خاص : سحر علوان /
سارة طفلة صغيرة دائمة الابتسام، وخاصة عند دخولها للمدرسة في أول سنة دراسية، لم يلبث الفرح في ثغرها طويلاً فقد سُحب ملفها الدراسي ولم تكمل نصف العام!ولكن لماذا؟!تعاني سارة من اضطراب التوحد، إن وجه لها كلاماُ لا يروقها من أحد زملاء صفها، وإن نهرها أي شخص بعبارات لا تفهمها، قد يصل بها الحال للاشتباك بالأيدي، وهذا ما جعلها عرضة لتجارب وشقاوة الأصدقاء.لم تستطع سارة حتى اللعب في ساحة المدرسة أو المشاركة في الأنشطة الترفيهية والعاب الصف فقد كان الزملاء يأخذون من يديها أي لعبه كونها برأيهم لا تستطيع اللعب كبقية الأطفال.لم تعد سارة للمدرسة فقد أصبح محيط لعبها في حدود المنزل وعلى نطاق الأسرة الصغيرة، وحتى في الشارع لا يمكنها اللعب فجميع الأطفال لا يفضلون اللعب معها.. كونها مختلفه عنهم.هكذا شرحت لل ـ MCPD الأخصائية الاجتماعية ا/ وفاء محمد عن سارة من أحدى مدارس صنعاء
(يمثل اللعب عنصراً أساسياً للتطور الاجتماعي والعاطفي والإدراكي الطبيعي إذ يجعل الإنسان أكثر ذكاء وقدرة على التكيف وأقل توتراً، ووفق دراسات نفسية فإن الطفل الذي لا يلعب في صغره قد يتحول في كبره لشخصية مضطربة وغير قادرة على الانسجام في المجتمع).وحيث تنص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في الفقرة 31 ( إن لكل طفل الحق في الراحة والاسترخاء واللعب والمشاركة في أنشطة ثقافية وإبداعية)وهذا الحق يمتلكه جميع الأطفال بصرف النظر عمن هم وأين يعيشون وما إذا كانوا ذوي إعاقة أو أي لغة يتكلمون.
الإساءة العاطفية والأثر النفسي
الإساءة العاطفية للطفل تمثل الهدم النفسي وتعتبر شكلاً من السلوك الذي يؤثر بشكل خطير على النمو الإيجابي للطفل.ومن المتوقع سلفاً أن الإساءة العاطفية هي أقل اشكال الإساءة فهماً ووضوحاً، رغم أنها قد تكون الأكثر تدميراً بين كل أنواع الإساءة العاطفية، يشار هنا إلى أن الأطفال المحرومين بشده من الرعاية العاطفية الأساسية وحتى لو لقي الرعاية البدنيةـ فقد يتأخر نموه الإدراكي.
والأشكال الأقل شده من الحرمان العاطفي والرعاية قد تؤدي لنمو أطفال قلقين لا يشعرون بالأمان، وربما يقل احترامهم لذواتهم.وتحدث هذه الإساءة نتيجة الفشل الذي قد ترتكبه العائلات بحق أطفالها وتقصيرها في توفير الاحتياجات الأساسية للطفل عاطفياً ( كزرع الثقة بداخله) وبدنياً كتوفير الغذاء والرعاية الصحية وحق التعليم وكذلك الحق في اللعب وتوفير المحيط والأشخاص المناسبين.
الجدير بالذكر أن الإساءة العاطفية وسوء المعاملة اللفظية والرفض وإجبار الطفل على الانعزال والترهيب والسخرية كلها تندرج تحت مسمى الإساءة.يخاف بعض الأطفال من المشاركة التفاعلية أثناء خروجهم للمحيط وينعكس هذا السلوك على شخصياتهم سيما إن تعرضوا للتنمر أثناء اللعب أو إن واجهوا عبارات لفظية جارحه من أقرانهم تثبط من قدراتهم أو تقلل منها نتيجة إعاقتهم.
ويتفق علماء النفس على أن زيادة المخاوف لدى الطفل تعوق حريته وتلقائيته، كما تؤدي إلى نقص قدرته على مواجهة توترات الحياة، كما يصعب على الطفل تكوين صداقات ويفضل العزلة وعدم اللعب.
نماذج مؤسفة
تحكي أم لؤي تجربتها المريرة وتقول:( لدي طفل معاق وفي يوم خرجنا للحديقة مع والده وأثناء لعب لؤي “بالزحليقة” دفع الولد الذي كان أمامه برغم عدم تضرر الولد حينها، إلا أن والد الطفل نهر ابني وقام بضربه، وصرخ علينا بقوله: (ابنكم معاق خلوه بالبيت)لم أنسى ذلك اليوم وحتى اليوم أبكي من هذا الموقف الذي أثر عليا أنا نفسياً، فما بال طفلي وما ذنبه؟!كذلك حسن محمد يقول:” لدي فتاتين لديهما إعاقة وعند ذهابهما للعلب مع الصديقات، تفر صديقاتهما هاربات ويهتفن: (مجنونات ما نعلب معاهن)يعقب حسن بقوله أتمنى من الأهالي تعليم أطفالهم الأدب وخاصة إن واجهوا أطفال من ذوي الإعاقة”.ويضيف: (أصبحت ما أخليهم يختلطوا مع أحد غير الأقارب ووفرت لهم كل شي يحبوه).
مُعالجات وحلول
يقول الخبراء الأخصائيون الطفل بحاجة إلى التفريغ النفسي والإنفعالي للمشاعر المكبوتة والتي قد يكون اكتسبها في عزلته، حيث يعجز الكثير من الاطفال عن الحوار اللفظي للتعبير عما يجول في خواطرهم، لذلك يكون اللعب الحر والرسم وتمثيل الأدوار أدوات هامة لتفريغ هذه الإنفعالات، إضافة إلى محاولة إخراج الطفل من دائرة العزلة التي قد تطوق عنقه، وتوفيرالجو الملائم الذي يشبع فيه ميوله واهتمامه وممارسة الأنشطة المثمره والترفيهية، إضافة إلى الإنخراط في جو المرح مع الأصدقاء.
وخلاصة توجيهات المختصين في هذا المجال أنه على الأهل في حال تعرض الطفل لظروف إساءة نفسية تنمر أو ألفاظ ومواقف سخرية على الأهل إحاطتهم بالاطمئنان وعدم تركهم عرضه لمواجهة ألفاظ أو مواقف دون دعم نفسي، كما على الأهل تعزيز الثقة لدى الأطفال، وذلك عن طريق الحديث المتواصل معهم مع التركيز على بث كلمات تشجيعية وتشتيت فكرهم عن الألفاظ والمواقف المسيئة وتطمينهم بأن كل شي سيكون بخير وأن الأحداث الصعبة تكسبهم مناعة وتقبل للآخر بالإضافة للقناعة والرضا عن التعايش مع الآخرين رغم الاختلافات الفكرية والآراء الشخصية. متى سيكون دور الأهل والمجتمع والأطفال أجمع داعم إيجابي للعب الاطفال ذوي الإعاقة؟ ومتى ستُهيأ الحدائق العامة بجو يحتضن مرح الأطفال دون منغصات لفظية أو نظرات استغراب؟ومتى سيدرك الجميع أن كل الأطفال لهم الحق الكامل باللعب سواء أطفال ذوي إعاقة أو دون إعاقة؟!