قارئ المقال
|
خاص : إبراهيم محمد المنيفي /
ضعوا أيديكم على قلوبكم وأعيروني دموع أعينكم مداداً لأروي لكم قصة وجع. أحذر في البداية أن تفاصيلها صادمة لذوي الأمراض والقلوب الضعيفة. خرج أحد الأشخاص في تعز بمنطقة حبيل سلمان بالقرب من جامعة تعز مديرية التعزية تحديداً ليرمي القمامة في المكان المخصص لها، وهناك رأى مشهداً وقفت له شعر رأسه، وظنه في البداية كابوساً أو وهماً غير أن الحقيقة أنه لم يكن كذلك، بل كان طفلاً لا يقوى على الحركة، يبدو في الخامسة من عمره مرمياً بجوار القمامة،يا إلهي ما كل تلك القسوة، يبدو الطفل هزيلاً مريضاً مصفر الوجه والحشرات تحيطه من كل جانب.
يقترب الشاهد العيان من الطفل فيراه عاجز حتى عن البكاء، ووسط أكوام القمامة يتنفس الطفل بصعوبة، وما أن يسمع صوتاً بجواره حتى يحرك يديه المرتعشتين باحثاً عن لقمة يسد بها رمقه. يكاد الشاهد العيان ينهار من هول الصدمة حينما يعرف أن الطفل من ذوي الإعاقة الحركية ولا يستطيع الوقوف، لكنه يستجمع قواه ويحمل الطفل إلى أقرب مقر شرطة، وتحيل الشرطة الطفل مباشرة إلى مستشفى الأطفال (المستشفى اليمني السويدي)، وفي المستشفى ينصدم الجميع من حالة الطفل، ويقرر الأطباء إحالته بصورة مستعجلة إلى العناية المركزة للحفاظ على حياته. في مكتب مدير المستشفى: يسأل المدير والطاقم الطبي مندوب الأمن عن اسم الطفل؟، ولماذا الأمن من جاء به وليس أهله؟، ولماذا الطفل بتلك الحالة المزرية؟!!! فما أن بدأ مندوب الأمن بشرح القصة حتى رفع الجميع أيديهم أمام وجوههم، واعتراهم الذهول، إذ كيف لقلب بشر أن يرمي طفلاً لا حول له ولا قوة بذلك الشكل المهين؟!!!
–حتى لو كانوا مجرمين فللإجرام حدود، ،لماذا لم يتركوه على الأقل بجوار مسجد، أو تحت شجرة وبجواره قليل من الطعام؟ لماذا تركوه في ذلك المكان القذر والمتعفن لتنهش الحشرات جسمه؟!!! أي قلوب يمتلك أولئك الناس؟!! يا الله والقهر. يا الله والوجع. -ترى كم من الوقت ظل ذلك الطفل المسكين مرمياً؟ كم صوتاً أفزعه؟ كم كيس قمامة وقع على رأسه الصغير؟ -ترى هل خمشت القطط وجهه البريء، وهل نهشت الكلاب جسده الهزيل الضعيف أم كانت أرحم به من البشر؟… رحماك يا الله، يا لإنسانيتنا المهدورة، يا لعذابات الضمير…
يقطع الذهول دخول إحدى الممرضات وهي تقول: “حالة الطفل مستقرة، لكن يجب أن يظل تحت المراقبة الطبية المباشرة ويتلقى بعض الأدوية فهو يعاني من سوء تغذي ة حاد، وقد تم تشخيص الطفل بأنه يعاني من ضمور دماغي وإعاقة حركية”
يتحمل مدير المستشفى القضية بكل ضمير ومسؤولية ويعتبرها قضيته شخصياً، ويتابع الطفل أولاً بأول ويأمر بتوفير الأدوية اللازمة على حساب المستشفى ، وهذا ما رواه لنا من تواصلنا معهم. -ولكن من سيتابع الطفل؟ وإلى أين سيذهب بعد تماثله للشفاء؟ أسئلة بدأ المتواجدون بطرحها خصوصاً أنه لا توجد مؤسسات تُعنى بمثل هذه الحالة، ولم تحتاج إحدى العاملات في المستشفى وقتاً طويلاً لتتقدم بكل شجاعة وتقول: “أنا أتبنى الطفل، ومن اليوم اعتبروه ابني وسأسميه محمد “، دهشة أخرى تعتري الحاضرين فالمتحدثة امرأة يعرفونها جيداً، إنها أم أسيل، نعم أم أسيل إحدى العاملات في المستشفى التي يعرف أغلب الموجودين ظروفها المادية الصعبة. نعم أم أسيل، قد تكون فقيرة المادة لكنها غنية الضمير والقيم والمبادئ.
نعم يا سادة لقد استجاشت عواطف أم أسيل وتجاسرت على ظروفها وتحملت مسؤولية طفل من ذوي الإعاقة المزدوجة العقلية الحركية فيما رمته أسرة معدومة الحياء والضمير، استثار الموقف الفاضلة أم أسيل بينما لم يرف جفن ولم ترمش عين لمسؤولي الدولة شمالاً وجنوباً يا للخجل. تواصلنا بأسيل الراهدي – وهي طالبة جامعية مستوى أول بكلية الإعلام في إحدى الجامعات — فأكدت لنا صحة الرواية، وقالت: “أعيش في البيت فقط أنا ووالدتي وأصبح عندي أخ جديد هو محمد الذي انضم لنا منذ شهرين وسنبذل ما نستطيع لرعايته والاهتمام به”
لا تنكر أسيل أن منظمات المجتمع المدني بتعز اطلعت بدور إيجابي معها هي ووالدتها في سبيل رعاية الطفل الذي أسمته والدتها محمد، لكنها تقول إنه ومنذ أكثر من شهرين لم تقدم لهم الجهات الحكومية شيئاً يُذكر.
تقول أسيل للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة MCPD إنها لا تعرف شيء عن مؤسسات ذوي الإعاقة من قبل، وتضيف: “بسبب دوام والدتي في المستشفى ودراستي في الجامعة قررت أن أصطحب أخي محمد معي في المحاضرات، وأتوجه بالشكر للدكاترة في كلية الإعلام الذين تقبلوا الأمر بشكل طبيعي وشجعوني عليه رغم الحركات اللاإرادية للأطفال ذوي الضمور الدماغي كما تعلمون”، وعن تأهيل محمد تقول أسيل: “لا أزال أبحث مع صديقاتي عن مؤسسة أو جهة تقدم التأهيل والعلاج الطبيعي الجيد لمحمد حتى يستعيد عافيته فهو مُتعَب جداً ومازلنا نعطيه بعض الأدوية وحمية غذائية لتجاوز سوء التغذية الحاد الذي يعاني منه”. هل عجزت كل الوزارات والجمعيات واتحادات المعاقين وصناديقهم ومنظماتهم وميزانياتهم الفلكية أن تؤمن مؤسسة ترعى الأطفال ذوي الإعاقة العقلية الذين يعانون أبشع صور الاستغلال والإجرام؟.
لقد توقفنا في المركز الإعلامي عن نشر المزيد من تفاصيل اغتصاب ثلاثة مجرمين في الخمسينات من العمر لطفل من ذوي الإعاقة الذهنية بعدن، لقد حصلنا على تفاصيل صادمة منها أن الطفل قد فقد توازنه ولم يعد يقوى على الحركة بشكل سليم بسبب كثرة الاغتصابات الذي تعرض لها من قبل أخواله الثلاثة بعد أن فقد أبويه ، -أين أبويه؟ ومن تواطأ مع أخواله؟ ومن الذي يتكسب بذلك الطفل المسكين؟، تفاصيل كثيرة وصلتنا توقفنا عن نشرها لأن الطفل لا يزال في أيدي غير أمينة ولا توجد مؤسسة يلجأ لها الطفل، وكلما استطاعت الدولة فعله هو أن البحث الجنائي بعدن قام بتصرف لا مسؤول وكشف عن قصة الطفل وسرب صوره فيما لم يتم أخذه من موقع الجريمة ولم يتأمن له المكان حتى اللحظة.
وقد اضطرينا في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة أن نتوقف عن النشر والمناصرة حتى نطمئن أن الطفل قد أصبح في مأمن، ومصلحة الضحية أولى من السبق الإعلامي. أخيراً نضع الجهات المسؤولة والمسؤولين أمام مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية تجاه ما يتعرض له ذوي الإعاقة بشكل عام وذوي الإعاقات الذهنية والعقلية بشكل خاص من انتهاكات جسيمة، ونطالب تلك الجهات وفي مقدمتها الاتحاد الوطني للمعاقين في صنعاء وعدن وفرع الاتحاد في تعز، وصندوق المعاقين في صنعاء وعدن وفروعه المتشاكسة في تعز، وكذا وزارتي الشؤون الاجتماعية بصنعاء وعدن ووزارتي حقوق الإنسان وجميع الوزراء والزعماء أن يضعوا حداً لتعذيب واغتصاب وقتل الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية والعقلية. كما نأمل من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والعاملة في حقل الحماية والاستجابة الإنسانية أن تساند أسرة أم أسيل، وأن تعمل على إيجاد دور إيواء لاستيعاب الأطفال ذوي الإعاقة الذين تتخلى عنهم أسرهم ومؤسسات ذوي الإعاقة.
ننوه أننا سنعتم صورة الطفل ولن نجاري وسائل الإعلام الأخرى في نشرها بتلك الطريقة.