموز الماضي استبياناً حول المشاريع المنزلية للنساء وهل يعطيهن استقلالية مالية؟، شارك فيه 1070 مشارك ومشاركة.
قال 51% من المشاركين أنهم جربوا القيام بمشاريع صغيرة من المنزل، وبالنظر لمتغير الجنس فقد جربت 63% من النساء القيام بمشاريع صغيرة منزلية مقارنة ب44% من الذكور.
واتفق 91% من المشاركين في الاستبيان من الجنسين أن المشاريع الصغيرة تمكن النساء من الاستقلال اقتصادياً.
وتعتبر الحرب وما خلفته وما تخلفه من أزمات مستمرة وتزداد يوماً بعد يوم هو السبب الأول للجوء النساء اليمنيات للمشاريع المنزلية بحسب 65% من المشاركين في الاستطلاع.وقال 35% أنهم يثقون بالمنتجات المحلية، وهي نسبة لا بأس بها خصوصاً إذاما اتضح أنها أكثر من نسب أخرى نشرت في أعوام سابقة.
في مطلع التسعينات في مديرية بلاد الروس التابعة لمحافظة صنعاء والتي تُبعد عنها 32 كيلو متراً، كانت فاطمة مجاهد الحاج، الطفلة ذات الاثنا عشر عاماً تشارك صديقاتها اللعب بكل براءة، وفي كل صباح تحمل حقيبتها معهن ذهاباً إلى المدرسة، ولا تخلو رحلة الطريق من بعض مشاكسات الأطفال المعروفة.
ولكن ذات يوم افتقدن الفتيات صديقتهن فاطمة فلم تحضر معهن إلى المدرسة، وتبع اليوم أيام والفتيات يتساءلن “لماذا غابت فاطمة؟ ترى هل تركت المدرسة كالكثير من الفتيات اللواتي يمنعهن أهاليهن من مواصلة التعليم!؟ إنه أمرٌ مؤسف”
في منزل فاطمة كان الأمر مختلف، إن فاطمة طريحة الفراش تعاني الحمى التي تشتد بها أكثر وأكثر.
تجلس أم فاطمة بجوار ابنتها وتضمها إلى صدرها بحنان، وتضع لها بعض الكمادات الباردة، غير أن درجة حرارة جسمها لا تنخفض، فتقف الأم حائرة وتكف عن المحاولة اعتقاداً منها أنها حمى موسمية ولابد أنها ستزول، وما لم تكن قد سمعت بها الأم من قبل هي “الحمى الشوكية” وهذا ما جرى لفاطمة للأسف.
لقد أصيبت فاطمة بحمى شوكية أورثتها إعاقة حركية شديدة، فتوقفت عن التعليم، إذ كيف ستذهب وتعود من المدرسة في قرية بضواحي صنعاء لا تتوفر فيها أدنى مقومات البيئة المناسبة لحركة الكرسي المتحرك، فضلاً عن عدم معرفة الأسرة لكيفية التعامل وماهي حاجات ابنتهم في وضعها الجديد.
ليست المشكلة أن تتوقف، المشكلة ألا تستعيد قواك وتواصل المسير، المشكلة ليست في أن يحل بك الظلام، المشكلة أن تستمر تلعنه ولا تبادر حتى لتضيء شمعة.
رغم توقف فاطمة عدة سنوات عن التعليم إلا أنها عادت بقوة وعزيمة كبيرة، فالتحقت بالمدرسة وهي في الخامسة عشر من عمرها، وهي اليوم تدرس في جامعة صنعاء تخصص إدارة أعمال طبية، وتؤكد لل-MCPD أن طموحاتها كبيرة وعالية فتقول: “أطمح أن أواصل الدراسات العليا في تخصصي وأنا واثقة من أني سأصل”.
ومن ناحية أخرى تعد فاطمة الحاج وجهاً معروفاً بين الرياضيات ذوات الإعاقة في اليمن، وتمارس كرة السلة منذ خمس سنوات ضمن نادي تدريبي على نفقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن.
تسكن فاطمة الحاج في سكن الطالبات التابع للجامعة، وتختلط بالطالبات القادمات من محافظات وبيئات مختلفة للتبادل معهن الخبرات والمهارات المختلفة.
وفي سكن الطالبات يجمع القدر بين فاطمة وأربع طالبات أخريات من ذوات الإعاقة الحركية التي تتفاوت إعاقتهن بين الشديدة والخفيفة، فيتشاركن الهم والقضية سوياً، ويكسرن غربة الأهل بألفة التلاقي عل القواسم المشتركة، قواسم طبيعة الإعاقة، والدراسة، والإعباء المترتبة على ذلك فيقرِرن اللقيام بعمل مشروع مشترك يقيهن ذل الحاجة والعوز، تقول فاطمة لل-MCPD: “قررنا عمل بعض المستلزمات الخاصة بالفتيات من عطور، وبخور، وزباد، كما أننا نقوم بصناعة المباخر وتطريزها، وصناعة أحزمة العسوب اليدوية (العسوب جمع عسيب وهو الحزام الذي يلفه اليمنيون حولهم وفي منتصفه أمام البطن خنجر يسمى الجنبية، وهو من أشهر الملبوسات الشعبية اليمنية)”، وتواصل: “كل ذلك من أجل الاعتماد على أنفسنا في تغطية مصاريفنا من رسوم السكن، والكتب، والتغذية، وغيرها من مصاريف الطالبات في الجامعة”
تقول فاطمة أنها وصديقاتها الأربع لم يستطعن فتح محل خاص بهن أو طرح منتجاتهن في محل، ولا يستطعن الذهاب للسوق بشكل عادي نتيجة كثرة العوائق والحواجز البيئية، ما جعلهن يطرحن منتجاتهن عبر مجموعات في تطبيق الواتساب وهو ما لاقى إقبالاً لا بأس به.
ويتحن للزبونات زيارتهن للسكن الذي يقمن فيه لمشاهدة المنتجات.
تتحدث فاطمة عن أهمية التعاون والتكامل وتؤكد أنها وزميلاتها يتكاملن في إنتاج وصناعة المنتجات ولا يحتجن لمساعدة فتيات أخريات خارج المجموعة.
وعن الإقبال على شراء المنتجات تقول لنا فاطمة: “أنا بالدرجة الأولى طالبة ودراستي هي الأهم، وهذه المنتجات والأشغال مشروع قمنا به حتى نتمكن من مواجهة أعباء ومصاريف الدراسة ولا أنكر أنه صار شغف، لذلك نهتم بجودة المنتج وإرضاء زبوناتنا من الفتيات، أما الإقبال على المنتجات فيختلف: فمن تشتري منا المرة الأولى تعود وتطلب مرة أخرى وربما أخبرت صديقاتها، هذا من جانب ومن جانب آخر تختلف حركة البيع باختلاف الموسم، فمواسم الأعياد لها منتجاتها، ومواسم الأعراس لها منتجاتها وهكذا”.
فاطمة وصديقاتها قصة إلهام وعصامية واعتماد على الذات جدير بها أن تكون نموذجاً يُحتذى، وجدير بمؤسسات ذوي الإعاقة أن تقف إلى جوارهن، وأما المجتمع فحري به أن يشجع مثل هكذا نماذج، فاطمة وصديقاتها لا يحتجن يد لتوقفهن فقد وقفن ويحتجن فقط إلى مساندة.
أما رسالة فاطمة فننقلها حرفياً تقول: “نحن قادرات على الاعتماد على ذواتنا، لا نمد أيدينا لأحد ولا نذل أنفسنا لمخلوق”، وتضيف: “إذا أردتم دعمنا فلا تعطونا مالاً نستهلكه فترة ثم ينتهي، بل ساعدونا لفتح مشاريعنا وتطويرها وعلينا الباقي”.