المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة

مؤسسة إعلامية مستقلة تعنى بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة

“بك أُبصر” مبادرة يبصر المكفوفون بها مناهجهم في الجامعات.

“بك أُبصر” مبادرة يبصر المكفوفون بها مناهجهم في الجامعات.

خاص : إبراهيم محمد المنيفي /

هناك عيونٌ رأى بها أصحابها الحياة واستمتعوا بتفاصيل يومية كثيرة عن طريقها، لكن كثيرون لم يجربوا أن يمنحوا أعينهم بضع دقائق لمن لا يبصرون، كثيرون ضنوا أنهم يستمتعون بأبصارهم لكنهم لم يجربوا متعة من نوع آخر ومختلف إنها متعة أن تكون عينك هي عين إنسان آخر يشاركك الإنسانية، كما أنه مثلك يدرس ويتعلم ويحلم أن يكون شيئا في المستقبل، إنها مُتعة العطاء تشبث بها من جربوها وسطروا قصص لا ينساها لهم المكفوفون مادامت بهم الحياة.

تبدأ القصة الجديدة القديمة في جامعاتنا التي تأبى أن تتحمل مسؤولياتها عن جميع طلابها على السواء فتترك بعضهم ليتدبرو  شؤون أنفسهم بأنفسهم، تترك الجامعات اليمنية المكفوفين دون مناهج أو كتب ومراجع بطريقة برايل أو حتى مسجلة، ولأن المقررات الجامعية غير ثابتة وعملية اختيار المراجع والإحالات الأكاديمية تختلف من دكتور إلى آخر فإن الطلاب المكفوفين يلجؤون إلى زملائهم أو مراكزهم في الجامعة لتسجيل تلك الكتب والمقررات صوتياً.

ومع الدور المهم الذي تقوم به مراكز المكفوفين التي أنشأتها جمعياتهم في بعض الجامعات إلا أن تسجيل المقررات لا يزال مشكلة حيث أن المراكز تعتمد على المتطوعين من الطلاب والطالبات، ولأسباب كثيرة عانى ولا يزال المكفوفون من تأخر التسجيلات أو عدم الالتزام بالمواعيد فضلاً عن ضياعها وعدم الاهتمام بجودة التسجيل ودقة اللغة وغيرها من المشاكل كما يقول أمين حترش، بطل قصتنا – وأمين علي محمد حترش، هو من ذوي الإعاقة البصرية تخصص شريعة وقانون مستوى رابع بإحدى الجامعات الخاصة–، يضيف أمين للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة: “اعتاد معظم الدكاترة تحديد المقررات الذي تدخل منها الامتحانات نهاية الفصول الدراسية، وهذا ما يضع الطالب الكفيف في سباق مع الزمن ليتمكن من الحصول على المقرر مسجل صوتياً فكيف إذا واجه بعد ذلك عدم الالتزام بمواعيد التسجيل وضياع المادة؟!” ويحاول أمين أن يضع المعنيين أمام مسؤولياتهم ويتساءل باستهجان: “هل يعلم المعنيون أن بعض الطلاب لا تصله التسجيلات إلا قبل الامتحان بيوم أو ليلة الامتحان نفسها وبعض الحالات امتحن الطلاب المكفوفون دون مقررات يرجعون إليها؟ هل يدركون حجم الضغط النفسي الذي يقع فيه الطلاب جراء هذا التأخير؟ هل يستشعرون مسؤولية أن هناك طلاب مكفوفين قادمين من محافظات بعيدة والبعض صرفت عليه أسرته دم قلبها ليتعلم ومع ذلك يواجه كل هذا الخذلان؟!”

أمين يهندس الحل بعيون مخلصة

لم يتوقف أمين عند المشكلة ليشبعها تنظيراً ويبحث على من يلقي اللوم، مباشرةً قرر أن يشعل الشمعة بنفسه ويتحمل المسؤولية، فقام بطرح المشكلة على أحد الزملاء الذي بدوره استدعى زميلة أخرى ليجتمع ثلاثتهم ويقرروا أن يطلقوا مبادرة أسموها “بك أُبصر” مهمتها جمع الراغبين من الطلاب والطالبات بالتطوع ليمنحوا المكفوفين جزء من أوقاتهم لتسجيل المقررات صوتياً، وشيء فشيء انتشرت الفكرة بين الطالبات بنفس الجامعة التي يدرس فيها أمين حتى توسع الفريق بشكل لافت.

استثمار الضوء وتوظيف الجهود بشكل مناسب

التقط أمين زمام المبادرة وقرر مع فريقه توظيف الجهود بشكل رائع يضمن استمرارها وإيصال التسجيلات للطلاب المكفوفين وفق المدة الزمنية المعقولة التي تضع في أول اعتباراتها احتياج الطالب والوقت المُتاح.

وضعت المبادرة آلية تراعي سهولة الاستفادة منها واستغلال التكنولوجيا يشرحها أمين بالتفصيل إذ يقول: “قمنا بإنشاء مجموعتين: مجموعة للمتطوعين وأخرى للمتطوعات حرصاً على خصوصية الفتيات، ومجموعة ثالثة للطلاب المكفوفين من مختلف الجامعات، يقوم الطالب الكفيف بإرسال الكتاب أو المرجع على شكل مستند إلكتروني عبر الواتساب أو التلجرام ويحدد الفترة التي يريد خلالها التسجيل، بعد ذلك نقوم بعمل منشور على مجموعات المتطوعين باسم المادة لدينا والمدة التي نريد خلالها أن يكون التسجيل جاهزاً ، ثم نستقبل طلبات التسجيل ونقوم بتوزيع المستندات الموجودة لدينا على المتطوعين والمتطوعات وبعد إرسالها لنا كملفات صوتية نقوم بتجميعها وترتيبها وإرسالها إلى الطالب، وفي حالة عدم وجود الكتاب بصيغة إلكترونية يضع الطالب الكتاب في أقرب محل عام معروف ونقوم بالإعلان عن الكتاب ومحل توفره ليقوم المتطوع الأقرب بأخذه وتسجيله”

حينما يكون المتطوعون نبلاء.. مواقف لا تُنسى.

بصوت يملأه الفخر والتأثر يعبر أمين عن سعادته بأن مبادرته أصبحت ملجأ للكثير من الطلاب، ويقول أن المبادرة تمكنت من تسجيل مئات المقاطع الصوتية لعشرات المقررات والأهم أنها أوصلتها للطلاب في الوقت المناسب.

وبتقدير كبير واحترام جم يتحدث أمين عن حماس وإخلاص المتطوعين وخصوصاً الفتيات وتفانيهن لتسجيل المقررات، وحين سألناه عن أكثر موقف تأثر به في عمله مع المبادرة قال أمين: “كل جهد تطوعي هو مؤثر ومحل تقدير واحترام، لكن أكثر موقف تأثرت به عندما أرسلت إلى مجموعات المتطوعين مستند مقترح لائحة تصنيف الإعاقة الذي أثار جدل كبير وكان المكفوفون يرغبون بقراءته لكنهم لم يتمكنوا بسبب عدم قدرة البرامج الناطقة على قراءة مستندات PDF، وبعد تسجيل اللائحة صوتياً تداولها المكفوفون بينهم بشكل واسع، وحينها طلب رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين اسم من قامت بتسجيل اللائحة لتكريمها، لكنها شكرته على اللفتة وفضلت عدم التكريم وقالت: أنا لا أرغب بأي مكسب مادي من تطوعي في هذا العمل خصوصاً، كما أنني أقوم بالتسجيل ولا أعرف لمن التسجيل وكيف سيستفيد منه لكنني أثق بأنني أسجل لأشخاص مستحقون وسيستفيدون منه بطريقتهم”

يتحدث أمين عن متطوعة أيضاً تعيش في محافظة أخرى لكنها ترسل أحد أقاربها القادمين إلى صنعاء لأخذ الكتب الورقية وتقوم بتسجيلها، ويلفت أمين إلى ثقافة بعض الأسر وثقتها التي تمنحها لبناتها ويقول: “لك أن تتخيل أخت تطلب من أخيها أن يذهب إلى شخص لا يعرفه ولا تعرفه ليأخذ منه كتاب ثم يجلبه لها لتقوم بتسجيله، هل يمكن أن تقوم بهذا لولم تكن هذه الأسرة كريمة ونبيلة وتربي أبنائها على قيمة العطاء وخدمة المجتمع؟”

وعلى الرغم من أن هدف المبادرة هي تعميم النور ونشر الضوء للمكفوفين إلا أن أمين يشكو من عدم تفاعل مؤسسات المكفوفين مع المبادرة ويُطالب بتشجيع مثل هكذا مبادرات ويؤكد: “ليس من الضروري أن تستحوذ على مبادرتي لتدعمني في الوقت الذي تعطلت الكثير من المبادرات لديك وعلى مدار عدة سنوات لا يزال الطلاب يعانون من مشكلة تسجيل المناهج، نحن نعرض أحياناً لبعض المراكز تفرغ بعض المتطوعين لدينا لكنهم يرفضون أن نسجل لهم الكتب المتراكمة لديهم إلا إذا ربطناهم مباشرة بمتطوعي المبادرة”

وهكذا فإن مبادرة “بك أُبصر” بأعضائها الذين يناهزون المائة متطوع ومتطوعة قد استطاعوا أن يحققوا تقدماً كبيراً في هذا الملف وبشهادات الطلاب أنفسهم، أما عن حماس المتطوعين والمتطوعات فلا يقل عن البدايات ما يبشر بأن تلك المبادرة وجدت لتستمر وبها ليبصر المكفوفون مناهجهم دون عناء.

رفض لمضمون وحدة دراسية عن المعاقين والوزارة تعد بالتصويب

رفض لمضمون وحدة دراسية عن المعاقين  والوزارة تعد بالتصويب

خاص: إبراهيم محمد المنيفي /

“تفاجأت وأنا أذاكر لأختي ملاك في الصف السابع كتاب الوطنية بطريقة تناول المنهج لذوي الإعاقة، حيث قدمهم المنهج على أنهم يعانون من قصور في القدرة على التعلم، وقدمهم على أنهم حالة مرضية حيث وضعهم مقابل الأفراد السليمين في التعريف” خديجة أبو جابر تتحدث لل-MCPD عن الوحدة الرابعة من كتاب الوطنية الذي يعتبر أحد مجالات مادة الاجتماعيات للصف السابع الأساسي.

لطالما اشتكى ذوو الإعاقة من تهميشهم في المناهج الدراسية وتناولهم بطريقة نمطية وخاطئة، وطالبوا بأن يكون لوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي دور في نشر الوعي بقضايا وحقوق ذوي الإعاقة كشريحة تمثل 15% من السكان.

ومؤخراً استجابت وزارة التربية والتعليم بصنعاء لمطالب ذوي الإعاقة وخصصت وحدة كاملة في مادة الاجتماعيات كتاب الوطنية الوحدة الرابعة التي تكونت من أربعة دروس بواقع سبعة عشر صفحة، ناقشت مواضيع الوحدة تعريف ذوي الإعاقة، ومتطلباتهم، وأبرز مؤسساتهم في اليمن، ودمجهم في الحياة العامة.

منظور رعائي متحيز يرفضه أولياء أمور المعاقين وبعض المعلمين.

على الرغم من التوجه الإيجابي لقطاع المناهج بوزارة التربية والتعليم نحو تبني قضايا ذوي الإعاقة من خلال المناهج الدراسية إلا أن حقوقيين وأولياء أمور رأوا في محتوى الوحدة الدراسية المشار إليها منظور رعائي طبي متحيز يخالف التوجه الحقوقي العادل الذي نص عليه مضمون القانون رقم 61 لسنة 1999 ولائحته التنفيذية والتزامات اليمن الدولية من خلال مصادقتها على الاتفاقية الدولية لتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

تقول خديجة أبو جابر: “شعرت بالأسف والاستياء حينما رأيت ذوي الإعاقة يقدمون بهذه الطريقة، وقررت إعطاء أختي تعريفاً مختلفاً عن التعريف الموجود في الكتاب مراعاةً لمشاعرها فهي كفيفة وأعتقد أن التعريف ذات مضمون لا يراعي مشاعر الطلاب ذوي الإعاقة” وتضيف خديجة: “حتى المعلمة التي تدرس أختي أخبرتني بأنها تجاوزت التعريف في غرفة الصف حرصاً على مشاعر أختي الطالبة لديها”

من جهتها تحدثت أمل ،معلمة اجتماعيات في إحدى المدارس الخاصة، أن مدرستهم تلقت الطبعة الجديدة بالفعل وأنها بدأت بتقديمها لطلابها في الصف السابع، وقالت أنها لم تلاحظ أي تقديم متحيز لذوي الإعاقة في الوحدة المشار إليها وأنها على العكس تحث في مضامينها على دمج ذوي الإعاقة في المجتمع.

مخالفات للقانون.. وذكر مؤسسات وتجاهل لأخرى.

يتفق الجميع على إيجابية التوجه نحو طرح وتناول قضايا ذوي الإعاقة ضمن المناهج الدراسية ويطالبون من وزارة التعليم العالي أن تحذو حذو وزارة التربية والتعليم في ذلك. وتكمن اعتراضات الحقوقيين وأولياء الأمور الذين تحدثوا لل-mcpd على مضامين الوحدة في عدة نقاط أهمها:

  • عنوان الوحدة “ذوي الاحتياجات الخاصة ومتطلباتهم” فمصطلح “ذوي الاحتياجات الخاصة” الذي تم استخدامه في عنوان الوحدة وخلال الدروس الأربعة يشمل فئات أخرى كثيرة غير ذوي الإعاقة كالموهوبين وذوي الأمراض المزمنة وأطفال الشوارع وغيرهم ممن يعتبرون فئات خاصة ولهم احتياجات خاصة يدرسها علم التربية الخاصة.
  • مخالفة روح الاتفاقية الدولية لذوي الإعاقة ومضامين القوانين النافذة في البلاد التي تشير إلى هذه الفئة بمصطلح ذوي الإعاقة، وذلك في صفحة 65 من الكتاب المذكور التي جاء فيها: “كما يطلق على هذه الفئات اسم المعاقين، والأفضل اسم ذوي الاحتياجات الخاصة حتى لا تُجرح مشاعرهم”
  • مخالفة التوجه الحقوقي الذي يعتبر الإعاقة حالة اختلاف وتنوع طبيعي في المجتمع تحتاج فقط لمعينات وتهيئة ظروف مناسبة لتجاوز الإعاقة وليست حالة صحية بمعنى أن ذوي الإعاقة ليسوا عاجزين عن تحقيق ما يحققه غيرهم إذا توفرت لهم الوسائل والأجهزة التعويضية والبيئة المناسبة، فالتعريف الوارد في كتاب الوطنية للصف السابع صفحة 65 يضع الشخص المعاق كشخص مريض مقابل غير المعاق الذي يصفه بالسليم حيث نص التعريف على المعاقين بأنهم: “أفراد يعانون من قصور في القدرة على التعلم أو اكتساب خبرات أو مهارات أو أداء أعمال يقوم بها الفرد السليم”
  • الخلط بين ذوي الإعاقة العقلية وذوي صعوبات التعلم وهما شريحتان مختلفتان بحسب مقياس الذكاء العالمي ستنفورد بينيه stanfurd binih SB5 في الدرس الثالث “متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة” صفحة 69.
  • وعند التطرق لذكر مؤسسات ذوي الإعاقة في الدرس الثالث ذكرت أسماء بعض المؤسسات بشكل خاطئ مثل: “مدرسة أمان للكفيفات” والمقصود مدرسة “الشهيد فضل الحلالي للكفيفات” التابع لجمعية الأمان، فضلاً عن ذكر مؤسسات توقفت عن العمل، والتفصيل في ذكر بعض المؤسسات والمراكز التابعة لها وتجاهل مؤسسات أخرى تعتبر الأكبر والأقدم مثل مركز النور للمكفوفين بعدن الذي تأسس عام 1954 والاتحاد الوطني الذي يعتبر مضلة لاتحاد جمعيات ذوي الإعاقة في اليمن.

الوزارة تنتقد مؤسسات ذوي الإعاقة وتعِد بالتصويب.

حصلنا في ال-MCPD على نسخة من كتاب الوطنية طبعة عام 2022 للتحقق من صحة ما ذُكِر، وتواصلنا مع د. ضيف الله الدريب، مدير عام المناهج بوزارة التربية والتعليم بصنعاء الذي أبدى استعداد الوزارة الكامل لتصويب ما يُعتقد أنها أخطاء وقال: “إن الكتاب المشار إليه نسخة تجريبية مدتها عام واحد، وسنعمل على تصويب ما قد تكون أخطاء أو معلومات ناقصة، وقد وجهت المعنيين بتوقيف إرسال الكتاب للمطابع للتحقق مما ذُكِر”

وعن استشارة ذوي الإعاقة والمتخصصين حول مضمون الوحدة الموجهة لذوي الإعاقة قال الدريب: “لقد قمنا بتشكيل فرق مختصة وأعطيناهم محددات ومعايير عمل ولا يمكن أن يتم الأمر بصورة ارتجالية”، وانتقد الدريب تقصير مؤسسات ذوي الإعاقة في التعاون والتشبيك مع قسم ذوي الإعاقة والموهوبين بالوزارة لتزويدهم بالمعلومات اللازمة.

من جهتها قالت صباح الجوفي ،مدير إدارة التربية الشاملة بوزارة التربية والتعليم: “لا نعلم بهذه الوحدة ولم يتم استشارتنا عند وضعها” وطالبت الجوفي من مؤسسات ذوي الإعاقة الاطلاع على الوحدة الدراسية المذكورة وعمل التصويبات والتوقيع عليها والرفع بها، وتعهدت بمتابعتها لدى الإدارة المختصة في الوزارة.