خاص/المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة (MCPD) فهيم سلطان القدسي
تتزاحم بنا الأفكار وتمر بنا ذكريات الحياة ونحاول بين الفينة والأخرى أن نصارع كل ما فيها من معوقات علنا نصل إلى مرافئ الأمان كما وصلت إليه بطلة قصتنا , لنتعلم من الآخرين أسمى معاني التحدي والصمود أمام مواجهات العراقيل التي تعترض سبيل أحلامنا وطموحاتنا .
سنذهب معا للغوص في أعماق شخصية لنكتشف خفاياها في إصرارها ومضيها بكل جد نحو ذلك الأفق الوضاء بكل تفاصيله رغم انه جزء عابر من حياتها المليئة بكثير من المواقف التي صقلت منها شخصية قوية وقادرة على وضع بصمة أسمها “تيسير مطر” .
فهي ذات الستة والثلاثون عاما من مواليد محافظة حجة اليمنية أصيبت بكف البصر منذ الولادة , بكر والديها وأخت لثمانية أخوة ، عضو في الهيئة الإدارية لجمعية الأمان لرعاية الكفيفات ومختص في قسم الإعلام والمناصرة بجمعية الأمان، موظفة لدى المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون في قسم الرعاية والأنشطة .
تقول “تيسير يحيى مطر” : عشت حياتي كأي إنسان لا يعرف أهله انه ذو ظرف خاص كنت العب مع الأطفال وأمارس حياتي اطلع وأتحرك , مرة أتعرض للإصابات ومرة أتفوق عليهم ومرة اخفق , فأهلي لا يعرفون كيف التعامل مع طفلة تعاني من كف البصر ” .
المدرسة .. إصرار على الإستمرار .
التحقت تيسير بالمدرسة العادية ، ولم تكن قد التحقت بأي جمعية أو منظمة خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة . اعترضتها العديد من المعاناة في سنوات دراستها فكان بعض المدرسين يواجهون عدم قدرتها على القيام بعمل الواجبات بالضرب بشكل شبه يومي ,
تيسير “بعض زميلاتي كن يواسني بقولهن لو كنا مكانك لن نداوم بل لن نحضر للدراسة ومع كم الكلمات التي كنت استمعها منهن , كنت استمع لشيء بداخلي يقول لي استمري وواصلي وتغلبي على كل المعوقات والنظرات القاصرة وكل شي سيئ محيط بك , على الرغم إني كنت طفلة لكن كان إصراري بداخلي عجيب “
وتمضي تيسير بذلك الإصرار الذي وصفته بالعجيب لأنها لم تكن تدرك حينها أي قوة غريبة تلك التي منحتها الاستمرار , فلم تكن هذه فقط الصعوبات التي واجهتها بل ويواجهها كل ذوي الإعاقة في مراحل التعليم العام مفتقرة إلى ابسط مقومات الدمج التي يجب توفرها لهم .
فتسرد تيسير روايتها للمركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي يتشرف بإفراد هذه الزاوية لها , بعضا من الصعوبات التي مازالت تتذكرها في المدرسة ” أحيانا كانوا على سبيل المثال في أيام الامتحانات يتم تعليق جدول الامتحانات , وأحيانا يتم تعديل بعض المواد أو تقديمها أثناء فترة الامتحانات وخاصة انه كنا نمتحن في شهر رمضان فيحاولوا يقدموا ليكون هناك متسع للتحضير للعيد من قبل المدرسين , وكنت احضر الاختبارات ولم يخبرني احد بذلك التغيير وتفوتني مواد , وبالنسبة للمدرسة أحيانا أتعرض للسقوط من أماكن مرتفعة أو تعترضني سلالم مكسرة لم أكن أدركها , وكنت أتعرض للأذى النفسي بشكل متكرر , مرت الأيام ومرت السنوات وانتهيت من مرحلتي الثانوية وسط تشجيع من أهلي الذين بذلوا معي الكثير من الجهد ومازالوا يبذلون إلى هذه اللحظة .
جمعية الأمان لرعاية الكفيفات “نقطة التحول إلى الانجاز”
التحقت “تيسير مطر” بجمعية الأمان لرعاية وتأهيل الكفيفات بعد أن أكملت دراسة الثانوية العامة وبعد مرور شهرين أصبحت عضوه في الهيئة الإدارية للجمعية الجمعية التي وجدت فيها الأمان الحقيقي ليس ذلك فحسب بل أنها وجدت دافعاً تصفه تيسير في معرض قولها بإكسير حياة لها ولزميلاتها أنها الأستاذة فاطمة العاقل رحمة الله عليها :” رحبت بطموحي وأشعرتني أني إنسانة ذات قيمة في مجتمعي وانه سوف يظهر مني الكثير فكانت دائما تشجعني وتحمسنا أنا وصديقاتي الكفيفات , أتذكر منها الكلمة التي صقلت مني جميع ما حباني الله به هي كلمة (تصرفي) عندما تواجهنا صعوبات كانت دائما تجعلنا في المحك الحمد لله أصبحنا ذوات انجاز في مجتمعنا وأصبح يشار إلينا بالبنان .
الجامعة ومادة الحاسوب غيرت حلم حياتي !
رغم حبها الجم للكتابة ورغبتها بمجال الإعلام انسحبت تيسير من الالتحاق بقسم الإعلام بسبب تخوفها من مادة الحاسوب حسب قولها عندما اخبروها أنها مادة أساسية . فتصف لنا السبب ” تخوفت كثيرا وكنت أقول لا يوجد لدي حاسوب وكيف سوف أتعامل مع الحاسوب , انسحبت من حلم حياتي وهو قسم الإعلام والتحقت بقسم اللغة العربية بجامعة صنعاء وكنت متميزة بشهادة الكثيرين من مدرسين وزملاء , والكل كان متعاون معي ورغم الصعوبات والمعوقات التي كانت موجودة بالمقابل أجد ذلك الحافز الداخلي بالاستمرار ومن يكون عونا لي على تجاوزها سواء من أسرتي أو صديقاتي أو زملائي أو جمعيتي خلال هذه الفترة عملت كمتطوعة في الجمعية كنت ادرس واعمل وأنهيت دراستي الجامعية وحصلت على شهادة البكالوريوس بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف وحضرت الكثير من الدورات والدبلومات التي طورت من شخصيتي ومهاراتي .
الدراسات العليا والماجستير بامتياز .
بعد سنوات فكرت في الالتحاق ببرنامج الدراسات العليا والماجستير كنت أرغب بمجال التربية الخاصة ولكن جامعة صنعاء لم تفتح هذا القسم وحاولت البحث عن قسم قريب وشبيه بهذا القسم فكان قسم علم النفس هو الأقرب .التحقت تيسير بالبرنامج وبدأت الدراسة وكانت من أصعب مراحل حياتها كما تقول . ” كانت مرحلة الجد من خلال التكاليف التي كنا نكلف بها والواجبات والأبحاث وأصعب شيء واجهني وجود ثلاث مواد إحصائية واحدة كانت نظري , ومادتين وعدت بالإعفاء منها ولم يتم ذلك وطلب مني اجتياز الامتحان ولم أوفق وأول مرة في حياتي وبسبب أن الدكتورة لم تعي كيف التعامل مع ذوي الإعاقة البصرية في إعداد الامتحان ونظرا لوجود رموز وأشكال يصعب علي التعامل معها ومعرفتها , وبعدها قررت امتحاني شفوي ولكنه تم جمع مادتين في يوم واحد واجتزت الامتحان ولكن قسم الكلية رفض النتيجة وشعرت يومها بذلك الشعور المحفوف بإحباط غريب , تذكرت كلمتها (تصرفي) الكلمة التي اعدها أكسير حياة , وأخذت عهد على نفسي أن أكمل الدراسة خارج اليمن لان هناك مراعاة وتقدير لذوي الإعاقة وتشجيع لمواصلة الدراسة , والحمد لله حصلت على درجة الماجستير بتقدير امتيازفي مجال التربية الخاصة في رسالتي الموسومة ب:(المشكلات التي يواجهها طلبة المرحلة الثانوية من ذوي الإعاقة البصرية في مدارس الدمج الحكومية في الجمهورية اليمنية )” .
عنها في سطور .
ونحن نطوف أمام قامة من قامات ذوات الإعاقة ما كنا نريد أن نحط رحالنا, معها لأنها نبراس نتعلم منها الكثير “تيسير مطر” تختم بعبارات صاغتها لنا لنبعثها عبر صفحات للــــ (MCPD) تقول فيها :على الرغم مما حققته مازلت احلم بالكثير أتمنى الوصول إلى أعلى الدرجات العملية إلى أعلى المراتب , وان يعم السلام وتسود المحبة والسلام بين أبناء اليمن كافة , ويصل كل ذي إعاقة إلى ما يطمح إليه وهو يسعى إلى ذلك , أتمنى من كل يد نديه تستطيع إعادة الأمل إلى كل قلب استطاع اليأس التمكن منه أن لا تبخل .الأحلام كثيرة ولكن تحقيقها صعب المنال وتحتاج إلى جنود مجهولة وأيدي خفية تدفع إلى مواصلة المشوار .