كتب: إبراهيم محمد المنيفي، كاتب السلسلة ومدير التحرير في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة /
ما وراء الحرب؟
قصص وحكايات لم تُروى، روينا بعضها في المركز الإعلامي لذوي الإعاقة بلسان الضحايا أنفسهم.
مآسي كثيرة وجراح لما تندمل بعد، فأن تتحول إلى شخص من ذوي الإعاقة بين ليلة وضحاها ليس بالأمر السهل خصوصاً أنك لا تعرف عن الإعاقة أي شيء من قبل.
مؤلم أن تدفع الثمن في حرب عبثية لا ناقة لك فيها ولا جمل، والأكثر إيلاماً أن تكون أول ضحايا الحرب والأكثر خسارة وآخر من تفكر أطراف الحرب في إنصافه وحمل قضيته على محمل الجد:
سلسلة “ما وراء الحرب” تناولنا فيها عشر قصص وشهادات مباشرة من أشخاص أصبحوا من ذوي الإعاقة بسبب الحرب الدائرة منذ عام 2015 بغض النظر عن سبب الإعاقة أو الطرف المتسبب بها.
بدعم من مركز توجيه المبادرات الإعلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع للمركز الدولي للصحفيين قمنا في المركز بالتواصل مع الضحايا أو مقابلتهم بشكل مباشر والاستماع إلى شهاداتهم المروعة، وتلمسنا معهم منافذ للأمل وقصص للنجاح في تجاوز ظروف ما بعد الإعاقة، وتعرفنا عن قُرب عن كيف عاشوا الصدمة الأولى بعد الإصابة وكيف تعاملوا معها وصولاً لرسائلهم التي نوصي الجميع بقراءتها باهتمام فقد قمت بسرد القصص مكتوبة باللغة العربية، وترجمها الزميل العزيز ياسر محمد إلى اللغة الإنجليزية بشكل احترافي ومتميز، كما يمكنكم الاستماع إليها بسرد مختلف ومن زاوية أخرى في بودكاست “ما وراء الحرب” للزميل محمد ناصر الشماحي، حيث رواها صوتياً بأسلوب مختلف وشاركه الأبطال في رواية القصص، ورافقنا من الإشراف العام والمتابعة رئيس المركز الأستاذ – دارس البعداني،
وكانت القصص على النحو التالي:
- “قبل زفافها بيوم.. لماذا ترك العريس هذه الفتاة في تعز”
- “كمينٌ للطفولة في محافظة إب ينتهي بمأساة، فكيف يمكن إيقافها؟”
- “عبد الله حسين والبحث عن عمل بعد الإعاقة.. تحدي وجودي”
- “الآيسكريم أم تراجيديا الموت؟ من أفقد الطفلين البصر وقتل الثالث؟!”
- “الشاعر محمد الشامي.. أطفأت الحرب عينيه ولم تُطفئ مشعله”
- “تجاهل الأبطال خذلان وخيانة.. عبد الرحمن الضالعي نبيلٌ من زمن الحرب”
- “مأساة أسرة يمنية بصنعاء تهز ضمير الإنسانية.. أسرة الضبيبي والثمن الباهظ”
- “وفقد أحمدُ الابتسامةَ للأبد.. –فهل خطفها أصحاب الصور الجماعية؟”
- “لم يعد بهدية، بل عاد بنصف حضن.. علي ومأساة معاقي الحديدة”
- “من احتضان ميت إلى معانقة الحياة.. حسين الخشعي ومعادلة النجاح”
الحقيقة أن القصص كانت مليأة بالمفاجآت والأحداث، كما أن أبطال تلك القصص ظلوا على تواصل معنا ليخبرونا بالجديد في حياتهم سواءً على صعيد الآمال والأحلام أو على صعيد تجديد الوجع حيث أخبرنا بعضهم عن حالات إعاقات جديدة بمناطقهم حصلت أثناء العمل على السلسلة، وقالت لنا لبيبة أن والدتها تعرضت للقنص وظلت في العناية عدة أسابيع ولا ندري ما الذي جرى لها بعد ذلك.
لقد مرينا بلحظات من الوجع ونحن نستمع لبعض الشهادات ولا أستطيع وصف قسوة تلك اللحظات، لكنها مؤلمة ومفزعة وغاية في الصعوبة، صعب جداً أن يروي لك ضحية قصته ويعتقد أن بوسعك أن تقدم له شيء مادي أو أن بإمكانك أن توفر له طرف صناعي، صعب جداً أن تسمع أحدهم يبكي وهو يقول: “فقدت كل شيء ولم يعد لدي في الحياة ما أخسره لكن ما ذنب أطفالي يبقوا بلا تعليم وبلا مستقبل”، موجع جداً أن تخبرك إحداهن بالقول: “لا أستطيع النوم فديون الناس تقض مضجعي، وأحلم بلوح طاقة شمسية حتى أتمكن من الرؤية في بيتي ليلاً فأنا بغير ضوء”.
كم كان مجهد نفسياً وذهنياً ونحن نبحث عن ضحايا ليرووا لنا قصصهم ورغم أنهم كثيرون وبعشرات الآلاف لكن القليل جداً من يقبلون التحدث للإعلام خشية أن يتعرضوا لأذى لأي من أطراف الحرب.
أما النساء اللواتي أصبحن من ذوات الإعاقة بسبب الحرب فرغم أنهن دفعن ولا يزلن ثمناً مضاعفاً إلا أننا واجهنا صعوبات كثيرة في إقناعهن بالتحدث عن قصصهن لا سيما أننا نريد أن يكون جزء من سرد القصة بصوت أصحابها ما حال دون الوصول للكثير منهن.
وفي وطن مثخن بالجراح وتمزق نسيجه الاجتماعي كنا نتعرض لتحقيق مطول من بعض الأشخاص من قبيل: “من أنتم؟ ومن تتبعون؟، من أين أنتم؟، ولماذا الاتصال بي أنا تحديداً؟، ما ستكتبون لصالح من؟، ما الذي سأستفيد منكم لو قلت لكم قصتي؟”.
وأحدهم كانت إجابته صادمة ومؤلمة حيث قال لنا: “ما حصل قد حصل، ولن تستطيعوا أن تعيدوا لي ما فقدت وخلوها على الله بس” وأغلق الهاتف ورفض الإجابة على اتصالاتنا.
وختاماً نضع هذه السلسلة بين أيديكم كشهادة على فداحة الحرب في اليمن، ونأمل أن يأتي اليوم الذي يتم فيه إنصاف الضحايا والانتصار لحقوق ذوي الإعاقة عموماً.
كما نضع الدولة والمنظمات الإنسانية ومؤسسات ذوي الإعاقة أمام دورها الحقوقي والإنساني، وندعو لتبني قضية الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن منظومة حقوق الإنسان في اليمن وعدم تجاهلهم في أي حل أو تسويات مقبلة، ونتطلع إلى توسيع دائرة المناصرة لقضايا وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بحيث يشعر الجميع أنها قضيتهم وندرك أن هذا مشوار طويل ويجب أن نضعه هدف ونسعى مع جميع المؤمنين بحقوق ذوي الإعاقة وحقوق الإنسان عموماً لتحقيقه.