قارئ المقال
|
خاص : هشام سرحان /
تفتقر أرياف محافظة تعز ككل الأرياف اليمنية إلى المدارس الخاصة بالصم أو حتى المعلمين المجيدين للغة الإشارة ضمن المدارس الحكومية وهو ما يمثل حرمان لهم من أبسط حقوقهم وهو حق التعليم الذي كفلته القوانين والتشريعات المحلية والعالمية، كما أن حرمان الصم من حق التعليم يزيد من عزلتهم ويحد من اندماجهم في المجتمع وحصولهم على فرص العمل والقدرة على تحقيق ذواتهم والاعتماد على أنفسهم يقول أولياء أمور ونشطاء للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة.
العمل بأجر زهيد مقابل العيش
الشاب محمد حميد، 27 عاماً، والمولود في أحد أرياف تعز النائية يلازمه الصمم منذ الولادة، حُرم من التعليم ولا يستطيع التعامل مع الهاتف المحمول وحتى لا يعرف لغة الإشارة عدا إشارات بسيطة لتسيير حياته اليومية.
في مثل هكذا بيئة فكل ما يجيده حميد هو استغلال قواه الجسدية لحمل الأثقال والأحجار ومتطلبات البناء وذلك مقابل أجر زهيد كما فهمنا من خلال تلميحاته واشاراته التي تعلمها من خلال احتكاكه بأسرته والمجتمع المحيط.
كيف يشخص المعنيون المشكلة؟
مدير مؤسسة بسمة حياة لذوي الإعاقة عادل دحان، يلفت إلى عدم توفر معلمين بلغة الإشارة للمقررات الدراسية عموماً ومواد الكيمياء والأحياء خصوصاً وهذه الصعوبات تواجه ذوي الإعاقة في مدينة تعز فضلاً عن أريافها كما تتفاقم المشكلة في ظل عدم اعتماد مكتب التربية لمدرسين بلغة الإشارة ومناهج مكيفة حسب الدحان الذي يضيف: “لا يستطيع الصم في الأرياف الوصول إلى الخدمات التعليمية والمساعدات الدراسية التي يقدمها صندوق رعاية وتأهيل المعاقين
في تعز إلى جانب التنمر والعنف المجتمعي والفوارق التي يضعها المجتمع بينهم وبين أقرانهم الأطفال”
الانتقال إلى المدينة بحثاً عن التعليم وهناك يحترق الحلم
تعيش معظم أسر ذوي الإعاقة في الأرياف ظروف مادية صعبة وتعاني من انتشار الأمية والأمراض والفقر المدقع ما يّصعب عليها البحث عن بدائل لتعليمهم أو ارسالهم للتعليم في المدينة مقارنة ببعض الأسر الأخرى والتي تقوم بإرسال أبنائها الصم إلى حيث تتوفر مدارس مخصصة لهم أو تقوم بالانتقال معهم إلى مناطق تواجدها.
خالد الوافي، 17 عاماً شاب أصم، ولد العام 2005 في قرية قشيبة عزلة بلاد الوافي التابعة لمديرية جبل حبشي غربي تعز وعاش طفولة معذبة إذ أن أسرته تعيش على ما يكسبه الوالد من مبالغ زهيدة من عمله في النجارة.
خالد ليس بمفرده بل يقول إنه من بين عشرة أبناء فشقيقه وشقيقته هم من ذوي الإعاقة السمعية كذلك وثلاثتهم تأخروا عن التعليم بسبب عدم وجود مدارس خاصة بالصم في منطقتهم أو عدم تهيئة المدارس العامة لاستقبالهم.
في سن العاشرة انتقل خالد مع أسرته إلى مدينة تعز بحثاً وراء مدرسة له ولشقيقه عيدروس وشقيقته نوارس والتحق العام 2013 بمدرسة الصم في المدينة، ودرس الصفين الأول والثاني الأساسي لكن الحرب التي اندلعت العام 2015 في المدينة حالت دون استمراره وشقيقيه في التعليم. وبسبب الحرب نزح خالد مع أسرته إلى مسقط راسهم وانقطع هو وأخوته عن التعليم خلال فترة النزوح لعامين، عادوا بعدها إلى مدينة تعز وأراد خالد معاودة الدراسة لكنه لم يتمكن من ذلك فالمدرسة دمرت و أحرقت محتوياتها.
يقول شقيق خالد واسمه براق للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة: “حاولت البحث عن مدرسة أخرى لخالد وعيدروس ونوارس في مدينة تعز والتي تندر فيها المدارس المناسبة لذوي الإعاقة وبعد أيام عثرت قرب المستشفى الجمهوري على مدرسة الصمود”، يضيف براق: “قابلت مدير المدرسة و طلب مني الوثائق المتعلقة بالسنوات السابقة والتي تثبت تخطي خالد للصفين الدراسيين الأول والثاني، لكن جميع الوثائق كانت قد احترقت مع مبنى الجمعية ولم يجد المدير حلاً سوى معاودة خالد وعيدروس ونوارس الدراسة من الصف الأول الابتدائي”.
يدرس خالد اليوم في الصف الخامس الابتدائي في حين كان ينبغي أن يكون في الصف الثاني الثانوي ولهذا يلازمه الشعور بفارق السن بينه وبين زملائه في الصف ويراوده احساس بالخجل ومع ذلك يصر على مواصلة التعليم والحفاظ على تفوقه المعتاد منذ التحاقه بالتعليم وتصدره لأوئل الطلبة في مختلف الصفوف التي اجتازها.
من ناحيته يقول مكتب التربية والتعليم في مدينة تعز أنه يواجه صعوبة في تلبية احتياجات ذوي الإعاقة في داخل المدينة وخارجها وأن الاعتمادات والميزانيات التي يتلقونها لا تكفي لتغطية جميع متطلبات واحتياجات ذوي الإعاقة بمختلف شرائحهم بما فيهم الصم.
وتظل قضايا ذوي الإعاقة في الأرياف معاناة لا تنتهي ولا تصل إليها المؤسسات إلا فيما ندر يسهم في ذلك التغييب والحرمان عدم التفات وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية لمعاناتهم في أكثر من مجال وعلى أكثر من مستوى.